عكست عناوين الصحف الألمانية أصداء مختلفة لزيارة الرئيس مرسى الخاطفة إلى ألمانيا فى 30 يناير، والتى أحاطها منذ بدايتها الكثير من القلق بسبب المظاهرات التى استقبلت الرئيس المصرى فى برلين (وكان قد غادر القاهرة التي تغص بالمظاهرات؛ هي الأخرى) وارتدى المتظاهرون أقنعة لوجه الملكة الفرعونية الشهيرة؛ "نفرتيتي"؛ يعلوه قناع الوقاية من الغازات المسيلة للدموع فى اشارة واضحة الى أعمال العنف الدامية التي شهدتها القاهرة؛ ومدن القناة ؛ والتي علا صوت المتظاهرين؛ مُندداً بها؛ أمام مكتب المستشارة الألمانية؛ أنجيلا ميركل؛ إضافة الى هتافات أخرى مُنددة بحكم المرشد، أما نتائج الزيارة فشابها أيضا عدم اليقين لتحفظ الألمان الواضح على "شخص" الرئيس مرسى ونواياه الحقيقية فى الحكم! يوم الزيارة يوم تسلم هتلر للحكم: تزامنت زيارة مرسي؛ مع "اليوم العصيب"؛ كما وُصِف فى ذاكرة " البوندستاج" (البرلمان الألمانى)؛ اليوم الذى تولى فيه هتلر السلطة فى البلاد قبل ثمانين عاما، ( 1933) كما أن هذا اليوم يوافق إحياء ذكرى كاتبة ألمانية يهودية مبجلة لديهم Inge Deutschkrong عانت لسنوات واختفت مع والدتها فى "حياة بائسة " صورتها فى أعمالها خوفاً من الترحيل أو الحرق فى الهولوكوست، فبدا من غير الممكن تجاهل هذا التزامن بين زيارة مرسي؛ والذى جاء على لسانه تصريحات نارية حول اليهود عام 2010 ؛ في ذلك الفيديو الذى يظهر فيه واصفا اليهود بأنهم "مصاصو دماء وأحفاد القردة والخنازير" مما جعل بعض الصحف الألمانية لا ترى زيارة مرسى أمراً مناسباً حيث اعتبر الألمان ما جاء على لسان مرسي من تهديدات وأوصاف تدخل ضمن "معاداة السامية وإهانة اليهود"؛ ذلك "التابو" المُحرّم عند الألمان! لا خفض للديون ولا استثمارات لأن "الألمان لا يقدمون مالاً من أجل سياسى محل شكوك "كان هذا هو العنوان الذى اختارته Zeit ONLINE بتاريخ 30 يناير؛ متسائلة :"هل نقدم مالا من أجل سياسى مشكوك فيه؟! " فالمستشارة الألمانية والحكومة الاتحادية تدرك جيداً وضع الاقتصاد المصرى والذى وصفته الصحف الألمانية بال"المريض" وكتبت الصحيفة أيضا "أن مصر تحتاج الى المال من برلين. ولكن السؤال الهام هنا: "هل يجوز تقديم الدعم للرئيس مرسي؟!" لذا فقد طالب المنتقدون لهذه الزيارة الرئاسية؛ الأولى لمرسي، المستشارة انجيلا ميركيل أن تبلغ مرسى رأيها بكل صراحة؛ بدون التلطي وراء كلمات دبلوماسية ناعمة. كما طالب حزب الخضر المستشارة الألمانية أن تضغط على ضيفها من أجل بدء حوار "جاد ومثمر" مع المعارضة، كما قالت زعيمة الخضر السيدة Claudia Roth " يجب عليه أن يعمل من أجل التواصل مع المعارضة من أجل تحقيق الحقوق المتساوية، ونبذ العنف، وتحسين الوضع الاجتماعى" ومن ثم فقد أوصوا السيدة المستشارة أن تجعل هذه المسائل والمشكلات المجتمعية فى مقدمة حوارها مع ضيفها المصري. فيما طالبت السيدة Kerstin Müller المتحدثة باسم الكتلة البرلمانية لل"الخُضر" المستشارة الالمانية؛ "بأن توضح للرئيس الزائر؛ الفارق