للمرة الثانية يتمرد الشعب المصري.. والويل من تمرد هذا الشعب العظيم، فغضبته على من خدعوه وخانوه كانتفاضة الأسود الجريحة، حين تتعمق جراح الانكسار من الخيانة، وتطمئن الذئاب متدفقة من أوكارها للنيل منه ومن أشباله وسبي ضباعه، حينها فقط تتفجر الطاقات الخفية في وجه الخونة وساقطي المروءة، و يستعيد عافيته من جديد ملقناً من خانوه درساً في الإرادة والعزيمة الإنسانية عندما تنحت في الأحجار تاريخاً جديداً، يأبى إعادة مسلسل الاستبداد والعمالة والخيانة والخزي ليعيد مصر إلى مصريتها قلباً للعروبة وقدسا لأقداسها. إنها سنة الحياة في أول صفحات كتاب التاريخ وقلب كتاب الجغرافيا وذروة حبكة الدراما الانسانية، عندما تتعقد الأمور لدرجة الاحتباس ثم تنفك إبهاراً للعالم بثورة جديدة على المنتج الأميركي المعدل لنظام مبارك، وللمصريين الحق أن يتضجروا من واجهته المتأسلمة الضالة المضللة والتي كادت أن تفسد على المصريين دينهم بعد أن شقت عليهم دنياهم في عصر المخلوع، ليصحح اليوم أحفاد عرابي وعبدالناصر والشاذلي كراسات التاريخ ويعيدون رسم خارطة الجغرافيا بتمرد جرد المتأسلمين من زيف شعاراتهم وعمالتهم للأميركي، ويتعلم جيشهم الدرس ليقف حائط صد منيع ضد استكمال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بدا أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة على أبواب المحروسة، منتظراً لحظة قراءة الفاتحة وتشييع جثمانه إلى مزبلة التاريخ. من حسن الطالع أن المصريين يعيدون اليوم تقديم أوراق اعتمادهم للتاريخ باسقاط التمكين بعد التوريث، ولعل في مشهد ميدان التحرير وميادين مصر وهي تنتفض ضد حكم الإخوان المسلمين المدعومين أميركيا، واللافتات المناهضة في ميدان التحرير لحفارة القبور السفيرة الأميركية آن باتريسون وراعي الفوضى الرئيس الأميركي باراك أوباما، ما يحمل رسائل لا تخطئها العين وإشارات مهمة على أن الدرس قد حفظه شباب مصر عن ظهر قلب، وربما جاء التدافع الدرامي وانكشاف الصورة وسقوط الأقنعة في نداء الاستغاثة الإخواني لأميركا والمجتمع الدولي (ادعموا الرئيس مرسي)، ليثبت بما لا يدع مجالا للشك حجم الخديعة التاريخية التي وقعت مصر في شراكها على مدى عامين، والتي وصلت إلى حفر وتعميق الانقسام بين أبناء الوطن الواحد بمداعبة أحلام (اخوانها المفلسين)، بل ووصلت الصفاقة والوقاحة مداها إلى استعارة قاموس التعامل مع ملهاة المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، بذلك الحديث الأميركي المتنطع عن (تنازلات مؤلمة) في مصر. ما على الشعب إذن إلا أن يستكمل ثورته، ليحمي نفسه وجيشه ومستقبل أبنائه من أذناب الفاشية الدينية وفلولها وربقه الأميركي والصهيوني، وهي مسألة لا أراهن فيها على جيل الشيوخ ممن أصبح مستقبلهم خلفهم، بل حق أن نقول إن ساعة العنفوان والشباب دقت لتقود ثورة التحرر الوطني المصري، وتحيي أمجاد مصر ولن أقول نهضتها (فكم أصبحت تلك الكلمة قبيحة من تكرارها على ألسنة بقالي الدين وسماسرته).!! [email protected]