توفير أكثر من 16 ألف يومية عمل ضمن اتفاقية تحسين مستوى المعيشة بالإسكندرية    "ميكروفون مفتوح" يكشف طلب رئيس إندونيسيا من ترامب (فيديو)    مدير منظمة الصحة العالمية يعلن دخول 8 شاحنات إمدادات طبية إلى غزة    إسرائيل تتسلم جثث أربعة رهائن كانوا محتجزين فى غزة    أمير قطر يبحث مع عدد من قادة العالم دعم اتفاق غزة وتعزيز التعاون الدولي    بشارة بحبح: تعريف الولايات المتحدة لنزع سلاح حماس لا يشمل الأسلحة الفردية    سمير عمر: نتنياهو يريد علاقات طبيعية مع العرب دون ثمن    منتخب 2007 يفوز على شباب السلوم برباعية    سعفان الصغير: باب المنتخب مفتوح أمام أى لاعب وأحمد الشناوى حارس مميز    كريم عبد العزيز وياسمين عبد العزيز وطارق لطفى يحتفون بقمة شرم الشيخ.. نادية الجندى: مصر حركت ضمير العالم.. لبلبة: الحلم اتحقق.. محمد فؤاد: رئيسنا رافع راسنا.. لطيفة: يوم للتاريخ.. أحمد زاهر: لم تستطع دول تحقيقه    شاهد سقوط مفاجئ لشجرة ضخمة على سيارة بمنطقة الكيت كات    صعق كهرباء ينهي حياة طفل بقرية في العياط    بعد استبعاد أسماء جلال، هنا الزاهد مفاجأة "شمس الزناتي 2"    957 مليون دولار أمريكى إيرادات فيلم A Minecraft Movie    التليفزيون هذا المساء.. أكرم القصاص: قمة شرم الشيخ تفتح الطريق لحل شامل    أحمد التايب للتليفزيون المصرى: مصر تحشد العالم لدعم القضية الفلسطينية    دولة التلاوة.. تاريخ ينطق بالقرآن    علماء يحذرون: عمر الأب يحدد صحة الجنين وهذا ما يحدث للطفرات الجينية في سن 75 عاما    قرار جديد للشيخ سمير مصطفى وتجديد حبس صفاء الكوربيجي.. ونيجيريا تُخفي علي ونيس للشهر الثاني    مصرع شاب غرقًا في حوض زراعي بقرية القايات في المنيا    بالتفاصيل| خطوات تحديث بطاقتك التموينية من المنزل إلكترونيًا    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة قنا    تخصيص 20 مليون دولار لتأمين الغذاء والمياه والمأوى بغزة    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    المتحف المفتوح بمعبد الكرنكl "متحف الزمن الذي لا يعرف سقفًا".. فيديو وصور    د.حماد عبدالله يكتب: القدرة على الإحتمال "محددة" !!!    موعد صرف معاشات شهر نوفمبر 2025    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في بني سويف    ضبط 10 آلاف قطعة باتيه بتاريخ صلاحية مزيف داخل مخزن ببني سويف    أردوغان لميلوني في قمة شرم الشيخ: تبدين رائعة (فيديو)    قرار من النيابة ضد رجل أعمال نصب على راغبي السفر بشركات سياحة وهمية    89.1 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة الإثنين    ما الذي تفعله مصر لتطوير المهارات الرقمية لمواطنيها؟    محافظ قنا يتفقد أعمال تنفيذ كوبري أبو شوشة لمتابعة معدلات الإنجاز وتحقيق السيولة المرورية    ألمانيا تفوز أمام ايرلندا الشمالية بهدف نظيف في تصفيات أوروبا لكأس العالم 2026    رمضان السيد: منتخب مصر يمتلك أفضل ثنائي هجومي في العالم    النحاس يكشف حقيقة وجود أزمة بسبب ركلة جزاء الأهلي ضد الزمالك    بحضور صناع الأعمال.. عرض أفلام مهرجان بردية وندوة نقاشية بالمركز القومي للسينما    قلادة النيل لترامب.. تكريم رئاسي يعكس متانة العلاقات المصرية الأمريكية    أسامة كمال: فلسطين علاقة دم وروح وتضحيات شعب.. مش مجرد ملف سياسي    شبانة: مصر تحمل رسالة سلامة للعالم من شرم الشيخ    محافظ قنا يشهد احتفالية قصور الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر    تأييد حكم ل 5 متهمين خطفوا شابين وأجبروهما على ارتداء ملابس نسائية بالصف    ألمانيا تواصل انتصاراتها في تصفيات المونديال بفوز صعب على إيرلندا الشمالية    جامعة بنها: إعفاء الطلاب ذوي الهمم من مصروفات الإقامة بالمدن الجامعية    وزير الري يشارك فى جلسة "مرفق المياه الإفريقي" المعنية بالترويج للإستثمار فى إفريقيا    بيان رسمي من مصطفى كامل بعد 3 سنوات من توليه نقابة المهن الموسيقية    رئيس الطائفة الإنجيلية: مصر تؤكد ريادتها في ترسيخ السلام    «صحة الإسكندرية» تفاجئ مستشفى حكومي بإجراء فوري تجاه المقصرين (صور)    استعدي للشتاء..