أصوات متداخلة لا تستطيع أن تميز بين كل كلمة وأخرى ، سُباب وعبارات بذيئة بين سائقي الميكروباص للسباق على أولوية الوقوف في الطابور ، مشادات كلامية بين أصحاب الملاكي، ورجل يقف حاملا طفلا على كتفه وتعانق زوجته زراعه و يتصببون عرقا، في انتظار ركوب وسيلة مواصلات، وسيدة عجوز نزلت من بيتها لتقبض المعاش ولا تعلم كيف تصل لمكتب التأمينات، إنها مظاهر لا تجدها سوى بجوار محطات الوقود في مصر، في ظل تكدس السيارات أمامها انتظارا للتموين ، ما يتسبب في شلل الحركة المرورية تماما، مشهد يتكرر بشكل دائم في القاهرة وكل مدن مصر، التي تحولت لساحة اقتتال من أجل الظفر ب"جركن" بنزين. ولأن الوقود والمرور كانوا ضمن خمس وعود للرئيس محمد مرسي في برنامج المائة يوم الذي بدأ به حكمه، وبالرغم من أن الرئيس عرض في خطابه أمس وبكل قوة رغبته في مشاركة المصريين المطحونين في إحدى طوابير محطات الوقود ،ولأننا نعلم أن لديه مهام جليلة أخرى قررت "البديل" أن تذهب بدلا منه وتنقل له الآم الجمهور حتى لا نرهقه في الوقوف بالساعات منتظرا لترا من البنزين. ذهبت " البديل " إلى حي الدقي لنرصد حال " البنزينة " الموجودة بجوار قسم الدقي ، فاصطفت السيارات كلها بجوار بعضها بحثا عن الوقود ، واملا في أن تفوز كل سيارة بما يكفيها ، فقال محمد سليمان، اصطف بسيارته في طابور الملل أمام إحدى محطات الوقود بالدقي، يقول إن المصريون كانو في غنى عن هذا الطابور لو رشدت حكومة "الإخوان" مصادر الطاقة أو تبنت خططا واقعية لحل تلك المشاكل، بدلا من توقف الطريق أمام المحطات بالساعات يوميا، والذي غالبا ما يؤدي إلى مشادات واشتباكات بين السائقين وبعضهم أو حتى مع العمال.. وأكد سليمان أن الأزمة طالت بنزين 95 و92 أيضا ، وهو حال لايرضاه المصريين على أنفسهم ، وكان من باب أولى أن يدرس الرئيس وعوده ويعلم هل بمقدوره تنفيذها ام لا !!، فبعد عام زادت الأمور تعقيدا في الوقود والمرور والنظافة وكل شيء ، ولم يشعر المواطن البسيط بأي تحسن ، مطالبا بسرعة حل هذه المشكلة ومحاسبة المسئول وإن لم يستطع فليرحل في صمت. بينما اعترفت"نهلة يوسف " إحدى المنتظرات في الطابور ، أنها تتعرض لمضايقات كثيرة وصعوبة بالغة في حصولها على البنزين ، وأحيانا يصل الأمر إلى تحرش لفظي من بعض السيارات المجاورة لها ، ولا أحد يقدر مسئولية الآخرين تجاه أعمالهم ومنازلهم ، كما أن هذه الطوابير تؤثر على دورها في رعاية أبنائها ؛ خاصة في فترة الدراسة التي تمثل عبئا إضافيا على المرأة في إحضار أبنائها من مدارسهم ، بعد انتهاء فترة العمل المحددة لها. من جانبه علق سعيد عبد الله، عامل بمحطة وقود الدقي ، أن الحكومة تائهة ولا تعلم من المسئول عن هذه الكارثة ،ما يدل على فشلها في إدارة الأزمات ، ولا يعقل أن يقول وزير التموين الإخواني الدكتور باسم عودة بأنه مرّ على محطات الوقود ووجد الحياة طبيعية وأن المرور في حالة سيولة، ما يعد " هرتلة كدابة " تدل أن المسئولين يعيشون في أبراج عاجية ولا يعلمون شيئا عن معاناة الشعب. وقال عبد الله ، إن الطريف في الأمر هو أن المواطنين "بيتصاحبوا على بعض في الطوابير " ، ومنهم من يهلل بعد أن ينتهي من " تفويل " سيارته ، فيُحيي أصدقائه ويذهب وسط حالة من التشجيع والتهليل من البعض ، ومنهم من يسجد لله شكرا ويحضن أبنائه المتواجدين معه في السيارة ، وأحيانا يُقبل العامل امتنانا منه على مجهوداته. "حيل المصريون لاتنتهي" ..بهذه العبارة بدأ حسن فوزي، سائق "توك توك" كلامه ، وهو يحكي عن بعض الحلول لتخزين " السولار والبنزين " حيث يلجأ هو وأصدقائه إلى الذهاب إلى البنزينات في منطقة "وسط البلد " وبصحبتهم " جراكن " فارغة ليعودوا بها وقد مُلئت في آخر اليوم. قال "فوزي " أنه يعيش في منطقة شبرا الخيمة التي أصبحت عنوانا "للفوضى " و" البلطجة " ؛ حيث يسيطر بعض " الفتوات " على تجارة البنزين ، و يحصلون على لتر البنزين بجنية واحد ويبيعوه للسائق مقابل 6 جنيهات ، حيث يذهب هؤلاء " البلطجية " إلى "البنزينة" الموجودة بالمنطقة ، ومعهم سيارة نصف نقل محملة ب" الجراكن " ، ويجبروا العمال على ملئها وإذا رفضوا يهددوهم بالأسلحة البيضاء ، وبالتالي يحصلوا على كل كميات البنزين الموجودة ، وقبل أن يغادروا "بيراضوا " العمال بعشرة جنيهات. وتابع ، أن جميع الميكروباصات تعمل بالسولار ، وأغلب من يعانون من أزمة السولار هم سائقي " التوك التوك " ، قائلا : " كده بيحاربونا في لقمة عيشنا ، ولو استمر الحال هننزل يوم 30 " ، بسبب إستغلال " البلطجية " وبيعهم البنزين بالقطاعي في ظل غياب الرقابة والأمن ، وهو ما يتيح لهم أن يتحكموا في السعر والكمية التي نحصل عليها ، وإذا إعترضنا يكون الرد " ورونا هتشتغلوا إزاي وهتجيبو البنزين منين " ، وهو ما يجبرنا على البحث عن سولار في مناطق مثل " وسط القاهرة " ، نظرا لتوفر البنزين إلى حد ما ؛ بسبب تواجد رقابة من وزارة التموين ، والتي تمنع أن يُخزن البنزين لأي سبب. وأضاف أن السائقين يلجئوا لحيلة يستطيعوا من خلالها إن يخزنوا ما يعادل " جركنين " بنزين ، حيث يذهب هو وأصدقائه ويقفون في الطابور ، ثم يأخذوا حصتهم ويقفوا بعيدا ، ثم يسحبون البنزين من التوك التوك بواسطة " خرطوم " ويفرغوه في " الجركن " ، ثم يكرر ذلك حتى يخزن الكمية التي يريدها ، دون أن يدري أحد أو يكون فريسة في أيدي "البلطجية " الذين يبيعون البنزين بخمسة أضعاف سعره.