لا مكان لقدم على الأرض، الأضواء تحيطك من كافة الجوانب، وابتسامة رضا وصفاء نفس لا تجد لها مثيل، إنه المشهد الذي يتكرر كل عام في نفس هذا الموعد تقريبا على أعتاب "أم هاشم". يحتشد محبي أل البيت من كل صوب وحدب لحضور مولد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وأخت الحسن والحسين، يمارسون طقوسهم المختلفة من كافة الطرق والمذاهب كالرفاعية والبرهامية والهاشمية، بعضهم عائلات لهم اصول تمتد جذورها لنسل النبي محمد وعدد من أل بيته حسب شجرة العائلة الضخمة التي يعلقونها في مقدمة المدخل. تجد الشيخ محمد علي عاشور، كبير الطريقة البرهامية بمصر جالسًا داخل أحد الشوادر المنصوبة إلى جانب مسجد السيدة الزينب، متكئا على عصاه يهمس في أذن أحد ابناءه فيسرع باستقبال الضيوف الذين يتوافدون للاستماع للاناشيد الدينية التي تمدح رسول والله وحفيدته وأخواتها وأبواها، ويبدوا أنه كان يعاتبه على دخول شخص دون أخذ حقه المعهود في الضيافة. بينما تواصل سيرك بين أركان هذا الحي الذي تشم فيه عبق التاريخ ورائحة الزمن الجميل، تسمع صخبًا جليلًا يجعلك تنساق وراءه بحثًا عن مصدره وإذا بعينيك تقع على مجموعة من العازفين الشباب ورجل تظهر عليه علامات الشيخوخة يرتدي الجلباب والعمة وتصدر منه أصوات تلهب المشاعر وتمس أركان الايمان داخل قلبك، إنه الانشاد الصوفي وكلمات الحب التقية تجاه الله ورسوله وأل البيت. تسمع مجموعة كبيرة من الرجال والنساء والأطفال يهتفون" لقد حضر.. اسرع يا والدي كي نجد لنا مقاعد في الصفوف الأولى" إنه الشيخ ياسين التهامي، بلبل الصعيد كما يطلقون عليه، يعتلي منصة كبيرة داخل حارة درب الشمس وأمامة الألاف من محبي إنشاده الصوفي المنقول من ألسنة عمالة الشعر الإلاهي الصوفي كابن الفارض ورابعة العدوية، وبينما يشدو البلبل تجد عصيَ تتراقص في الهواء بين مجموعة من "الصعايدة" الذين حضروا خصيصا إلى القاهرة لحضور تلك الليلة البهيجة، وأخرون يجدوا مقصدهم في أن تتمايل رؤسهم يمينًا ويسارًا دون أن يمنعهم العرق الذي يتصبب من أجسادهم وهم يذكرون اسم الله. ولا يكتمل هذا الجو الكرنفالي إلا بمن يرزقون منها من باعة ألعاب الأطفال للبخور والمسابح للحلوى وغيرها، الذين احتلوا أرصفة الحي دون أي امتعاض من سكان المنطقة الذين ينتظرون هؤلاء الباعة من العام إلى الذي يليه.