بين "اتباع خارطة الديمقراطية" وبين ما يفعله؛ متسائلة عما إذا كان " يريد أن يؤسس الى دولة ديكتاتورية إسلامية تؤول اليها الأمور فى نهاية المطاف"؟!. فيما حذَّر وزير الاقتصاد الالمانى Philipp Rösler (FDP) بدوره؛ من سوء أوضاع حقوق الانسان؛ في مصر؛ وأوضح بلهجة جادة؛ أن تحسين تلك الأوضاع " يُعَدُ شرطا مسبقا للاستثمارات الألمانية فى البلاد". فالتخطيط الأمنى يعد مطلباً حاسما للاقتصاد الألمانى مؤكد ا بقوله " أن الاقتصاد يتحقق فقط عندما يسود الامن والإرادة السياسية" . " مرسى يتحدث كلاماً كثيرا يملأ مجلدات ويفصله عن أحداث العنف فى بلده مسافة أربع ساعات بالطائرة"؛ هكذا عبرت الصحافة الألمانية؛ المُنتقدة لتوقيت الزيارة اذ لم يتقبل أصحاب هذا الرأي مجىء مرسى وسط الظروف الصعبة التى تمر بها بلاده، فذكّر الناقمون على الزيارة في الصحف الألمانية اليومية بحديث مرسى الإنشائي عن "العلاقات المصرية الألمانية وعن مكانة السياح الألمان لدى المصريين ....." هذا ما عبرت عنه صحيفة Zeit ONLINE بتاريخ 30 يناير 2013 تحت عنوان: "مرسى يعد ميركل بالإصلاحات الديمقراطية ". وفى نفس السياق وجه تقرير صادر من Spiegel النقد الى مرسى واصفاً إياه بأنه "يحاول انتحال صفة الإسلامى الوسطى"، وتابعت ً دير شبيجل" :"أن اعتراف مرسى بالسلام مع اسرائيل هو مجرد وسيلة من أجل تأمين الحصول على دفعات المساعدات المالية من أوروبا ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية... وأن مرسى إسلامى لديه قناعة كبرى بالإسلام السياسى ولا يمكن أن يفارق ذلك ذهنيته، وأن خطته هى توسيع حكم جماعة الاخوان المسلمين فى كل المجتمع بغض النظر عن الوسائل المُتبَّعة في ذلك !" وبالرغم من محاولات الرئيس المصري المتكررة؛ أن يترك انطباعا ايجابياً؛ في برلين بأنه "إصلاحى"، وقوله "أن فرضه لحالة الطوارئ جاء على مضض وأن الهدف هو دولة القانون وحرية الدين" إلا أن شبيجل؛ ذائعة الصيت؛ رأت أن محاولته "الكلامية " تتناقض مع إعلانه الدستوري "الديكتاتوري" فى نوفمبر الماضى؛ وموقفه غير المُبرر من القضاء لدرجة دعت وزير الخارجية الألمانى فيستر فيله بانتقاد مرسى وقتها فى ديسمبر من العام الماضى، فيما أفشل المشهد أمام "قصر الاتحادية" محاولة مرسى للعب دور "الاصلاحى" ما أسهم في عدم اقتناع الألمان؛ بانشائيات مرسي المُطوَّلة.وبخاصة "أنه سمح لرجال جماعته؛ بضرب المتظاهرين أمام قصر الرئاسة"؛ ختمت شبيجل مرسى يبرر والواقع يفضحه: يبدو أن متاجرة الإخوان المسلمين بالقضية الفلسطينية؛ و"حماسة الإخوان فى مصر" فى التأكيد على "عدائهم" للمحتل الصهيونى واللعب بتلك "الورقة" لكسب وجدان الجماهير المصرية المتعاطفة مع القضية واستقطاب الشباب المتحمس لفلسطين؛ ألا ان تلك المتاجرة ضمن الأسباب التى دعت الكثيرين من المجتمع الألمانى أن يكونوا رافضين للرئيس المصرى، علاوة على ما يشاهدونه على الشاشات من مواقف تتعارض مع ما يبديه الرئيس من دعوته للديمقراطية، فالألمان ( أسرى