أجمع الخبراء والمتخصصون في مجال الري والمياه على أن إقامة سد النهضة الإثيوبي سيكون له العديد من الآثار السلبية وربما الكارثية على كلاً من دولتي المصب " مصر والسودان "وأجمعوا على أنه سوف يسبب نقصاً يقدر ب34% من حصة مصر من مياه النيل وانخفاضا قدره 30% من إنتاج السد العالي من الكهرباء وكل الآراء والتوقعات تشير إلي أن السد سوف يحتجز 74 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل مما يؤثر مستقبلاً علي حصة مصر من المياه وبالتالي علي الانتاج الزراعي بشكل مباشر حيث ينتج عن هذا النقص في حصة مصرتجريف مالا يقل عن 1,5 مليون فدان من الأراضي الزراعية وعلى ذلك فمنذ تم الإعلان عن بدء الجانب الإثيوبي في تحويل مجري النيل الأزرق والمصريون يعيشون حالة من القلق من تلك الآثار التي وصفها بعض الخبراء بالكارثية , والترقب لما يمكن أن تقوم به الحكومة تجاه هذا الخطر الذي يهدد أمن مصر القومي بشكل مباشر .. وبينما الجميع يترقب فإذ بالسيد رئيس الجمهورية يدعو إلى حوار وطني بهذا الشأن , وفي الوقت الذي ينتظر فيه الجميع أفكاراً وحلولاً ومقترحات قائمة على دراسات منهجية وأبحاث علمية وحلولا واقعية لحل الأزمة. إذ بنا نرى حواراً صادماً مضحكاً مبكياً, يعكس ما آلت إليه أحوال مصر من ترد في جميع المجالات حتى أن القائمين على شئونها في الوقت الراهن عجزوا عن إعداد حوار حقيقي يهدف بصدق إلى إيجاد حلول . فعلى سبيل المثال كان المدعوون هم رؤساء الأحزاب السياسية الموالية في غالبيتها لنظام الرئيس في غياب تام للكفاءات والخبرات والخبراء في مجال الموارد المائية والبيئية والري والأمن القومي والعلاقات الدولية والقوات المسلحة والقانون الدولي, وبالتالي جاءت الأفكار والمقترحات هزليه سطحية ساذجة, فبينما يحذر الخبراء والمتخصصون من الآثار الكارثية التي من المتوقع أن تنتج عن بناء هذا السد يصرح أحد الحضور لهذا الاجتماع أن بناء السد يمثل " خطر وهمي " في محاولة غير مدروسة وعلى غير أساس أن يهون من حجم الأزمة بل وذهب إلى أبعد من هذا فرأى أن المشكلة لا تستدعي القلق ومن الممكن أن يقوم بحلها لاعب كرة أو فنان واقترح أن يذهب محمد أبو تريكة لاعب النادي الأهلي إلى أثيوبيا لحل الأزمة, في حين تبارى الآخر في عرض أفكار ساذجة عن نشر إشاعات تؤدي إلى بث الخوف في نفوس الشعب الإثيوبي وعن أهمية التدخل في شئون إثيوبيا الداخلية عن طريق دعم المتمردين فيها واستغلال حالة التشتت والاهتراء التي تصيب الشعب الأثيوبي!! المؤسف في إذاعة هذه الحوارات الركيكة أنها عكست ضحالة وسطحية أفكار النخبة الحاكمة في مصر ومما يدعو إلى مزيد من التعجب أن الجميع انخرط في عرض أفكاره معتقدين أن الاجتماع سرياً في حين يعلم القائمون عليه والمعدون له والرئيس أنه مذاع على الهواء! فبدا الرئيس على غير عادته شديد الحرص والتحفظ في تعليقاته على آراء الحاضرين, وقد حاولت جاهدة أن أصدق تصريحات السيدة باكينام الشرقاوي مساعد الرئيس للشئون السياسية واعتذارها عن عدم اخطار الحضور أن الاجتماع مذاعاً على الهواء نسياناً منها لكني بحق لم أستطع .. فهذا تبرير يتنافي مع المنطق , لأن النظام السائد والمتعارف عليه لاجتماعات رئاسة الجمهورية هو السرية التامة ولكي يكون الاجتماع مذاعاً على الهواء فهذا يعد استثناءً للقاعدة وبالتالي يتطلب هذا الاستثناء الإعداد والاتفاق مع وزارة الإعلام والقائمين على إذاعة الحوار , لذلك فالسؤال هنا: لماذا هذا الحوار تحديداً تمت إذاعته على الهواء مباشرة ؟! وهل من الممكن أن تتم هذه الاجراءات ثم ينسى المعدون له جميعاً إبلاغ الحاضرين أنه مذاعاً على الهواء ؟!! وإذا كان الأمر سهواً من القائمين عليه ألا يستدعي هذا عقاباً مناسباً على هذا الخطأ الفادح الذي أضر بمصر والمصريين ضرراً بالغاً حتى يصّدق المصريون الذين طُعنوا مجدداً في كرامتهم أمام العالم جراء هذا الخلل والانحدار المهني والأخلاقي .. لقد تقدم الدكتور محمد البرادعي باسمه وباسم الشعب المصري باعتذار عاجل عما جاء في هذا الحوار لكل من اثيوبيا والسودان وهذه لفتة جيدة منه كرجل يعلم جيدا كيف تدار الأزمات في الدول الأخرى , لكني في الواقع أري أن من يحتاج بحق إلى اعتذار هو الشعب المصري على التدهورالذي يعاني منه في شتى المجالات بسبب سياسات غير مسئولة لا نعلم تحديداً ان كانت ناتجة عن انعدام خبرة أم عن غياب ضمير ..