الفريق "سعد الدين الشاذلي" حرمه القدر من أن يشهد سقوط النظام، فمات قبل تنحي الرئيس مبارك بيوم واحد، فقد عاش منفيا ومقصيا من قبل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فاستقبلته الجزائر كلاجئ سياسي، ولكن أتى دور الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ليعاقبه عن طريق الحكم عليه غيابيا بالسجن؛ بزعم إفشاء أسرار عسكرية، بعد أن كتب الشاذلي مذكراته عن حرب أكتوبر 73 . أطلقوا عليه "الثعلب" لدوره العظيم في حرب أكتوبر، فقد كان الشاذلي بمثابة العقل المدبر للعمليات العسكرية في ذلك الوقت، ولكنه كان سيئ الحظ؛ فهو الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه، فقال الشاذلي في مذكراته إنه تم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر والتي سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين والأوسمة. وبعد تجاهل الرئيس الراحل أنور السادات لدوره في الحرب، والحكم عليه بالسجن من قبل الرئيس المخلوع، ونسيانه من المشير طنطاوي القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، حيث لم تتذكره القوات المسلحة بأي شكل في الذكرى الأولى على وفاته ومرت عليهم مرور الكرام، إلى أن جاء الرئيس محمد مرسي ومنح أسرته قلادة النيل كرد اعتبار له. ولد سعد الدين الشاذلي في أبريل 1922، بقرية "شبراتنا" مركز بسيون بمحافظة الغربية في دلتا النيل ووصف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط بارليف فى حرب أكتوبر. حظى بشهرته لأول مرة في عام 1941 عندما كانت القوات المصرية والبريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء الغربية، خلال الحرب العالمية الثانية وعندما صدرت الأوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب بقى الملازم الشاذلي ليدمر المعدات المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة. وأثبت الشاذلي نفسه مرة أخرى في نكسة 1967 عندما كان يقود وحدة من القوات المصرية الخاصة المعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجه لفقدان الاتصال بين الشاذلي وقيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ قرارًا جريئًا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلومترات وبقى هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي أصدرت اليه الأوامر بالانسحاب فورًا. فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلاً وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر عليها العدو تمامًا وبدون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس "حوالي 200 كم". وقد نجح في العودة بقواته ومعداته إلي الجيش المصري سالمًا، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% الى 20%، فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء. اكتسب الشاذلي بعد هذه الحادثة سمعة كبيرة فى صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت المرة الأولى والأخيرة فى التاريخ المصرى يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة الى قوة موحدة هى القوات الخاصة. في 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا على أي من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك. وعرف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصرى الناجح على خط الدفاع الإسرائيلى بارليف فى حرب أكتوبر عام 1973 إلا أنه فى 13 ديسمبر من نفس العام وفى قمة عمله العسكرى تم تسريح الفريق الشاذلى من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيرا لمصر فى إنجلترا ثم البرتغال. انتقد الشاذلى فى عام 1978 بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية ما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب إلى الجزائر كلاجئ سياسى، وفى المنفى كتب الفريق الشاذلى مذكراته عن الحرب والتى اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغما عن جميع النصائح من المحيطين أثتاء سير العمليات على الجبهة، أدت إلى وأد النصر العسكرى والتسبب فى الثغرة، وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلى. واتهم فى تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذى أدى إلى محاكمته غيابيًا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية. عاد إلى مصر عام 1992 بعد 14 عاما قضاها فى المنفى بالجزائر، وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصرى ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابيا لابد أن تخضع لمحاكمة أخرى، وذلك بتهمة نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، واعترف "الشاذلى" بارتكابها، أما التهمة الثانية فهى إفشاء أسرار عسكرية فى كتابه، وأنكر الشاذلى صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية. ومن أهم مؤلفات الفريق سعدالدين الشاذلي كتاب حرب أكتوبر والخيار العسكرى العربى والحرب الصليبية الثامنة وأربع سنوات فى السلك الدبلوماسية. أخبار مصر - البديل Comment *