عقدة الهولوكوست) اعتبروا تصريحات الرئيس "القديمة"؛ "تحريضاً" ووصفوا صاحبها بأنه يبدو "محرضاً على الحقد والكراهية" حيث كتبت الصحيفة الألمانية Bild بتاريخ 30يناير 2013 على موقعها؛ فى تقرير ميدانى من القاهرة كتبه Julian Reichelt تحت عنوان : "هل كان من الخطأ استقبال مرسى" ؛ أكدَّ فيه على أنه" لن يفوت على ميركل أن تقرأ أفكار ضيفها المصري من خلال تصريحاته حول اليهود ... هذا الزائر الذى يأتى من مرجعية الاخوان المسلمين " والذي "لا ينادى بشيئ مختلف عن الذى يريده الرئيس الإيرانى أحمدى جاد ألا وهو إبادة دولة اسرائيل" ثم يوجه السؤال "لماذا تستقبله المستشارة الألمانية اليوم، والذى يوافق ذكرى ملايين الضحايا من الهولوكوست؟!" ولم يبتلع مراسل " بيلد" القاهري؛ التعقيب الدبلوماسي لوزير الخارجية الألماني والذى أراد أن يُهدِىء من استجهان أطراف الحكومة الائتلافية الألمانية لزيارة "رئيس ترك بلاده وسافر وسط أحداث العنف أمام قصره، وقد أقصى المعارضة وباقى الأطراف الوطنية مكتفيا بجماعته" إذ عقَّب وزير الخارجية الألمانى بعبارات دبلوماسية روتينية؛ داعياً المهاجمين الى السماح للرئيس المصرى "بفرصة" أما المراسل القاهري لبيلد؛ فكان له رأي آخر: " ... داخل الحكومة الاتحادية هناك من يتمنى أن تولي الحكم سوف يعدل من شخصية مرسى من المتطرف الى البراجماتي، أى تحويله إلى رجل دولة معتدل ذى رؤى معتدلة ، غير أن هذا الاعتقاد هو تفكير ساذج؛ بل هو شىء من العبث "وعلل الكاتب موقفه من عدم تصديق مرسى بقوله: "أن من ذهب الى القاهرة فى الأسابيع السابقة يستطيع أن يراقب كيف قامت جماعة مرسي بأعمال العنف الدموي في شوارع العاصمة المصرية، وكيف أنهم قاموا بضرب شاب حتى سقط فى غيبوبة "( المعني هنا هو الشهيد الحسيني أبو ضيف) وبينما كان مرسي؛خلال مؤتمر صحفى فى مقر المستشارية؛ يُبرر تصريحاته القديمة؛ في عام 2010؛ المناهضة لإسرائيل؛ بقوله:" تلك التصريحات انتزعت من السياق الذى قيلت فيه" مؤكداً على أنه" ليس ضد اليهودية كدين وليس ضد اليهود الذين يمارسون ديانتهم وأن دينه يلزمه بالإيمان بكل الانبياء وباحترام كل الاديان وباحترام حق الانسان فى حرية العقيدة". كان مراسل " بيلد" القاهري؛ يُعاوِد التشكيك بصدقية مرسي؛ ذاهباً الى أن " مرسي كان يعنى تصريحاته حقا حول الحض على الكراهية؛ وليس ما برره الآن بالدعوة الى التسامح الدينى؛ وقبوله لكافة الأديان ... وهو الان على طريق يمكنه من تحويل مصر بلد السياحة العالمية المفتوحة الى بلد ديني منغلق ... فمرسى الذى قضى عقودا من حياته فى تشكيلات الاخوان المسلمون ذات الخلفية الأصولية، الآن هو يبلغ واحد وستين عاماً، ومن ثم فلن يتولد من هذا الشخص شخص أخر براجماتي ولا شخصية سياسى حقيقى". اختارت صحيفة Die Welt فى 30 يناير 2013 ؛ أن تعنون تغطيتها لزيارة مرسي لبرلين بالقول:" الرئيس مرسى يرجع الى وطنه فارغ اليدين"، وقد بدا واضحاً من التغطيه؛ فشل مرسى أن يصنع صيتا لنفسه، بعيداً عن أفعاله على