نستكمل فى هذا الجزء عرض محتويات الورقية البحثية التى أعدها المركز القومى للبحوث الاجتماعيه والجنائيه تحت عنوان "التحديات التى تواجه المرأة فى المهن المختلفة"، وشارك فيها كل من الدكتورة منى قاسم، والدكتورة حنان يوسف، والدكتورة مروة فرحان، والدكتورة مرفت خلف، كما تتضمن الورقة عرض التوصيات التى وضعتها نقابة الأطباء لحل مشكلات الطبيبات. وقامت د. مروة فرحان بدراسة واقع الطبيبة المصرية، ورصدت فيما يلى التحديات التى تواجه العاملات فى هذه المهنة، وهى: عادة ما يلتحق بكلية الطب أوائل الطلبة والطالبات المتفوقون الذين حصلوا على مجموع مرتفع في الثانوية العامة أو الشهادات الأجنبية. يقضي هؤلاء الطلبة والطالبات ست سنوات دراسية طويلة، ومنها ما يمتد لأكثر من عام كامل من الدراسة العملية بكل ما تستلزمه من مصروفات دراسية وكتب باهظة الثمن وأدوات طبية وهياكل عظمية أو مستلزمات معملية وأجهزة؛ مما يكلف الطالب آلاف الجنيهات في كل عام، وأحيانًا عشرات الآلاف. كم القلق النفسي والجهد البدني الذي تتعرض له الطالبات أثناء الدراسة غير عادي يصل أحيانًا بهن للإصابة بالأمراض النفسية والعصبية؛ بسبب الكم الهائل من المواد الدراسية والضغط العصبي وكثرة الامتحانات وطبيعتها ما بين نظرية وشفوية وعملية. تقضي الطبيبة بعد كل هذه السنوات سنة الامتياز التدريبية، ويكون متوسط عمرها 25 سنة ومتوسط ما تتقاضاه بعد كل هذه السنوات وكل هذه المصاريف 250 جنيهًا فقط لا غير. هذا إلى جانب ما يستلزمه مظهر الطبيبة وتنوعه ما بين ما يناسب الكشف على المرضى ودخول غرفة العمليات وضرورة الظهور بمظهر لائق. ثم تأتي مرحلة التكليف، حيث تقضي الطبيبة سنتين في مستشفيات وزارة الصحة، و كم تعاني الطبيبات في هذه الفترة: أولاً: تعاني من المرتب المترهل الذي لا يتعدى 288 جنيهًا (مرفق مفردات مرتب طبيب). ثانيًا: تعاني سوء التوزيع، حيث يتم توزيع الطبيبات بالمجموع دون مراعاة لبعد الأماكن عن منطقة السكن، وتفاجأ الطبيبات في كثير من الأحيان بتكليفها في مناطق نائية تستلزم سفرًا طويلاً قد يستغرق ساعات طويلة. ثالثًا: تعاني كذلك من سوء حالة السكن الذي عادةً ما يكون غير آدمي (سرير مرضى للمبيت - غرفة ضيقة وقذرة لا تصلح للسكن)؛ مما يضطر الكثير من الطبيبات لتكلف عناء السفر كل يوم؛ حتى لا تضطر للمبيت في هذا السكن. رابعًا: كذلك لا تستطيع الطبيبة في هذه المرحلة التسجيل في الدراسات العليا؛ بسبب القوانين واللوائح، وهذا يؤخرها عن زميلاتها في الجامعة أو الجيش أو الشرطة. كما تعاني الطبيبات من التعرض لأشكال متنوعة من العنف والضرب من أهالي المرضى ومن البلطجية، و كم أدى هذا التعدي لغلق الطوارئ و العيادات وحرمان المرضى من العلاج!!! ما تتعرض له الطبيبة، سواء في العيادات أو المعامل أو العمليات من احتمال العدوى بالأمراض المعدية وأحيانًا القاتلة، ورغم ذلك تتقاضى 19 جنيهًا بدل عدوى في الوقت الذي يتقاضى فيه من هم غير معرضين للمرض مطلقًا آلاف الجنيهات بدل عدوى. الطبيبات العاملات بوزارة الصحة لا يحق لهن العلاج على نفقة عملهن، ورغم أنهن يقدمن الخدمة للمرضى إذا مرضت الطبيبة فعليها تحمل نفقات علاجها رغم ضآلة المرتب الذي تتقاضاه. بالإضافة لما هو مطلوب منها من دراسات عليا وتدريب مستمر تحتمه عليها وظيفتها والأمانة التي في عنقها، وعادة ما تتحمل الطبيبة تكاليف هذه الدراسات والتنمية المهنية على نفقتها الخاصة، وهذا يضيف إلى أعبائها ويضطرها في كثير من الأحيان للاستدانة؛ لأن التكاليف باهظة ولا تتناسب مع دخل الطبيبة نهائيًّا، فمثلاً عندنا مصاريف الماجستير تزيد على ال 2000 جنيه بالإضافة إلى 1700 جنيه سنويًّا، و هذا يمثل 10 أضعاف مرتبها. كل ما سبق نتج عنه تدهور شديد في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والمهني للأطباء بوجه عام والطبيبات محور اهتمامنا، وأدى إلى سفر الأطباء والطبيبات وهجرتهم بعيدًا عن أوطانهم؛ طلبًا للرزق الحلال الذي