يبدأ الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند زيارة اليوم الأربعاء إلى المملكة المغربية وتستمر يومين، وهى الزيارة الأولى من نوعها منذ وصول أولاند إلى سدة الرئاسة الفرنسية في مايو الماضي. وتهدف الزيارة إلى تعزيز العلاقات الفرنسية المغربية، ومناقشة عدد من القضايا الساخنة محور اهتمام البلدين وعلى رأسها القضية السورية وملف مالي والربيع العربي وعملية السلام في الشرق الأوسط. ويرافق أولاند في هذه الزيارة تسعة وزراء ونحو ستين من رجال الأعمال الفرنسيين لتوطيد العلاقات الاقتصادية والتعاون المشترك بين البلدين، إضافة إلى مجموعة من المثقفين من بينهم رئيس معهد العالم العربي في باريس السيد جالك لانغ، وعدد من رجال الدين من بينهم رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي. ومن المقرر أن يجري الرئيس أولاند مباحثات رسمية مع العاهل المغربي محمد السادس لبحث سبل دعم العلاقات الثنائية بين البلدين ، كما ينتظر أن يتم التوقيع على عشر اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال السكك الحديدية والصناعات الغذائية والطاقة المتجددة، إضافة إلى تدشين محطة معالجة المياه في مديونة بضواحي الدار البيضاء قامت بتنفيذها الشركة الفرنسية "ليديك". ويلقي الرئيس الفرنسي خلال زيارته خطابا أمام البرلمان المغربي يوجه خلاله تهنئة إلى البرلمانيين بالدستور الجديد، ويشيد بالتوجه الإصلاحي والديموقراطي الذي تشهده المملكة خاصة بعد إقرار الدستور الجديد عام 2011، إضافة إلى تأكيده على متانة العلاقات الفرنسية المغربية وخصوصيتها. ويتوقع أن يحيي أولاند موقف المغرب من قضية مالي والذي كان مساندا للتدخل الفرنسي، كذلك يتوقع تطرقه لموقف بلاده تجاه أهم القضايا التي تشغل الساحة الدولية خلال المرحلة الراهنة مثل قضية مالي والربيع العربي فضلا عن قضية الصحراء المغربية التي تحظى باهتمام بالغ في علاقات البلدين. ومن المنتظر أن يشهد أولاند اختتام المنتدى الاقتصادي المغربي الفرنسي، ليلتقي بعد ذلك برجال أعمال مغاربة وفرنسيين ثم ينهي زيارته الرسمية بلقاء فعاليات من المجتمع المدني بالمكتبة الوطنية. ولا يتوقع أن يتناول أولاند خلال زيارته ملف الاستعمار الفرنسي للمغرب كما حدث أثناء زيارته للجزائر في ديسمبر الماضي، حيث أن المغرب تحرص على عدم فتح هذا الملف نهائيا لأنها تعتبر فرنسا شريكا استراتيجيا شديد الأهمية للمملكة وبالتالي فلاجدوى للحديث عن المرحلة الاستعمارية، هذا على الرغم من أن الأحزاب المغربية تتحدث بين الحين والآخر عن جرائم أسبانيا في الريف لاسيما عندما تندلع أزمات حول سبتة ومليلية المحتلة. وترتبط فرنسا بعلاقات خاصة واستثنائية مع المغرب على مختلف الأصعدة سياسيا واقتصاديا وثقافيا. فعلى المستوى السياسي، كان الملك محمد السادس أول رئيس دولة يستقبله الرئيس أولاند في الإليزيه منذ تنصيبه رئيسا لفرنسا في مايو الماضي. غير أن الرئيس الفرنسي قرر أن تكون أولى زياراته في شمال أفريقيا إلى الجزائر، وليس المغرب كما جرت العادة، مما أثار بعض الشكوك بأن يكون ذلك بداية لنهج جديد في السياسة الفرنسية