تجدهم متراصين صفوفا مرتدين ثيابا موحدة أحيانا ينشدون نفس الأناشيد بشكل منظم جدا ، زاهدون فيما سيأتي ناسين ما قد مضى، وفي مواضع أخرى تراهم يحملون السلاح مجاهدين ضد الاستعمار ، حتى تحول جزء منهم في النهاية إلى دعاة ديمقراطية ورجال حكم أقوياء صنعوا دولة يشهد لها القاصي والداني في تركيا. إنهم الصوفية المقدر عددهم في مصر ب7 مليون أحيانا و15 مليون في أحيان أخرى ، موزعين على 78 طريقة، هذه الطرق دبت في أوصالها السياسة بعد ثورة 25 يناير، وأطلق الآلاف من شبابهم حملة على موقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك" للمطالبة باختيار مشايخ الطرق بالانتخاب المباشر وترشيح الأفضل والأكثر علما منهم، وإلغاء التوريث المعمول به في اختيار القيادات الصوفية، بالإضافة إلى تغيير قانون تنظيم الصوفية رقم 118 لسنة 1976 وتأهيل المشايخ، وكذلك إعلان بعض الطرق عن خوض انتخابات مجلس الشعب المنحل على رأسهم طارق عامر ، شيخ الطريقة الرفاعية، و عصام زكي إبراهيم، شيخ الطريقة المحمدية الشاذلية. كما أسست الطريقة العزمية حزب التحرير المصري، بالإضافة إلى إعلانها عن دعم حمدين صباحي – زعيم التيار الشعبي في انتخابات الرئاسة الماضية، ثم التراجع وتأييد الفريق أحمد شفيق، بالإضافة إلى زيارة شيخها علاء أبو العزائم لتركيا لدراسة تجربة حزب العدالة والتنمية الذي نشأ من رحم الطريقة النقشبندية. الصوفية عبر التاريخ أسسوا دولا وحاربوا الاستعمار على يد عمر المختار – شيخ الطريقة السنوسية في ليبيا والذي كان شوكة قوية في ظهر الاحتلال الفاشيستي الإيطالي، والأمير عبدالقادر الجزائري الذي أسس جيشا وقاوم الاحتلال الفرنسي في الجزائر حتى عقد معه هدنة سنة 1834، وفي مصر قاد أبو الحسن الشاذلي ، مرجع الصوفية الشاذلية ، حملة مقاومة ضد الصليبيين وأشرف على حبس لويس التاسع في المنصورة، حسب تواتر الروايات، ولا ننسى العز بن عبد السلام شيخ القائد سيف الإسلام قطز الذي انتصر على التتار في عين جالوت . وحديثا كان للطريقة العزمية في مصر دورا في مكافحة الاستعمار وثورة 19 وكانت مطبعتهم تطبع المنشورات ضد الانجليز ، كما كان الشيخ محمد ماضي أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية صديقا لسعد زغلول ويتشاور معه ويقدم النصح، بالإضافة إلى إرسال الطريقة لكتيبتين من مريدها للجهاد في فلسطين عام 1948 بين الاستبداد والتكفير همش الدور السياسي للصوفية بعد 48 ولم يعد لهم دور يذكر إلا في مهادنة الحاكم، لأسباب كثيرة يرى الدكتور عمار علي حسن، الباحث في الإسلام السياسي، أن أهمها المناخ الاستبدادي و انخراطهم في الحياة العامة المصرية حتى أن العديد من مسئولي الدولة كانوا أعضاء بها ، وهو ما جعل استيعابهم داخل جهاز الدولة سهلا، وعزز ذلك سيطرت الدولة على المجلس الأعلى للطرق الصوفية، وتناغم مع ذلك قيمة الزهد المترسخة في وجدانهم. ويتفق معه عبدالحليم العزمي ، مدير تحرير مجلة الإسلام وطن، الناطقة بلسان الطريقة العزمية وأشهر دعاتها، والذي يرى أن الصوفية