يكفيهم لتربية أولادهم، و كثيرًا ما يؤدي هذا السفر للتفكك الأسري وتربية الأولاد بعيدًا عن الأم أو الأب. هذا النموذج متكرر كثيرًا في الوسط الطبي. وإذا قرر الطبيب أو الطبيبة البقاء في بلده، فعليه أن يجوب الأرض يمينًا و شمالاً؛ بحثًا عن الكفاف هنا وهناك، ويعمل في 3 وأحيانُا فى 4 أماكن؛ ليكفي أسرته، و ينتهي به الحال مرهقًا مجهدًا لا ينام ولا يقضي وقتًا مع أسرته، وهذا يؤدي أيضًا إلى التفكك الأسري و عدم مراقبة الأبناء وهم يكبرون. أما التحديات التى تواجه عضوات هيئة التدريس بالجامعات فقامت ببحثها الدكتورة ميرفت خلف، فمجالات عمل عضوات هيئة التدريس تشمل مهام التدريس الجامعي للطلبة بالإضافة إلى مهمات البحث العلمي والنشر للترقي في المناصب العلمية، كما تشمل أيضًا العمل في المستشفيات لمن يعملون في المجال الطبي، مثل الطب البشري وطب الأسنان والعلاج الطبيعي و غيرها، ونعرض أهم ما توصلت إليه فى السطور التالية: - صعوبة الوصول إلى التميز العلمي والتأخر في الترقي لعدم التوازن المرجو بين أعباء العمل والمسئولية الأسرية. - صعوبة التوازن بين مهام الجامعة والبحث العلمي والتي تتطلب وقتًا وجهدًا خارج وقت التواجد داخل الجامعة. - عضوات هيئة التدريس الطبيبات يتعرضن لضغوط نتيجة للنوبتجيات بالمستشفى أكثر من 36 ساعة مرتين أو ثلاثًا أسبوعيًّا؛ لتتميز على المستوى المهني في ظروف قاسية إلى حد كبير ومخالف لقوانين العمل والإجازات. - ما قد تلقاه بعض عضوات هيئة التدريس من اضطهاد بسبب الفكر أو الدين أو الجنس من الأساتذة الأكبر درجة علمية؛ مما قد يؤخر من تقدمها علميًّا و مهنيًّا عن بقية الزملاء. - عدم القدرة على إدارة الوقت والتوفيق بين أعباء البيت والكلية والبحث العلمي. - ضعف الإمكانات المادية التي توفرها الجامعة الحكومية مقارنة بما تحتاجه عضوات هيئة التدريس لتنفق على الأبحاث والنشر الدولي؛ مما قد يضطرها للعمل خارج الجامعة في العمل الخاص (عيادات، معامل، دروس خصوصية)؛ لسد هذه الفجوة المادية، ولكي توفر لأبنائها المستوى التعليمي والمعيشي اللائق. كما عقدت نقابة الأطباء ندوة لمناقشة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تتعرض لها الطبيبات بحكم عملهن والمرأة بوجه عام، بحضور الطبيبات اللاتي عرضن المشكلات التي يعانين منها ونوقشت هذه المشكلات، وخرجت التوصيات الآتية: أولاً: ضرورة معالجة أسباب العنف ضد الطبيبات بوصفهن جزءًا من المجتمع. ثانيًا: رفع واقع مشكلات تكليف الطبيبات والسكن والدراسات العليا واقتراح حلول لها. ثالثًا: الاهتمام بتوثيق كل الحوادث وأشكال العنف التي تتعرض لها المرأة وبالأخص الطبيبات. رابعًا: مراجعة القوانين التي تنظم عمل الطبيبات ودراستها، مثل قانون 112 لسنة 59 وتعديلها بما يتواكب مع مجريات الأحداث ومتغيرات الزمن. خامسًا: تفعيل دور الطبيبات في تغيير الثقافات المختلفة وتدريبهن على مهارات التواصل مع شرائح المجتمع المختلفة. سادسًا: عمل بحث ميداني يغطي كل شرائح المجتمع النسائي. سابعًا: تهيئة وتوعية الطبيبات بأهمية طب الأسرة وتشجيع الأطباء والطبيبات على التسجيل فيه. رابعًا: مراجعة قانون فحص المقبلين على الزواج. خامسًا: رفع الوعي الصحي المتعلق بالأمراض الوراثية من خلال حملة إعلامية موسعة وبث رسائل صحية للمجتمع والاهتمام بطلبة المدارس والتغذية الصحية. - و فوق كل هذا تبقى التوصية الأهم، وهي النهوض بالنواحي الاقتصادية للطبيبات والأطباء و الارتقاء بها؛ حتى تتناسب مع ما يواجهونه من عناء في الدراسة و الحياة العملية والتعليم والتدريب المستمر والمكانة التي يشغلونها في المجتمع واحتياج البلاد لهم والارتقاء بقطاع الصحة الذي هو هدف من أهداف الثورة. واختتم فريق الإعداد هذا البحث بكلمة تبين أن هناك العديد من التحديات التى تواجه العاملات بالمهن الأخرى، و لكنهم اكتفوا بهذه الأمثلة كخطوة، متمنيين من الله أن يوفقهم لكى تتبعها خطوات على طريق الحلول الجذرية والإصلاح.