أطعمة مذهلة تقوي المناعة وتقيك من نزلات البرد    بحث سبل التعاون المشترك بين جامعتي الدلتا التكنولوجية والسادات    16 ديسمبر.. الحكم في استئناف 3 متهمين بالانضمام لجماعة إرهابية بالمرج    دار الإفتاء تؤكد جواز إخراج مال الزكاة لأسر الشهداء في غزة    تأكيدًا لما نشرته «المصري اليوم».. «الأطباء» تعلن نتائج انتخابات التجديد النصفي رسميًا    بجوار العبارة النهرية..مصرع شخص غرقًا بنهر النيل بالبلينا بسوهاج    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    فحص 1256 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بكفر الشيخ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى يوسف اللداوي: ثقافة الاستجواب ووجوب المساءلة
نشر في البديل يوم 01 - 06 - 2013

الاستجوابُ والمساءلةُ وحجبُ الثقةِ والمحاكمةُ ليست ثقافةً غربيةً، وسلوكاً ديمقراطياً لا نعرفه، ونريد أن نتعلمه من غيرنا، بل هو من صميم ديننا، ومن أصل تراثنا، وهو من أعرافنا القديمة وعاداتنا الأصيلة، وقد علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ به من بعده صحابته الكرام وخلفاؤه الراشدون، وحض عليه ديننا الحنيف لئلا يتفرد الحاكم ويتغطرس، أو يصيبه الغرور ويظلم، أو يظن أنه فوق القانون فلا يسأل ولا يستجوب، أو يستهتر برعيته فيصادر حقوقهم ويبطش.
بل كان الخلفاء الراشدون يطلبون من الرعية أن يقوموهم ولو بحد السيف، وأن يقفوا لهم في المساجد، وأن يعترضوا طريقهم في الشوارع، أو يسألوهم في الأسواق، وألا يسكتوا لهم عن خطأ يدركونه، أو عيب يكتشفونه، أو انحرافٍ يرونه، وألا يغمضوا عيونهم عن تسيبٍ في الإدارة، أو إهمالٍ في المال، أو إفراطٍ في الصرف، أو سوء استخدامٍ للسلطة، أو تفريطٍ بحقوقهم، أو إهدارٍ لكرامتهم، وألا يقبلوا من الحاكم محاباةً أو محسوبية، بغيرِ طاقةٍ ولا كفاءة، وبدون خبرةٍ وسابق معرفة، أو إقصاءً وحرماناً، لغاياتٍ وأهدافٍ شخصية، ولا محاولاتٍ مذمومة لشراء الذمم، وإفساد النفوس، وقتل الضمائر وإماتة القلوب، لضمان تأييد، وتأكيد بقاءٍ واستمرار، أو لسكوتٍ عن الخطأ، وتجاوزٍ عن الجريمة.
وقد فهمت الرعية حقها في السؤال والاستجواب، فاستخدمته خير استخدام، ولم تقصر في سؤال خليفة، أو مساءلة عامل، أو محاكمة أمير، أو القصاص من حاكمٍ أو من ولده، فأوقفهم الأعرابي وأغلظ عليهم في سؤاله، واعترضت عليهم المرأة وخالفت آراءهم، ووقف الأطفال في طريقهم ولم يوسعوا لهم، ولم يخافوا منهم، وشكاهم الأقباط واستعادوا منهم حقوقهم، ولم يخش المسلمون في مساءلتهم سطوة حاكم، ولا قوة عامل، ولا هيبة خليفة، ولا رهبة قائد، بل كانوا يرون ما يقومون به عبادة، وما ينفذونه تجاه حكامهم مراقبة ومساءلة، وهو واجبٌ عليهم، لا ينبغي التفريط فيه أو التنازل عنه، فهي أمانةٌ سيسألون عنها، وسيحاسبون عليها، ولن يغفر الله لهم صمتهم وسكوتهم، ولن يقبل منهم عجزهم أو ضعفهم، ولن يشفع لهم خوفهم من بطش الحاكم وسطوة السلطان، ولن يقبل منهم جهلهم أو غفلتهم، أو عدم معرفتهم وضحالة تجربتهم، وقلة درايتهم وضعف إمكانياتهم، فما من عذرٍ يبرر لهم جنوح الحاكم نحو الظلم والغطرسة والانحراف.