ليسوا طلاب سلطة بالأساس ولكن يريدون فقط إصلاح المجتمعات، بشكل سلمي ، حتى أنهم لا يغيرون المنكر بالقوة وإنما بفعل المعروف في أهل الإساءة، وفيما يخص السياسة يدعمون من يرونه صالحا من الخلف ، ولكن لا يشترك شيوخهم أو دعاتهم بشكل مباشر في العملية السياسية، حرصا على هيبتهم ومصداقيتهم لدى مريديهم. أما الدكتور نبيل عبدالفتاح – مقرر الحالة الدينية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، فيرى أن الصوفية انعزلوا في العقود الأخيرة بعد أن قويت شوكة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، الذين شوهوهم ووصفوهم بالمبتدعة في الدين لدرجة تكفيرهم أحيانا، الأمر الذي أدى إلى انحسارهم عن المجتمع بشكل تدريجي، وبالتالي أثر ذلك على دورهم السياسي. استعادة الحركة وأمل النخبة بعد الثورة شكل الصوفية ائتلافات وأحزاب وبدأ التجربة التركية تلمع في أعينهم، ويرى الدكتور عبدالحليم العزمي – أن المنهج الصوفي حلا جوهريا لإشكالية الحداثة والتدين نظرا لقبول الصوفية بالآخر ونبذهم للعنف ، الأمر الذي أوصلهم للحكم في تركيا عن طريق حزب العدالة والتنمية الذي خرج من رحم الطريقة النقشبندية. ويؤيده الدكتور عمار علي حسن الذي يرى أن القيم التي يربى عليها الصوفية مثل المحبة التي تجعله يقبل الآخر تساعد على بناء تنظيمات سياسية ديمقراطية، بالإضافة إلى قيمة الزهد التي تقدم الصوفي للسلطة كخادم وليس طالب منصب، كما أن الزعامات الكاريزمية التي يمتلكها شيوخهم تجعل من الممكن تحريكهم باتجاه آراء سياسية بعينها ، الأمر الذي يجعل من السهل أن يلعبوا دورا في الحياة السياسية يكون داعما للأحزاب المدنية ضد الأحزاب الأصولية التي يربطها بالتصوف عداءا تاريخيا، بالإضافة إلى امتلاكها لكوادر إدارية وفنية في مجالات عدة، نظرا لأن بابها كان مفتوحا أمام الأطباء والعسكريين والمهنسين والمهنيين بشكل عام، بل ووزراء أحيانا كحسب الله الكفراوي ، وزير الإسكان الأسبق، وحسين الشافعي ، نائب رئيس الجمهورية الأسبق وغيرهم، وكان لهم دورا فاعل في دعم الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة وخاصة في الجولة الثانية أمام الدكتور محمد مرسي. أما الدكتور نبيل عبدالفتاح فيرى أن الصوفية يحتاجون دائما لشدائد تحركهم للعب أدوارا هامة ، وقد شوهد ذلك في مقاومتهم للاستعمار في الجزائر وليبيا والعراق والسنغال ومصر، ولكنهم يتسمون بالمهادنة في الظروف العادية، ولذلك لا يعول عليهم كثيرا في صنع توازن سياسي أمام القوى الأصولية التي تميل للحركة بطبيعتها، إلا في حالة اقتناع شيوخهم بفكرة ما ، فيستطيعون وقتها التحرك طواعية ، نظرا لما يمتلكه شيوخهم من سطوة روحية عليهم، لافتا إلى أن العديد من النخب السياسية يسعى إلى استقطابهم ويرى فيهم أملا، وقد يدفع المشهد الملتهب في مصر إلى ذلك في حال حدوث فوضى أو حرب أهلية كما يتوقع الكثير. خبراء: النظم الحاكمة استوعبتهم بفضل دعاوى التكفير والمناخ الاستبدادي...وقيمهم المتسامحة وكاريزمية شيوخهم تجعلهم حلا للأزمة الراهنة