الأرض؛ بدءاً من موقفه الذى أسمته "فوق القانونى" عبر إعلان دستورى يعوق عمل القضاة، تصرفا لم يمكن للألمان استيعابه؛ إذ لم يجدوا له سنداً مقبولاً، ومن المؤكد أيضاً أن ألمانيا قاطرة الاتحاد الاوروبى؛ قد اتخذت موقفا شديد الحذر من مرسى حيث وصفت ميركل ؛ نواياها قبل الزيارة بتلميحات واضحة قالت عنها الصحيفة " سعى الرئيس مرسى فى زيارة ألمانيا لصناعة صيت لنفسه؛ كما سعى الى المساعدات الاقتصادية إلا أن المستشارة أبدت عدم ارتياحها؛ وسمحت لهذا أن يظهر عن طريق تلمحيات واضحة بقولها: "الاقتراب الزائد لا يوجد له مجال؛ الآن" فهدف الزيارة "المُتفق عليه"؛ كان "طلب مساعدات جديدة واسقاط ديون قديمة" ولكن دافعى الضرائب الألمان لن يسمحوا بدفع أموالهم الى رئيس يدعم العنف ويسمح لنفسه بتخطى دولة القانون؛ كانت هذه هي "النغمة السائدة" في وسائط الاعلام الألمانية؛ التي اعتبرت أن المزاج الشعبى الألمانى لا زال متأثرا من الاعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى نوفمبر الماضى؛ مما يجعل دافعى الضرائب الألمان الذين كانوا يمثلون قبل ثورة 25 يناير الجنسية الاولى للسياحة الوافدة الى مصر، ويشكلون ما يقارب 18ألف مستثمر ألمانى فى الغردقة وحدها، مما يجعل الألمان فى موقف رافض لمساعى مرسى فى تخفيف الاعباء الاقتصادية لأنهم يحملونه مسئولية العنف تجاه المتظاهرين معبرين عن موقفهم بأنه فى نفس الوقت الذى جاء مرسى طالباً المساعدات الاقتصادية :" وفى أثناء ذلك فى مصر يقوم هؤلاء الذين يضربون بالعصى والحجارة وزجاجات المولوتوف بتدمير الصناعة الوحيدة الرائجة فى مصر ألا وهى السياحة" وعليه بدا أنه "كان من الخطأ استقبال مرسى فى برلين... لقد كان خطأ أن نظن أن مرسى ساذجا أو طيبا فى حين أنه يسمح فى نفس الوقت بممارسة العنف ضد شعبه الذي يبعد عن رحلته فى ألمانيا مسافة أربع ساعات فقط بالطائرة"".! تعبيرات الوجه والتناسق الصوتى مفقودان لدى مرسى: الى ذلك؛ ومع أن الشعب الألمانى دائما ما يتميز بالجدية والصرامة؛ إلا أنه شعب شاعر الألمانية الكبير جوته؛ والموسيقي الفذ بيهوفن؛ وعليه فلم يفُت على الصحف الألمانية التعليق على افتقاد الرئيس مرسى "المنتحل للوسطية" كما وصفوه لهذه السمات الانسانية وعلقوا على هذا الامر بوصفهم أن "التعبيرات العاطفية كانت نادرة لدى هذا الرئيس، فلم تكن هناك تفاعلات ملحوظة فى وجهه كما لم يتم ملاحظة تناسق فى نغمات صوته " ، ألا أنهم سجلوا التغيير فى نبرة صوته عند دفاعه عن تصريحاته ضد اليهود والتى لم يسحبها بحد وصفهم بأن "الرئيس أبدى ما يشبه الاستياء عند هذا الحديث" قائلا:" أنا مسلم ودينى يلزمنى أيضا باحترام كل الاديان"، وعلى سيرة الصوت والنغمات اختتمت Die Welt تغطيتها الاخبارية لزيارة مرسي بقولها "أن صوت هتافات المتظاهرين فى برلين ضد مرسى والشاجبين لحكمه والمطالبين بسقوطه كانت أعلى من صوت الأناشيد" التى كان قد عزفها الجيش الالمانى كتحية رسمية مراعاة لكونه رئيس مصر العريقة. Comment *