يمر يوم غد الخميس الذكرى الخامسة و الثمانين لوفاة الزعيم الوطني محمد فريد الذي حمل راية القضية الوطنية بعد وفاة الزعيم مصطفى كامل رفيق كفاحه عام 1908 بتوليه مسئولية رئاسة الحزب الوطني و البحث عن الاستقلال و الحرية للأرض المصرية. الزعيم محمد فريد هو محامي و مؤرخ و زعيم سياسي ولد يوم 20 يناير من عام 1868 بحي شبرا بالقاهرة و كان أبوه أحمد باشا فريد ناظرًا للدائرة السنية و كانت أثرته تتسم بالثراء و ألتحق بمدرسة خليل أغا ثم مدرسة الفرير و ألتحق بمدرسة الحقوق حيث عمل بعد ذلك محاميًا للحكومة المصرية و كان يتسم بالبراعة في مجال المحاماة حيث استطاع تبرئة الشيخ علي يوسف صاحب جريدة (المؤيد) في مسألة نشره قضية تسرب التلغرافات الشهيرة إلى جانب كون مؤرخًا بارعًا قام بكتابة مؤلفات قيمة تزدان بها المكتبة العربية ك(أسرة محمد علي – الإمبراطورية الرومانية – تاريخ الدولة العثمانية). تعرف على رفيق كفاحه الزعيم مصطفى كامل الذي أحيا الحركة الوطنية المصرية عام 1892 بعد موات دام عشر سنوات بسبب دخول الاحتلال الإنجليزي مصر و هزيمة الثورة العرابية حيث يعد مصطفى كامل هو باعث الحركة الوطنية ليجد من يسانده في درب الكفاح و هو محمد فريد الذي دعمه ماديًا لتمويل الحزب الوطني الذي أُسس عام 1907 و يكون محمد فريد هو الضلع الثاني لجريان النبض الوطني في الشريان المصري. توفي مصطفى كامل يوم 10 فبراير من عام 1908 و يتم اختيار محمد فريد رئيسًا للحزب من بعده ليكمل ما بناه مصطفى كامل الذي أسس مخيمات للخطابة تساهم في مشاركة الأميين للحركة الوطنية و أسس جريدة (اللواء) عام 1900 باللغات (العربية – الفرنسية – الإنجليزية) للمثقفين و الأجانب ليطرح القضية الوطنية في الأوساط العالمية إلى جانب معرفته بمدام جولييت آدم الراعية لقضايا البلاد المستعمرة و التي أستمرت معها العلاقة من خلال محمد فريد الحامل لراية الكفاح و المجسد عمليًا لأسس الاستقلال المنشود. أعلن محمد فريد بعد توليه الزعامة أن مطالب مصر هي: الجلاء و الدستور ، و كانت وسائله لتحقيق الهدفين هو تعليم الشعب تعليمًا مميزًا ليكون أكثر بصرًا بحقوقه ، وتكتيله في تشكيلات ليكون أكثر قوةً و إرتباطًا. أنشأ محمد فريد مدارسًا ليلية في الأحياء الشعبية لتعليم الفقراء مجانًا و قام بالتدريس فيها رجال الحزب الوطني من الأطباء و المحامين الناجحين المرموقين في أحياء القاهرة و الأقاليم. أسس محمد فريد أول نقابة للعمال عام 1909 ليكون هو أساس حركة النقابات و عرفت مصر على يديه المظاهرات الشعبية المنظمة حيث يجتمع المتظاهرون بحديقة الجزيرة ثم يتم سير المظاهرات إلى قلب القاهرة هاتفة بمطالبها ، وضع محمد فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور و طبع منها عشرات النسخ و دعا الشعب إلى توقيعها و إرسالها إليه ليقدمها للخديوي عباس حلمي الثاني و نجحت الحملة و ذهب محمد فريد إلى الخديوي ليسلمه التوقيعات بالقصر حيث وصل عددها إلى 45 ألف توقيع و تلتها دفعات أخرى. قال محمد فريد بشأن وضع الدستور (من لنا بنظارة (أي وزارة) تستقيل بشهامة وتعلن للعالم أسباب استقالتها؟ لو استقالت وزارة بهذه الصورة، ولم يوجد بعد ذلك من المصريين من يقبل الوزارة مهما زيد مرتبه، اذن لأُعلن الدستور ولنلناه على الفور). أدخل محمد فريد الكفاح المسلح بالحزب الوطني ضد المحتل الإنجليزي مما كان السبب الخفي في تعرضه للمضايقات بسبب كتابته مقدمة لديوان شعري للشاعر (علي الغاياتي) بعنوان (وطنيتي) و كان عنوان المقدمة (أثر الشعر في تربية الأمم) قال فيها: (لقد كان من نتيجة إستبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسي، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح علي وضع قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وإبتعادهم عن كل ما يربي النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال.. كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود علي المستمع، حتي أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد في الدنيا، والحض علي الكسل وإنتظار الرزق بلا سعي ولا عمل). سافر محمد فريد إلى باريس لعرض القضية المصرية هناك إلى جانب تجواله في بلاد أوروبية أخرى و أنفق على المؤتمر الذي دعا إليه من جيبه الخاص ليجعل للصوت المصري دويًا في الآذان الغربية و أثناء تلك الرحلة نصحه أصدقاؤه بعدم العودة لأن الحكومة تطلبه بسبب ما كتبه في الديوان و لكن أرسلت له إبنته (فريدة) رسالة تقول فيها (نفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ما حكموا به على الشيخ عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن قيل بأنكم هربتم... وأختم جوابي بالتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا وتتحملوا آلام السجن !). عاد محمد فريد للوطن و حُكم عليه بالسجن ستة أشهر و بعد خروجه كتب تلك الكلمات (مضى علي ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبداً بالضيق الا عند إقتراب خروجي، لعلمي أني خارج إلى سجن آخر، وهو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد.. ويحرسه الاحتلال!.. إن أصبح مهدداً بقانون المطبوعات، ومحكمة الجنايات.. محروماً من الضمانات التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطرق ..). ظل محمد فريد ينادي بالدستور و المضايقات تطارده من الاحتلال الإنجليزي و السلطة المناوئة للاحتلال مما سبب الضيق للزعيم فغادر مصر إلى أوروبا متنقلاً بين تركيا و فرنسا و ألمانيا إلى أن وافته المنية يوم 15 نوفمبر من عام 1919 بعد أن رأى ثمار مجهوداته تُطرح في الساحة المصرية بلهيب ثورة 1919 إلى جانب تحقيق وضع دستورًا للبلاد عام 1923 أي بعد أربع سنوات من وفاته و كان فريد بارك ثورة 1919 بإرسال برقية تهنئة لسعد زغلول و بعدها نام النوم العميق في وادي الراحة الأبدية حيث توفي ببرلين و دُفن هناك بعيدًا عن أحضان الوطن الذي أخلص له حتى جاءت الأقدار بشخصية وطنية عظيمة ساهمت في عودة الجثمان الذي وارى الثرى في مايو من عام 1920 و ظل قابعًا بجانب الجثمان طوال الرحلة إلى أن عاد للوطن و حصل على نيشان لوطنيته الأصيلة في الغيرة على أبناء الوطن المخلصين هذا الشخص هو الحاج خليل عفيفي إبن الزقازيق و تاجر الأخشاب الشهير. إذا كان مصطفى كامل يمثل الروح الرومانسية للحركة الوطنية فمحمد فريد هو الروح العملية للحركة الوطنية في نيل الاستقلال المنشود.