ولقد نذرت إذا لقيتك سالما لأقبلن مواطئ الأقدام ولاثنين على سجاياك التي حثت على التحرير والإقدام هو مأمور مركز (السنطة) مخاطبا عبد الله النديم.. خطيب الثورة. كان عبد الله النديم حينها هاربًا إثر ما ناله من وعيد سلطات الاحتلال ولا سيما الخديوى حال ما أُجهضت الثورة العرابية. واستمر مختبئًا لسنوات فى حماية المصريين، برغم الخطورة التى يتعرض لها كل من قرر إيوائه وحمايته، بل إن الأمر لم يتوقف عند حد الفقراء فقط، أولئك الذين رفضوا تسليم النديم رغم المكافأة الضخمة التى رصدت لمن يرشد عنه، بل إن بعض رجال البوليس أيضا كانوا يوفرون الحماية للثائر الذي آمن بالشعب وآمن الشعب به. فها هو مأمور قسم (السنطة) يلتقى عبدالله النديم وجها لوجه ولا يلقى القبض عليه، وقد كان النديم حينها يختبئ فى قرية (الجميز) مركز (السنطة)، بل أخرج من جيبه بعض النقود ومنحها له ليتمكن من الهرب. كان النديم قائدًا حقيقيًّا للثورة العرابية، فهو الذى نظم خلاياها السرية، وضم إليها عرابي وعبد العال حلمى وعلى فهمى وغيرهم، إنك لا تجد موقعًا للثورة إلا والنديم فيه، فهنا يجمع توقيعات من أجل توكيل عرابي في الحديث باسم الأمة قبل 9 سبتمبر 1881م، وهنا يحشد الجماهير لتقف إلى جوار عرابى فى ميدان عابدين. تجده يحرض ويدعو إلى الثورة مع الفلاحين فى مزارعهم، مع الجنود فى القطارات يشحذ هممهم بعدما صدر قرار بنقل الفرق الثائرة من الجيش إلى الأقاليم، يمر بالمحطات ويخطب فى الناس، فى المدارس والمساجد، ثم يقيم علاقات تنظيمية بين خلايا الثورة فى الشعب والجيش. وليس هذا فقط بل كان يصدر الصحف والمجلات ويشارك فى تحرير العديد منها وكتب مقالات كثيرة في جريدتى المحروسة، والعصر الجديد، مصر، التجارة، ثم أصدر جريدة "التنكيت والتبكيت"، والتى استعاض عنها فيما بعد بجريدة "اللطائف" والتى من خلالها أعلن جهاده الوطنى. كان أيضا يكتب المسرحيات والتمثيليات لتعبر عن حلمه بالتغيير الثورى وتروج لدعوته إلى الثورة، مثل "تمثيلية الوطن"،"تمثيلية العرب"، "طالع التوفيق". وفى عام 1890 ألقت الحكومة المصرية القبض على عبد الله النديم بعدما نجح فى الاختفاء لأكثر من تسع سنوات سجنًا، ثم نفى إلى خارج مصر، فغادر إلى فلسطين وأقام فى يافا، وبعد عام واحد سمح له بالعودة، فعاد إلى مصر ليستكمل نضاله، وما لبس أن أنشأ مجلة "الأستاذ" حتى نفاه الإنجليز ثانية، فعاد إلى يافا، ومنها إلى الأستانة، حيث الإقامة الجبرية، وعندما زار الخديو عباس حلمى الثانى الاستانة، طلب منه النديم العودة إلى مصر فقد أضناه الشوق وشارف على الموت، فوافق الخديوى، وفرح النديم وتسلل إلى الباخرة لكن رجال السلطان عرفوا بأمره وسرعان ما قبض عليه وسيق إلى منفاه من جديد. بعد أشهر مرض النديم وتراجعت صحته، ونهش السل الرئوى صدره وأحس بدنو أجله، فأخبر أمه وأخاه فى مصر واستقدمهما، لكنه رحل قبل أن يصلا، وتوفى فى منفاه وحيدا غريبا فقيرا عام 1896 دون أن يترك زوجا أو ولدا أو حطاما. لكنه ترك للإنسانية إرثا ثوريا وثقافيا، ترك مجدا لا يقل عن مجد الثائرين من آبائه المصريين الأوائل، وترك أربعة آلاف بيت من الشعر، و روايتين، والعديد من المؤلفات وأشهرها: الاحتفاء في الاختفاء، الساق على الساق فى مكابدة المشاق، كان ويكون، النحلة فى الرحلة، اللآلئ والدرر في فواتح السور، والبديع في مدح الشفيع، و المترادفات، وغيرها. أخبار مصر – البديل عبد الله النديم Comment *