أتمنى لو كانت لدى قدرة «بن خلدون» و«بن رشد» على التنظير والبحث والتنقيب في العلوم الإنسانية، أو عبقرية «جمال حمدان» أو«جلال أمين» ونظرتهم العميقة الثاقبة فى التحليل لأعرف ماذا يحدث للمصريين فعلاً. مع تأكدى التام أن هؤلاء العباقرة (أول إثنين) لو عاشوا بيننا الآن لأختلفت أحوالهم ونوعية ما درسوه وأتقنوه هذا لو تلقوا العلم أصلاً ولم ينشغلوا بلقمة العيش (التى يُقتل البعض من أجلها) ولا أستثنى «جمال حمدان» و«جلال أمين» فلقد تلقوا العلم فى عهود كان الحكام مازال لديهم بقية من حياء ليضعوا العلم فى مكانته.
المهم. قرأت أن ضحايا وباء «الغدة النكفية» والمعروف شعبياً بإسم «أبو اللكيم» وصلوا إلى 125 مصاباً فى التصريحات الحكومية والجرائد القومية، وألف مصاب فى أقوال الأهالى وجرائد المعارضه، وعشرات الألاف فى جلسات القهاوى والقعدات. لا يهم العدد لكن لا أعلم لماذا تذكرت «الغزاه الأسبان» وما فعلوه مع الهنود الحمر من إباده شامله عن طريق «الجدرى» وقارنت بينه وبين ماتفعله بنا الحكومات المتتابعة علينا منذ «إنقلاب يوليو» حتى الآن من إبادة منظمة للشعب المتعوس عن طريق التيفود وأبو اللكيم وفيروس سى والفشل الكلوى والكبدى والمبيدات المسرطنة ومزروعات المجارى وحوادث الطرق وطوابير العيش والأنابيب والبيوت المتصدعة وصخور المقطم والعبارات والقطارات .. إلى أخر قائمة الكوارث التى لا يكفى سردها مساحة المقال التى أنتزعتها بوضع اليد (وهى الطريقة الوحيدة للحصول على أى شىء فى السجن الضيق الممتد المسمى بالوطن على سبيل الدلع والفرفشه) ناهيكم عن أن الهنود قاوموا ببسالة حتى أخر واحد فيهم ولكننا سنباد عن أخرنا وبأيدينا بفضل الغزو «الإخوانى السلفى» ودون مقاومة تذكر مثل الخراف أوالدجاج لا فرق فالموت واحد فى النهاية.
ماذا حدث لنا لنصبح فريسة التطرف والفتنة وعبيداً للجهال الخونة الذين لا يريدون بنا أو بالبلد المنكوب أى خير؟
فى محاولة لفهم مأساتنا تذكرت هذه التجربة التى قرأتها منذ سنوات على أحد المواقع ووجدتنى ملزماً بمشاركتكم إياها: أحضر أحد العلماء خمسةَ قرود ووضعهم في قفص علق في منتصفه «سباطة موز» وضع سلماً بأسفلها. بعد مدة قصيرة حاول أحد «جماعة القرود» أن يعتلي السلم محاولا الوصول إلى الموز، وما أن وضع عليه يديه حتى أطلق العالم خرطوم ماء مثلج على القرود الأربعة المسكينة الأخرى.
بعد قليل .. حاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، فكرَّرَ العالم ما فعله ورش بقية القرود بالماء المثلج! تكررت العملية أكثر من مرة. بعد فترة وجد أنه ما أن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز حتى تمنعه القرود الأخرى فى الحال بالطبع (وفقاً لنظرية «بافلوف» فى التعلم الشرطى) خوفاً من الماء المثلج.
بعدها أبعد قرداً من الخمسة خارج القفص ووضع مكانه قردا جديداً، وطبعاً هذا القادم الجديد لم يعاني أو يعاصر تجربة الماء المثلج، وبالتالي سرعان ما ذهب إلى السلم لقطف الموز. عندها هبت المجموعة المرعوبة من الماء لمهاجمته وضربه لمنعه بالقوة من الوصول لهدفه، وبعد أكثر من محاولة تعلم هذا القادم أن محاولة قطف الموز نتيجتها علقة ساخنة من بقية «جماعة القرود»!