تجاه المغرب. وقد حرص المسئولون الفرنسيون على التأكيد الدائم بأن المغرب تمثل شريكا أوليا لفرنسا ، ومن أمثلة ذلك ما أكده السفير الفرنسي شارلز فريز من أن المغرب تربطه بفرنسا "علاقة لا مثيل لها في المنطقة ، وتشكل بالنسبة إلينا حليفا استراتيجيا لا محيد عنه". كما قام رئيس الحكومة الفرنسية جان مارك ايرولت بزيارة إلى المغرب في ديسمبر الماضي ، تزامنا مع زيارة أولاند للجزائر، وذلك لإعطاء دفعة جديدة للشراكة بين البلدين. وتعتبر فرنسا الدولة الوحيدة من أعضاء مجلس الأمن الدولي التي تتبنى المبادرة المغربية لحل النزاع على الصحراء الغربية، حيث أيدت بشكل واضح المبادرة القائمة على منح الصحراويين حكما ذاتيا ذا صلاحيات واسعة تحت السيادة المغربية. وتذهب بعض الأراء للقول بأن باريس كان لها دور أساسي في تشجيع المغرب على هذه المبادرة وصياغتها وتقديمها لمجلس الأمن الدولي 2007. أما على الصعيد الاقتصادي، يعتبر المغرب شريكا تجاريا ممتازا لفرنسا حيث تمثل وارداته مليار يورو من الميزان التجاري الفرنسي. وتمثل فرنسا أول دائن عمومي للمغرب وأول مانح للمساعدات العمومية الموجهة للتنمية حيث زادت تلك المساعدات بين عامي 2000 و2010 من 100 مليون يورو إلى 363 مليون يورو، ثم حطمت رقما قياسيا جديدا عام 2011 بوصولها إلى 541 مليون يورو، علما بأن جزءا هاما من هذه القروض تم تسخيره لتكوين الموارد البشرية. وظلت فرنسا لعقود الشريك التجاري الأول للمغرب، قبل أن تفقد هذه المرتبة في بداية 2012 بعدما تجاوزتها منافستها أسبانيا. وتعد فرنسا في مقدمة الدول التي تعرف أكبر حجم لتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج، وأول مصدر على مستوى دخول السياحة حيث تمول فرنسا المغرب بنحو 40 في المائة من عائدات السياحة. كذلك تعتبر فرنسا أول مستثمر أجنبي بالمغرب حيث تنشط بها نحو 750 شركة فرنسية، من بينها 36 شركة مصنفة ضمن الشركات الأربعين الأولى في البورصة الفرنسية. وتتعدد الاستثمارات الفرنسية بالمغرب في مختلف الأنشطة حيث تظهر حيوية وكفاءة فروع الشركات الفرنسية في العديد من القطاعات التي تخدم السوق المحلي المغربي مثل الصناعات الغذائية، وصناعة الأدوية، وقطاع البنوك والتأمين والبيئة والاتصالات ومواد البناء، إضافة إلى قطاع البناء والأشغال العمومية والتوزيع. وتعتبر فرنسا المستثمر الأول في المغرب خاصة في صناعة الطائرات والسيارات، والمشروعات الهيكلية للتنمية، مثل مشروع "الترام" بالرباط، والميناء المتوسطي بطنجة، والقطار فائق السرعة بين الدارالبيضاء وطنجة، فضلا عن متابعتها للخطط القطاعية الكبيرة التي تطلقها المملكة. وإلى جانب قطاعات التعاون التقليدية ، فإن بروز أسواق جديدة في الطاقة المتجددة تعتبر فرصة ثمينة للشركات الفرنسية التي اجتذبتها ديناميكية الاقتصاد المغربي والاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة. وفى المجال الثقافى ، ترتبط فرنسا بعلاقات وثيقة مع المغرب على المستوى الثقافي خاصة وأن عنصر اللغة يساعد في تذليل العقبات في هذا المجال. وتحتضن فرنسا أكثر من 800 ألف مغربي ، وتستقبل جامعاتها 