"كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح علي وضع قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء،وابتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال.. كما كان من نتائج الاستبداد ،خلو خطب المساجد من كل فائدة ،حتي أصبحت تدور حول موضوع الزهد في الدنيا، والحض علي الكسل وانتظار الرزق بلا سعي ولا عمل ". لهذه المقدمة التى افتتح بها ديوانه " أثر الشعر فى تربية الأمم "، قدمته الحكومة للمحاكمة. كان الزعيم الوطنى محمد فريد قد خلف مصطفى كامل فى زعامة الحزب الوطنى،وأعلن أن مطالب مصر هى الجلاء والدستور. فعقد مؤتمراً فى بروكسل 1909 ،لشرح حق مصر فى استقلالها وسيادتها على أراضيها، وأصدر مجلة فى أوروبا باللغة الفرنسية ليروج للقضية المصرية . وفتح فى مصر مدارس ليلية لتعليم المصريين، بدأت فى القاهرة ثم الأقاليم ،وأسس للحركة النقابية وأنشأ أول نقابة للعمال فى مصر 1909 ،وهى نقابة عمال الصنائع اليدوية ،وأنشأ لها ناد ببولاق ،وساهم فى تأسيس العديد من الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية فى القرى و المدن. أجمع المؤرخون أن مصر عرفت على يد محمد فريد،المظاهرات الشعبية المنظمة،فكان يدعو الناس فى حديقة الجزيرة ،فيجتمع عشرات الألاف،ويسيرون إلى قلب القاهرة يهتفون بمطالبهم ،التى صاغها" فريد" فى ورقة واحدة،وبدأ يجمع التوقيعات بالموافقة عليها ،وسلم للخديوى فى أول دفعة 45 ألف توقيع ،وتلتها دفعات أخرى. وكان محمد فريد يؤمن بأن الأسلوب الوحيد لمقاومة الاحتلال ،هوالكفاح الشعبي السلمي والمسلح ،العلني والسري ،وسجل الدكتور عصام ضياء الدين في كتابه " الحزب الوطني والكفاح السري (1907 1915 ) أن محمد فريد لعب دورًا كبيرًا ،بالاتفاق مع كل من عبد العزيز جاويش ،وإبراهيم الورداني في إنشاء وإدارة الكثير من المنظمات والجمعيات السرية ،بهدف تسليح الجماهير بالوعي والقوة والإعداد للثورة على الإنجليز والخديوي،وأن "فريد" استهدف إنشاء تنظيم سري كبير ،في كل مكان، استعداداً للثورة، وفي الحقيقة ،فإن سلطات الاحتلال أشارت إلى وجود 85 منظمة سرية مسلحة ،تابعة للحزب الوطني 1910؛ولولا الجهود ،التي بذلها الحزب الوطني وقيادته الثورية لما نشبت ثورة 1919. وكان "فريد" خارج مصر إبان محاكمة عبد العزيزجاويش والوردانى وآخرون، وحكم عليهم بالسجن ستة أشهر ،فأرسل له أصدقاؤه يطلبونه بعدم العودة إلى مصر،أن الحكومة تنوى سجنه،بسبب المقدمة التى وضعها لكتابه . فأرسلت ابنته "فريدة" بخطاب له ،قالت فيه :" لنفرض أنهم يحكمون عليك ،بمثل ما حكموا به على الشيخ عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن يقال أنكم هربتم... واختم جوابي بالتوسل اليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا وتتحملوا آلام السجن ". فعاد "فريد" وقضى مدة السجن كاملة ،وكتب عند خروجه:"مضي علي ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبداً بالضيق الا عند اقتراب خروجي، لعلمي أني خارج الي سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفر، ويحرسه الاحتلال، أن أصبح مهدداً بقانون المطبوعات ، ومحكمة الجنايات،محروماً من الضمانات،التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطرق". وخرج "فريد" من السجن،واستمر فى نضاله وكفاحه ضد الإحتلال والخديوى،لكن الحكومة الموالية للاحتلال لم تكف عن مطاردته والتضييق وعزمت على سجنه مجددا، فخرج فاراص إلى أوروبا . وتوفى الزعيم الوطنى محمد فريد ،فى برلين وحيدا فقيراً ،بعد انفاقه كل ثروته على العمل الوطنى ،وكان فاحش الثراء، ولم تجد أإسرته مالا لاستقدام جثمانه من برلين لدفنه فى القاهرة؛ وتولى الحاج عفيفى خليل،تاجر أقمشة من الزقازيق تكاليف نقله، فباع كل ما يملك،وسافرلإحضار الجثمان،ودفن فى القاهرة 15 نوفمبر 1919. Comment *