لا تؤخذ التعديلات الدستورية، التي أجراها الحاكم بأمره، ولا تفهم خارج سياق فكر الجماعة ومنهجها، الديكتاتوري والإقصائي، القائم على إلغاء العقل، وتحويل الشعوب، إما إلى عساكر أمن مركزي، ينفذون من دون تفكير، وهم بالطبع أعضاء الجماعة، أو إلى مارقين خوارج، لا يؤمنون بأفكارها، وهؤلاء لهم السيف يضرب أعناقهم، كما يقول حسن البنا، في تعاليمه. كل العويل والنحيب والصراخ والتفجع على الدولة المدنية، وسيادة القانون، وجور سلطة الرئيس على كل السلطات، ليس يزعج الجماعة، ولا يؤثر فيها، فالانتخابات عندهم إنما هي بيعة، والبيعة تعني أنه إذا عطس القائد "مرشداً كان أو رئيساً" فعلى الأفراد جميعاً، أن يشمتونه قائلين: يرحمكم الله، وما أعظمك إذ تعطس، إنها عطسة ذات كاريزما، لم يكن المخلوع يستطيع أن يعطس مثلها وقعاً موسيقياً عذباً"! على الإخواني حين يبايع، عليه "والكلام مازال من تعاليم البنا" أن يعد نفسه إعداداً تاماً لأن يلبي أمر القائد، فيما يحب ويكره، فالدعوة تتطلب أن نكون جنوداً طائعين، تحت قيادة موحدة، وعلى الفرد أن يعيش مخلصاً للسمع والطاعة، لأن من مات وليست في عنقه بيعة، فقد مات ميتة جاهلية، وعلى ضلال، ولذلك فليس إلا أن نضرب بالسيف، أعناق المخالفين الذين تلبسهم الباطل، وزين لهم الشيطان فعل السوء. إن حكم الإخوان إذن، لا يستند إلى قيم الحرية والديمقراطية والفردية الخلاقة، التي تتأسس عليها الجماعات الإنسانية فتبدع وتتحضر، ولا ينتمي إلى نظم الحكم في الإسلام، بما فيها من مساحات للرأي والرأي الآخر، وبما يجعله متقدماً متسامحاً، وأكثر تحرراً من كل النظم الوضعية. طقوس البيعة ذاتها، كما يذكرها محمود الصباغ، عضو مكتب الإرشاد الأسبق، تكشف إلى أي حد يغرق هذا التنظيم في الديكتاتورية، فالعضو الجديد يدخل غرفة مظلمة، ويجلس أرضاً على بساط، إزاء أخ آخر، مغطى جسده تماماً، فيتحسس مسدساً ومصحفاً، ثم يقال له: إن أفشيت سراً أو خالفت أمراً ستكون الجماعة منك بريئة، ويكون مأواك جهنم وبئس المصير. لا رأي يعلو فوق رأي المرشد، فهو في منزلة فوق المراجعة والنقاش، فما بالنا بالمخالفة والخروج عنه، واستخدام القوة والسيف، لإعادة المارقين إلى حظيرة المرشد، فرض عين على أتباع الجماعة، ومن حق الأفراد اتخاذ قرار قتل المعارضين سياسياً، من دون الرجوع إلى القيادات، فهم فجرة كفرة، يريدونها عوجاً من دون الله، كما يواصل الصباغ نفسه في مذكراته. البنا مجدداً يستهزي بما يصفه "بميوعة الديمقراطية" التي لا تسمح بعقاب الخارجين عن النهج المرسوم، والقيادي السابق أحمد عادل يؤكد أن "جماعة بلا عنف يحميها.. تهريج"، ولعل ما تحتوي عليه مذكرات قياديي الجماعة، من أعمال قتل "يتباهون بها بالمناسبة" يميط اللثام عن وجه قبيح للعنف الإخواني، ومنها اعترافات دامغة بتورطهم في محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر، رغم أنهم وقتها أقسموا بأغلظ الأيمان بأن الحادث مدبر لتصفيتهم. شعار الجماعة: القرآن الكريم والسيف، ومن تحتهما فعل الأمر، أعدوا، يشي بما في الصدور، وبما دبروه في ظلمات مكتب إرشادهم عبر ثمانين عاماً، للتمكين أو بالأحرى اختطاف الوطن، وهو الأمر الذي يجوز "شرعياً" كي يتحقق، "أن يقتلوا مسلماً طالما في الأمر مصلحة للأمة"، وهذا بالطبع من دون تحديد لماهية مصلحة الأمة ومغزاها، فالأمة هي الجماعة، فيما يبدو، والجماعة هي المرشد. ولا بأس فيما يتعلق بالخصوم السياسيين، من تصفيتهم، واستئصالهم وتطهير البلاد منهم، وعلى الذين وضعوا أنفسهم للإسلام جنوداً أن يتولوا ذلك بأنفسهم، كما تقول ورقة تعليمات داخلية، من قادة الجماعة إلى أفرادها. هذه التعاليم الفاسدة، التي لا تختلف كثيراً عن تعاليم الصهيونية، كما تأتي في محاضرات تيودور هرتزل، ومن معه من مؤسسي الحركة الصهيونية، هي التي تتأسس عليها الجماعة، ذات التنظيم السري، الذي يعد عمودها الفقري وجهازها العصبي، وذات الميليشيات التي تضم انتحاريين، لوح بهم المهندس خيرت الشاطر، إبان انتخابات الرئاسة، يوم قال: عندي ثمانية عشرة ألف انتحاري مستعدون، في حال تعرضت نتيجة الانتخابات للتزوير، والتزوير الذي يقصده بالطبع، كان أن يفوز الفريق شفيق! هذه التعاليم الظلامية، التي تستند زوراً إلى الإسلام، وهو منها برئ نقي، هي التي دعت أحد الشيوخ المغمورين، إلى الدعوة لقتل المتظاهرين ضد الرئيس، وإلى أن قال ابن الرئيس على سبيل التهديد: إن شباب الجماعة سيفتكون بالمتظاهرين في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي، وهي أيضاً التي دعت الرئيس إلى إصدار الإعلان الدستوري الذي يراد منه أن يجعل من شعب مصر خرافاً ترعى في مراعي السمع والطاعة، أو أن تساق إلى سكاكين القصابين، لقطع رؤوسها وسلخ جلودها. [email protected] Comment *