لا يعلم الكثيرون أن أصل كلمة "بنانا" أي موز بالإنجليزية، يعود إلى اللغة العربية، فسكان القارة العجوز، لم يعرفوا هذه الثمرة، إلا بعد أن فتح المسلمون غرناطة، وكان العرب يقولون "أصابع الموز".. والبنان لغويًا، يعني أطراف الأصابع، أو البصمات في شرح آخر، وهو شرح يستند إلى قوله عز وجل: "بلى قادرين على أن نسوي بنانه". لو علم العامة هذا الأصل اللغوي، لما ساورهم العجب، من حديث الرئيس محمد مرسي، عن القرد الذي مات، وعما سيفعله القرداتي الثكلان بعدئذٍ، فالرجل لسن، أي مفوه فصيح، يعرف من أغوار العربية، و"حوشي" ألفاظها، ما يُستغلق على العامة، ويختص به أهل البلاغة، ولعل مآثره ومأثوراته الخالدة، التي نذكر منها مثلاً، الحق أبلج والباطل لجلج، تكفي دليلاً! على أن حديث مرسي عن القرود، ليس الأول، فالرجل شغوف، فيما يبدو، بهذا الحيوان خفيف الظل، رشيق الحركة، وقد صرح قبل فترة، لمجلة أمريكية، بأنه يعشق الفيلم الشهير "كوكب القرود"، كما لا يتصل الحديث، بالاشتقاق اللغوي لمفردة موز الإنجليزية، من العربية وحده، فهناك تعبير "جمهوريات الموز" الذي دخل إلى السياسة، بواسطة أديب أمريكي اسمه "أو- هنري"، إذ طرح مطلع القرن الماضي، رواية بعنوان: "ملفوف الملوك"، ليسخر من نظم الحكم بأمريكا اللاتينية، حيث تمثل زراعة الموز، نشاطًا اقتصاديًا للسواد الأعظم من السكان، وحيث تستشري الديكتاتورية أيضًا. ورغم أن الرواية، لم تحظ بكثير شهرة، إلا أن المصطلح المبتكر إلى حد الصدمة، دخل أدبيات الكتابة، من أوسع الأبواب، فأصبح يستخدم لوصف حال، معظم بلدان القارة السمراء، وكذا الدول العربية، التي ما تزال تجثم على صدرها ديكتاتوريات قاسية الوطأة، محكمة القبضة، هذا بالإضافة لأمريكا اللاتينية. وبجانب الأصل اللغوي، ومصطلح جمهوريات الموز، التي يراد لمصر في عهد ميمون، أن تصبح واحدة منها، ثمة نظرية في علم النفس الاجتماعي، يتعارف عليها، باسم نظرية القرود الخمسة، وهي تقول بأن خمسة قرود حُبست في قفص، ومن سقفه تدلت حزمة موز، وكلما حاول قرد الصعود، انهمرت مياه مثلّجة بغزارة، على الأربعة الآخرين. وماهي إلا بضع ساعات، حتى تكون القردة الخمسة، قد مرت بالتجربة، وتوجعت بما يكفي، من ثم قررت "بالإجماع" أن الفاكهة المشتهاة محرمة، والسعي نحوها محفوف بالمخاطر، فإذا تراءى لقرد، ذي نفس أمارة بالسوء، أن يحاول مجددًا الدنو من الثمار، هاجمته الجماعة بضراوة، كي تحرمه من الثمار الدانية، لأن ثمن وصوله إليها، تألم الجماعة بأسرها. وبعد فترة، تفتر الهمم، وتتوقف القردة عن المحاولة، ثم يُستبعد قرد، ويدخل آخر، فيسعى "بحكم الفطرة" إلى بلوغ الموز، فما يكون إلا أن يتلقى "علقة ساخنة" من القرود الأربعة، التي أصبحت تؤدي دور الحراس المخلصين للأعراف والتقاليد. وتمضي التجربة.. يخرج قرد ويدخل قرد، حتى يستبعد "الخمسة الأوائل"، ويضم القفص خمسة قرود جديدة، لم يرتبط السعي نحو الموز شرطيًا في خبراتها، بالماء المثلج، لكنها "للمفارقة" تكون قد تطبعت بسلوك القطيع، وغدت تتصدى لأي قرد، يحاول تكسير المألوف، بأن تهرع إلى أن توسعه ضربًا وعضًا وخربشة بالأظافر، فيما تطلق صرخاتها الحادة المرعبة، وربما تمعن في نهش لحمه حتى الموت، فالجماعة صارت تُذعن آليًا، دونما سبب معلوم، ومن دون تفكير، وقد تقولبت وتنمطت وتحنّطت قدراتها على الابتكار "بالتعود". وهكذا.. تخبو الإرادات الفردية، وتذوب ذوابانًا تامًا، في إرادة المجموع، ويصبح القطيع، بلا قدرة على الخروج من البيروقراطية والرتابة والروتين، ينفذ المفروض عليه من سلطة غير مرئية، وفق مبدأ "السمع والطاعة"، في جماعة القرود. [email protected]