وصفت أستاذة الإقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية د. نادية رمسيس فرج في كتابها “الاقتصاد السياسي لمصر” السياسات التي انتهجتها حكومات الحزب الوطني المتعاقبة ب”المتوحشة اقتصاديا”. ويقدم كتاب “الاقتصاد السياسي لمصر” الذي صدرت ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة, مراجعة نقدية للفترة التي عاشتها مصر من 1990-2005 والتى شهدت تطبيق منظم لسياسات الخصخصة وما سُمي بتحرير الأقتصادى ومانتج عنها من أزمات. وتكشف مؤلفة الكتاب الآثار السلبية للسياسة التي نتجت عن الاليات التي اتبعتها مجموعة من الليبراليين الجدد داخل الحزب الديمقراطى الحاكم آنذاك وتشيرالى مخاطر انسحاب الدولة من الأقتصاد والتكتل القوي لرجال الأعمال. الكتاب الذي ترجمه د. مصطفى قاسم الباحث بالسياسات التربوية والتنموية وكتب مقدمته المفكر د. السيد ياسين مستشار مركز الاهرام للدراسات السياسية يتهم سياسات الحزب الوطني الحاكم في فترة حكم الرئيس السابق وسعت بزعم ما كانوا يطلقون عليه إصلاحات من نطاق الفقر ورسخته فى نفس الوقت الذى استفحلت فيه قوة رجال الأعمال بينما أخذت الطبقة الوسطى فى التآكل. يستعرض الكتاب التحولات السياسية والاقتصادية الكبرى التى راقفت ظهور الدولة الحديثة فى مصر بداية من تعيين محمد على والياً على مصر وحتى عهد الرئيس السابق حسني مبارك. تركز الكاتبة على الفترة من منتصف التسعينيات وحتى العام 2005 وترى ان تلك الفترة التي تصفها ب”العصيبة” حلت فيها نخبة رجال الأعمال محل النخب البيروقراطية التى سادت الفترة من 1956- 1990 واستولت هذه النخبة الجديدة على جزء كبير من الحكومة التي تشكلت فى 2004 برئاسة أحمد نظيف لتنفيذ ما اعتبرته الحكومة “سياسات إصلاحات” ترى المؤلفة أنها سياسة “مزعومة” مثلها مثل سياسات الوزارة التالية لها والتي جاءت أيضا برئاسة نظيف وكانت سمتها العدد الكبير من رجال الأعمال الذين دخلوا الحكومة بدعوى خبرتهم فى القطاع الخاص وزاد من “توحش” هذه الحكومة بحسب الكتاب وصول اكثر من 75 عضوا من الحزب الوطني إلى المجلس بالأضافة إلى محاولة محدودة للتحول السياسي الليبرالي بالتعديل الدستوري المحدود للمادة 76. وتوضح نادية رمسيس كيف انه خلال الفترة من 1990-2005 تبنت الدولة الأسلام المسيس كأيدولوجيا مهيمنة –وهى الأيدولوجيا التى أدخلها انور السادات فى السبيعينات –حيث تحالف مع الإسلاميين ووسع بقوة من نفوذ جماعات الاسلام السياسي في النقابات والجامعات لمقاومه نفوذ الناصريين واليساريين وترتب عن ذلك تهميش لدور النساء فى الميادين الأقتصادية والسياسية وتحجيم المعارضة السياسية. وترى المؤلفة أن علاقات القوة كانت من العوامل الرئيسية التى حددت مسيرة مصر على مدى القرنيين الماضيين فالتحديث لم يؤد إلى تحول كامل للأقتصاد والمجتمع فى مصر حيث أن القطاعات الأكبر تخضع لسيطرة القوى التقليدية.. بل وأن بعض القوى الأجتماعية قد تم تفتيتها نظراً لتطبيق سياسات التحرير الأقتصادي غير المدروس. ويفحص الفصل الأول من الكتاب الجدل النظرى بين أنصار اليبرالية الجديده الذين يؤيدون الأنسحاب الكامل للدولة من الأقتصاد، وأنصار “الدولة التنموية” أى الدولة التى تتدخل فى الأقتصادات المختلفة، مثل ما حدث فى عهدي محمد علي وعبد الناصر. لكى تنتج طبقة رأسمالية تستطيع فيما بعد ان تنفذ بشكل مستقل وظائف التراكم الرأسمالي والتنمية. ويدرس الفصل الثانى العلاقات المتبادلة بين الديمقراطية والتنمية بينما يعالج الفصل الثالث المقدم تحت عنوان “الدين المسيس والصراع والتنمية: الإسلاميين والدولة –العلاقة بين التنمية والدين، وهو من اهم فصول الكتاب، حيث أنه منذ ظهور الدولة الحديثة فى أوائل القرن التاسع عشر وكل النظم السياسية التى تعاقبت على مصر تستخدم الدين سواء كأيديولوجيا مهيمنة ومصدر للتشريع أو كأيدولوجيا ثانوية فى الفترات التي ظهرت فيها نظم أكثر علمانية، والتأرجح بين الدولة شبه العلمانية وشبه الدينية كان ولا يزال خاصية مهيمنة للدولة المصرية. وبحسب الكتاب تميزت الخمس والثلاثين سنة الماضية بأيديولوجيا دينيه شديدة كانت تستهدف تبرير القضاء على النظام الناصري. وتحت عنوان النوع والتنمية “حقوق النساء فى الدولة والمجتمع”يناقش الفصل الرابع والأخير العلاقات المتبادلة بين وضعية النساء والتنمية حيث أن معدلات النمو الأقتصادي الأعلى تميل إلى تحسين وضعية النساء، لكن المدخل الجديد الذي تبناه البنك الدولي فى التسيعينيات يؤكد أن وضعية النساء تؤثر على عملية التنمية، بمعنى انه من أجل تعجيل النمو الأقتصادى لا بد من تضييق فجوات النوع ولا بد ان تتحسن وضعية النساء بدرجة فارقة، الدولة المصرية في الثلاثين عاما الاخيرة كثيراً ما كانت تتجاهل القضايا المتعلقة بمساواة النساء بغرض تمكين الجماعات الإسلامية والسياسية المحافظ، سواء المتحالفة مع الدولة أو المعارضة لها. وترى المؤلفة في ختام كتابها أن فحص دور التنمية والتحول السياسي الليبرالى والتطرف الدينى يقودنا إلى استنتاج رئيسى هو ضرورة إعادة تشكيل علاقات القوى المهيمنة لكى تتمكن مصر من حل مشكلاتها التى ظلت دون حل على مدى القرنيين الماضيين وعلى مصر أن تحدد بشكل نهائي هويتها السياسية وتشجع سياسات تنموية قائمة على الناس وتسعى بجد لتضييق الفجوات الأجتماعية فى النظام الأجتماعي والأقتصادي وهذا ما هو متوقع أن يحدث فى الأيام القادمة لأن العدالة وتحسين الأوضاع المعيشية للأفراد وإعادة هيكلة المجنمع ككل وإعاده بناء الطبقة الوسطى التى أصابها التآكل المريع من أهم مطالب ثورة 25 يناير. جدير بالذكر أن المؤلفة نادية رمسيس فرح تعمل أستاذاً للأقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهره ولها الكثير من المؤلفات بالعربية والانجليزية عن التنمية ودراسات مختلفة عن المرأة ووضعها فى الوطن العربي.