يبدو أن "كبير العلماء" قد تحوّل من "ذخر" لحركة حماس إلى عبء عليها..فالمعلومات والتسريبات المتواترة، تتحدث عن شرخ كبير داخل الحركة، أحدثته تصريحات الشيخ القرضاوي، التي بايع فيها آل الشيخ على السمع والطاعة، وقدّم بين يديه آيات "النقد الذاتي" والاعتذار"، ما دفع الأخير للترحيب ب"عودة الابن الضال" إلى رحاب السلفية الوهابية. القرضاوي، ومن مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة (ويقال بحضور خالد مشعل ورهط من قادة الحركة)، شنّ هجوماً ضارياً على حزب الله (حزب الشيطان) وعلى إيران التي قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر..بل وذهب أبعد من ذلك، حين دعا أهل السنّة للجهاد ضد العلويين (النصيريين) والشيعة (الروافض) في سوريا.. "بلد الجهاد ومقصده ووجهته..هنا، حيث يصبح الجهاد فريضة عين على كل مسلم ومسلمة..أما فلسطين، فهي أرض وقف، باركها الله وتكفل بها، وبإمكانها أن تنتظر مائة عام أخرى للخلاص من رجس الاحتلال". مثل هذا الخطاب "الفِتنَوي" بامتياز، يجد صدى طيباً عن "بعض حماس" و"كثير من الإخوان" الذين وإن ترفعوا قليلاً عن استخدام اللغة المذهبية التحريضية البائسة التي استخدمها شيخهم، إلا أنها تقع برداً وسلاماً على عقولهم المذهبية..ولقد رأينا على الهواء مباشرة (الجزيرة مباشر) احتفالاً في غزة، بالإسراء والمعراج، وتحت رعاية وزير أوقاف حماس، وبتنظيم من "جميعة ابن باز الخيرية"، رأينا "حفلة ردح" يندى لها الجبين، ضد "النصريين الملاعين" و"الروافض الأشرار" الذين هم أشد كفراً من اليهود النصارى. قلنا أن بعض حماس، تستهويه مثل هذه المواقف..لكن بعضها الآخر، ما زال مؤمناً ب "المقاومة" وثقافتها ونهجهها إلى غير ما هنالك من عبارات صمّ ضجيجها آذاننا طوال عشرين عاماً أو يزيد..هؤلاء، هالهم انتقال الحركة من خندق إلى خندق (فندق)، كما تروي التسريبات عن مسؤولين كبار في حماس ذاتها، من بينهم عماد العلمي ومحمود الزهار ومروان عيسى وغيرهم..هؤلاء هالهم أن يكتشفوا أن حلفاء الأمس، الذين احتضنوا حماس، ليسوا سوى "نصيريين" و"روافض" ملاعيين وأشرار؟!. وزاد الطين بلة، ما يتردد باستمرار عن انخراط عناصر من حماس في القتال إلى جانب "إخوان سوريا" و"النصرة" ضد نظام الأسد، وبرغم النفي المتكرر للحركة لهذا التورط، إلا أن تواتر الأنباء والمعلومات الدالّة عليه، وآخرها من "مدينة القصير"، يوصل الحركة إلى نقطة اللاعودة في علاقاتها مع محور طهران – دمشق – الضاحية، حتى أن التسريبات تؤكد أن مسؤول أمن حزب الله، الحاج وفيق صفا، أبلغ حماس بضرورة مغادرة "مربعة الأمني" في بيروت، بعد أن بات الحزب ينظر لها بوصفها امتداداً للحلف القطري – التركي – الإسرائيلي – الأمريكي في نهاية المطاف، وأن "صنابير" المال الحلال قد أغلقت في طهران. ليس الشيخ (كبير الشيوخ) وحده، من بات عبئاً على الحركة..قطر، والإقامة المريحة فيها باتت عبئاً على الحركة، وسيفاً مسلطاً على وحدتها الداخلية، دع عنك "نهج المقاومة"، الذي لا يمكن لعاقل أن يصدق بأنه يمكن أن يُدار من الدوحة، اللهم إلا إذا أُريد لنا أن نقتنع بأن الدوحة باتت "هانوي"، وأن هو شي منّه يظهر متنكراً في عباءة الشيخ، وأن الجنرال جياب يدير مركزاً لأبحاث السياسات النفطية. وأحسب أن النقاش في أثر "الحقبة القطرية" على حماس، لا يجب أن ينحصر في المسألة السورية، ومن هي الجهة التي يتعين على حماس أن تنجاز إليها في الصراع الدائر في سوريا وعليها، وما إذا كان يتعين عليها أن تنحاز أصلاً أم لا؟.."الحقبة القطرية" في تاريخ حماس، يجب أن تدرس من منظور فلسطيني مجرد، وما إذا كان الحلف القطري – الحمساوي، سيساعد حماس في مواصلة أو استئناف خياراتها المُقاوِمة، أم أنه سيكون عبئاً ثقيلاً، وقيداً قاسياً على حماس والمقاومة على حد سواء. لن نتحدث عن الدولة الخليجية التي استعادت علاقاتها مع إسرائيل مؤخراً بغرض تنسيق المواقف بخصوص سوريا..لكننا نلفت إلى مبادرة "التوسل والتسول" التي أطلقها رئيس حكومة من "بلير هاوس" عارضاَ تبادل الأراضي مع إسرائيل، بالضد من قرارات الجامعة العربية ومن الرغبة الفلسطينية، فضلاً عن نظرية "من لا يملك ومن لا يستحق"..كل ذلك في الوقت الذي تضمن فيه الدوحة، صمت حماس القابعة تحت إبطها، وفي أسوأ الأحوال، ضبط ردات فعلها على هذا "التنازل الطوعي والمجاني". هو أول القَطْر، ينهمر من قَطَر، ومسلسل التنازلات العربية لن يتوقف عند هذا الحد، وثمة محاولة أمريكية جديدة، لتكليف قطر بقيادة تحرك عربي للاعتراف ب"يهودية الدولة"، فتوفر بذلك لنتنياهو البضاعة التي لم يحصل عليها من الفلسطينيين بعد، وتجعل مهمة أي متخاذل فلسطيني لاحقاً، أكثر يسر وسهولة. حتى الأمس القريب، كنت أظن، أن أكثر النكات "سماجةً" تلك التي تتحدث عن رعاية قطر للمشروع الديمقراطي – التحرري العربي، إلى أن استمعت لنكتة أكثر سماجة ووقاحة، تلك التي تتحدث عن رعاية الدوحة لمشروع المقاومة ونهجها..فهل سيستمر موسم النكات السوداء هذا، أم أن الإخوة في حماس، سيتدراكون ما يمكن تداركه، وقبل فوات الأوان..قبل خراب البصرة وغزة ورام الله.