هذا ما تعلمناه من ديننا الحنيف، وهو ذاته الذي يفخر به الغربُ ويباهي به الشرقَ، ويظن أنه به سبقنا وجاء بما لم يكن عندنا، ولكن له الحق أن يباهي به ويفخر، فما يتحلى به فضيلةٌ وخلق، وسلوكٌ راشدٌ وعاقل، وحكمةٌ بالغة ومسؤولية حقيقية، وهذا هو الذي كان عندنا يوم أن سُدنا وكُنا، لكننا عندما نسيناه وتخلينا عنه ولم نعد نلجأ إليه ونستخدمه استبد حاكمنا، وانحرف نائبنا، وفسد وزيرنا، وضل كل مسئولٍ فينا، وحكمنا الأرذلون، وتقدمنا الأفسدون، وتحدث باسمنا الرويبضة الهالكون، وأصبح يمثلنا الجهلة المتلعثمون.
واستظل الفاسدون بالحاكم واحتموا بسلطانه، وضربوا بسوطه، وظلموا بسيفه، وسرقوا بعلمه، ونهبوا لجيبه، وأقصوا لصالحه، واعتقلوا معارضه، واستغل الأولاد والنساء سلطان والدهم وأزواجهم، فسرقوا أموالنا، ونهبوا خيراتنا، وسجنوا أبناءنا، وحرموا أجيالنا، وجوعوا شعبنا، حتى غدا الوطن لهم، والخيرات كلها لأجلهم، وبات غيرهم فقيراً لا يملك، ومشرداً لا يسكن، وعاطلاً لا يعمل، وجائعاً لا يأكل.
يتعلم لكنه لا يعمل بشهادته، ولا يجد وظيفةً بكفاءته، فعمل المثقفون وخريجوا الجامعات باعةً متجولين، في الأسواق أو على الأرصفة والطرقات، أو سائقين بالأجرة، أو موظفين في محلاتٍ ودكاكين صغيرة، ما جعلهم يأنفون من الحياة ويكرهونها، وينعزلون عن المجتمع ويبتعدون عنه، فأصابتهم الأمراض النفسية والأزمات العصبية، وحلت بهم الكآبة ونزل بهم السقم والسأم، ما دفع بعضهم إلى الانتحار، أو التطرف وحمل السلاح، والاشتغال في الشر وصناعة الموت.
إنها مسئولية كل مواطنٍ أياً كان موقعه أو منصبه، عاملاً كان أو عاطلاً، موظفاً أو حراً، فإن عليه أن يمارس دوره في الرقابة والتفتيش، وعليه أن يدرك أنه قوي، وأنه صاحب سلطان، وأن لديه القدرة على التأثير والتغيير، والإقالة والإطاحة والطرد، وأنه بات يملك صوتاً ناخباً مؤثراً، كما يملك القدرة على أن يخرج ويحتج، وأن يتظاهر ويعتصم، وقد أصبح المواطنون جميعاً يعرفون أنهم أقوى من الحاكم، وأثبت من سلطته، وأبقى من حكمه، فسوطه لم يعد يخيف، وأبواب سجونه لم تعد تفتح، وبات الجلاد يخاف من المستقبل، ويدرك أن الحاكم لن ينفعه، وأنه أول من سيتخلى عنه، ويتبرأ منه ومن عمله، ولن تنفعه عبوديته، ولا أنه كان يوماً تبعاً له، بوقاً له أو عصاً في يده.
لا ينبغي أن نتخلى عن دورنا، فالله لن يغفر لنا تقصيرنا واهمالنا، أو خوفنا وجبننا، أو عدم مبالاتنا وانشغالنا، بل يجب علينا أن نوقف المسئول والحاكم، والموظف والنائب، والشرطي ورجل الأمن، نسألهم عن كل خطأ، ونخوفهم من أي ظلم، ونحاسبهم على أي جرم، ونسألهم عن كل فلس، ونجردهم من كل سلب، ونحرمهم من كل نهب، فلا ينبغي في هذا الزمان أن نسمح لضابطٍ بالإساءة إلى معتقلٍ أو سجين، ولا أن يوقفه بلا قانون، ولا أن يعذبه ويضيق عليه، ولا أن يستخدم سلطاته فيفرج عن مجرم، ويدين بريئاً بغير أدلة، ولا نسمح لسلطانٍ أن يخرسنا، أو يحول دون ممارستنا لحريتنا، فلا حرمان من وظيفة، ولا إقصاء من موقع، ولا منع سفر، أو كسر قلم، أو تمزيق صحيفة، كما لا تكميم لفمٍ ولا مصادرة لحق، إلا نفعل هذا ونمارس حقنا، بعالي صوتنا ويقين إيماننا، فلنقبل بالذل، ولنرتضي المهانة، ولنصعر الخد، ولنطأطئ الرأس، ولنحنِ الظهر، ولنسمح لعبيدٍ دوننا أن يركبونا، ويأخذوا بخطامنا ويقودونا، ولنأكل من أيديهم برسيماً وشعيراً، ونقول لهم قودوا الركب فأنتم الحادي ونحن العيرَ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.