أخرج العالم قرداً آخراً ممن عاصروا تجربة الماء المثلج وأدخل قرداً جديداً لتتكرر المأساه من جديد ولتنهال عليه القرود ضرباً عند محاولته الوصول للموز! الغريب أنَّ صاحبنا الأول شاركهم ضرب القرد الجديد على الرغم من أنه لم يعاصر تجربة الماء المثلج ولا يدري أصلاً لماذا ضربوه في السابق!
وبطبيعة الحال لا يدري لماذا يُضرب القادم الجديد!! كل ما يعرفه أن لمس الموز (برغم أنه حق مشروع بالفطرة) جزاؤه الضرب!
لذلك فهو يشارك ربما بحماس أكبر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد!!
استمر العالم فى إخراج أحد معاصري تجربة الماء المثلج فى كل مرة وإدخال عنصر جديد حتى اُستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء المثلج بمجموعة جديدة لم تتعرض للعملية السابقة.
في النهاية وجد أن «القردة» تنهال ضربا على كل من يجرؤ على محاولة قطف الموز ولا أحد منها يعلم أو يدري السبب! لكن هذا ما وجدت المجموعة نفسها عليه منذ جاءت!!
ألا يذكركم هذا بما يفعله نظام الحكم وما أستقر ونجحت الحكومات المتعاقبة فى زرعه فى اللاوعى الجمعى من رعب الإقتراب من سطوتها ونفوذها؟
تلك السطوة والسلطة القمعية الرهيبة التى أنتهت على يد أنبل شباب مصر فى النصف ثورة الشهير بثورة «يناير» والتى يحاول الآن الإخوان والسلفيون (بعد أن ركبوها) أن يستبدلوها بسلطة قمعية تدّعى حماية الشريعة والدين والأخلاق التى هم منها براء (وقضايا الأداب والتحرش والكذب وتوزيع الصور الجنسية فى الشارع ليست عنا ببعيد! ناهيكم عن قائمة الألفاظ والشتائم المغرقة فى السوقية والقذارة الصادرة عن قيادات إخوانية وسلفية والتى يتداولها الجميع الآن على المواقع الإجتماعية)! والغريب الذى أحاول فهمه (وأفشل تماماً) إنهم يجدون من يبرر لهم ومن يصدقهم ومن يتبعهم مسلوب الإرادة كالمّنوم، مع إن حقيقة وضعنا بعد «تسونامى النهضة» لا تخفى على أحد وواضحة مثل الطين.
أين لى ببراعة «إبن تيمية» فى التوفيق بين «المعقول والمنقول» لأستطيع إقناع الناس بالتخلص من ميراث الجمود والإستقرار وتقديس تابوهات مشكوك فى صحتها، وأشخاص هم أقرب للأراجوزات؟
لماذا نسمح لتيار أو شخص أن يختار لنا وأن يفرض علينا أهدافه وما يريده هو وليس ما نريد ونرغب (لو كنا نعرف حقاً ما نريد)، ولماذا نسمح لهم بإستخدام أساليب ملتوية فى إثنائنا عن أهدافنا؟
هل تعلمت من نظرية القرود الخمسة شيئاً؟ لماذا التصرف كالقطيع والتركيز على المسميات والشكل والبعد عن جوهر الأخلاق والدين؟
لماذا نقلب الهرم الإجتماعى ونقّدس التافه ونتفّه ما يستحق التقديس؟ سألت أحد أصدقائى والذى يتبع تياراً دينياً وهو من الدين براء (الصديق والتيار) عن سبب كسله وغبائه واستسلامه التام لما يجود به رؤسائه من قرارات غبية ستؤدى بالبلد باكمله (وبه بالطبع) للتهلكة فى النهاية فأجابنى بعد تفكير (بدا عميقاً) قائلاً: مش النظرية...!