وصلتنى رسائل كثيرة تعليقاً على موضوع أخونة التعليم اخترت منها رسالة الناقد التربوى صالح سعد من دمياط، اتسعت معها الرؤية حيث لم تعد القضية أخونة التعليم فقط ولكنه نظام التعليم التلقينى الاستبدادى العشوائى نفسه، تقول الرسالة: المدرسة المصرية فى قبضة الإخوان (خبر أزعج المصريين)، وكأنها المرة الأولى التى تحولت فيها بوصلة المدرسة المصرية ناحية القصر وساكنيه، حدث هذا طوال التاريخ التعليمى وفيه انقسم وزراء التعليم إلى فريقين، الأول وزراء التدجين الذين يتعايشون مع النظام ويطلبون السلامة والهدوء والاستقرار ويخرجون من الوزارة كما دخلوها أول مرة، وزراء (سمع وطاعة) مصابون بالهوس الوظيفى، وبسببهم توقفت حركة انتقال الأفكار التربوية التقدمية إلى التعليم، هم من بسببهم ترهلت الإدارة التعليمية ونمت الإدارة البيروقراطية المدرسية، وفى عهدهم نمت المدرسة نموا (خضريا لا ثمريا)، هم سدنة نظام مدرسى قدماه مصابتان بداء الفيل وينتمى لنفس الفريق وزراء الانقلابات التعليمية وكانوا الأكثر صياحا وضجيجا وكان ضررهم أكثر من نفعهم وبسببهم زادت مشكلات وأمراض المدرسة تعقيدا، أما وزراء الفريق الثانى وهم حصراً وبالعدد ثلاثة (رفاعه الطهطاوى وطه حسين وعبدالسلام عبدالغفار) والرابع ما زال جنينا يتكون فى ميدان التحرير، ولم يكن الرواد (رفاعة وطه وعبدالغفار) وزراء تسيير أعمال أو وزراء بالصدفة لكنهم ومعهم مصر المستقلة عن الترك فى وزارة رفاعة، ومصر الاستنارة فى وزارة طه، ومصر أكتوبر فى وزارة أستاذ التربية عبدالسلام عبدالغفار، هؤلاء القادة الثلاثة هم من واجهوا قضايا التعليم ووضعوها فى بؤرة الوعى العام لإيمانهم بأن التربية والتعليم هى فى الأساس مشروع للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وآمنوا بأن المشروع الوطنى للتنمية لايمكن أن ينهض مادام المشروع التربوى متخلفا. وحال المدرسة المصرية اليوم ليس استثناء من حال مصر المريضة، نكوص إلى الخلف والعيش فى أوهام الكهف، مصر ومدرستها خائفتان منزعجتان تعيشان على الكفاف والعيش الحاف راضيتان مكسورتا القدم والجناح وتأخرت كلتاهما عن اللحاق بقطارالانفجار المعرفى، واكتفت مدرسة مصر بتلقين الطلاب معلومات متفق عليها تحت دعوى الأمن والسلامة العقلية، وتجنبا لمخاطر التفكير وكى لا يصاب المصرى بعدوى الشك والتفكير والأسئلة (اللى ملهاش لازمة) إنه تعليم من نوع (التدجين التربوى) يتحول فيه الطلاب إلى أوانٍ فارغة ومخازن تودع بها نصوص ومحفوظات يحفظها الطلاب عن ظهر قلب وممنوع اللمس، إنه تعليم يسير على طريقة الودائع البنكية (إيداع وسحب) وتنتظم علاقة التلميذ والملقن فى (التعليم البنكى) على النحو التالى: الملقن يعلم والتلميذ لا يعلم، الملقن يلقن والتلاميذ يتلقون، الملقن وحده يفكر والطالب لا يفكر، الملقن يتكلم والتلميذ يستمع وينصت، الملقن ينظم والطالب لا ينظم، الملقن يختار ويفرض اختياره والطالب يذعن، الملقن يتصرف والطالب يعيش فى وهم التصرف من خلال عمل الملقن، الملقن هو قوام العملية التلقينية والتلاميذ نتيجتها، والملقن وتلاميذه تابعون أذلاء لواضع (المقرر التلقينى) ويقوم الملقن وتلاميذه فى كافة أرجاء مصر المحروسة بملء وتفريغ وسحب نصوص المقرر التلقينى متى طلب منهم ذلك، ولا اختيار أمامهم وإلا تعرض التلاميذ للهلاك والعقاب، وويل للمبدعين من (بعبع الامتحان) الذى يكرم فيه المرء أو يهان، ولسان حاله يقول.. (لولا سلامك سبق كلامك لكلت لحمك قبل عظامك)، وأخرج كل من لم يدخل بيت (الطاعة المدرسية) ذليلا مهانا يجرجر خيبة وعار الرسوب ويصبح فاقدا للأهلية والصلاحية التعليمية، وبمرور الوقت فإن بعض الطلاب ممن شاهدوا الملك عاريا يشعرون بالقهر، ويتسربون من تعليم كل أفعاله ناقصة ومعتلة ويكتشفون أن (التربية التلقينية) من مخلفات عصر القطيع والعبيد ويخرجون من (غرفتهم المعرفية المغلقة) من ظلام الغرفة إلى ضوء النهار وشمس (التعليم الحوارى) ويسلكون طريق التحرر وفيه يتمكن المقهورون من كتابة تاريخ جديد للبشرية.. إنه ميثاق جديد لتعليم يحرر الإنسان وفيه يتعلم كيف يعيش حرا ويتعلم كيف يتعلم حتى يتحرر من التبعية ويكتسب دائما معرفة جديدة طوال حياته ويتعلم كيف يفكر بطريقة حرة وكيف ينقد نقدا بناء ويتعلم كيف يكون كى لا يتعرض لسرقة عقله وقلبه وعرقه ويتعلم أن التلقين هو مشروع الطغاة للاستعباد الاجتماعى والاستبداد السياسى، وأن مشروع التربية الحوارية هو جوهر التربية الحقيقى لإعادة بناء العالم على أسس عادلة منصفة، ويستعيد فيها الإنسان حق تقرير مصيره، يحدث هذا عندما تصبح التربية عملية تقدمية متواصلة، وفيها تتغير قواعد النجاح والفشل التى وضعها الطغاة.