61 في المائة من إجمالي الطلبة المغاربة الراغبين في استكمال دراستهم في الخارج والذين يصل عددهم إلى 300 ألف طالب، وهو أكبر عدد بين الطلبة الأجانب. وفي المقابل، توجد في المملكة 30 مدرسة فرنسية، يشكل المغاربة نصف مجموع تلاميذها البالغ عددهم 300 ألف طالب وطالبة. وهناك نحو 60 ألف شاب يتعلمون اللغة الفرنسية في المؤسسات التابعة للمعهد الثقافي الفرنسي بالمغرب، حيث ساعدت هذه اللغة المتبادلة على تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين بشكل غير مسبوق. كما أن المعهد الثقافي الفرنسي بالمغرب يحرص دائما على المشاركة في العديد من التظاهرات وتسجيل حضوره كثير من الأحداث المهمة على الساحة المغربية. وتضم السفارة الفرنسية لدى المغرب، التي تعتبر الثانية من حيث الأهمية بعد سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ما لا يقل عن 350 موظفا ومستخدما متعاقدا تتحمل خزينة فرنسا رواتبهم ، كما تمنح القنصليات الفرنسية الست الموجودة بالمغرب سنويا 160 ألف تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية، وعبرها إلى الدول الأوروبية. ويتراوح عدد الفرنسيين المقيمين في المغرب بين 70 و80 ألف فرنسي، 40 في المائة منهم يحملون الجنسيتين المغربية والفرنسية. وهناك أيضا ما بين 20 و30 ألف سائح فرنسي يفدون يوميا إلى المغرب، حيث يتصدر الفرنسيون قائمة السياح الوافدين سنويا إلى المملكة. كما يتقدم المغرب بوضوح قائمة الدول التي يتوجه إليها بانتظام الفاعلون السياسيون الفرنسيون على اختلاف توجهاتهم وأحزابهم وتناقض أيديولوجياتهم. وتربط فرنسا والمغرب علاقات تاريخية قوية حيث كانت المغرب إحدى المستعمرات الفرنسية في شمال أفريقيا غير أنها لم تكن على شاكلة مستعمرة أخرى. فرغم أنها عانت من الغطرسة الاستعمارية، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية واشتداد شوكة الحركة الوطنية المغربية، فقد نجحت المغرب في الحفاظ على ثقافتها وتقاليدها المحلية بفضل السياسة الإدارية غير المباشرة التي اختارها الجنرال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب. وبما أن المغرب تعد الدولة العربية الوحيدة التي استعمرتها فرنسا ولم تخضع لسيطرة الإمبراطورية العثمانية فقد حازت تلك الدولة العريقة على إعجاب فرنسا التي وجدتها مختلفة تماما عن بقية مستعمراتها في المنطقة المغريبة. وتبلورت خصوصية العلاقات بين البلدين عام 1939 عندما أطلق الملك الراحل محمد الخامس نداء إلى رعاياه من أجل نصرة فرنسا في الحرب العالمية الثانية. وبعد حصول المغرب على الاستقلال عام 1956، اختار محمد الخامس طي صفحة سنوات الاستعمار من أجل بلورة علاقات جديدة مع القوة الاستعمارية السابقة، التي كان يرى فيها حليفا يعول عليه في مواجهة أسبانيا، التي كانت لا تزال تستعمر وقتها مناطق من المغرب. ولم يكن ذلك هو الدافع الوحيد الذي جعل محمد الخامس يتخذ هذا القرار، بل أنه كان رفيق التحرير بالنسبة للجنرال ديغول، وهذا امتياز ولقب لم يمنح سوى لشخصيتين أجنبيتين، وكان وينستون تشرشل هو الشخصية الثانية. أ ش أ أخبار مصر - دولى - البديل