هناك فى الجانب الشرقى من ميدان التحرير يقبع جامع عريق بطرازة المعمارى الغارق فى الأصالة الموغل فى القدم.. ظل مثالا لعراقة التاريخ الإسلامى وشاهد عيان على أيام الثورة فى الميدان. لا ينسى ثوار 25 يناير دور جامع عمر مكرم فى مساندة الثوار وتلقى المصابين؛ فقد فتح الجامع أبوابة للثوار, كانت ساحة الجامع الفسيحة ملاذا للثورة.. محل إقامة ومستشفى ميدانى ونقطة استقبال للمصابين وتمريرهم لكنيسة قصر الدوبارة التى تبعد عن الجامع بضعة أمتار كى يحصلوا على العناية الطبية اللازمة. نبذة عن الجامع يعود تاريخ الجامع الى سنة 720ه؛ حيث اعادت تشيده وزارة الأوقاف مكان جامع قديم بناه الأمير كريم الدين الناظر أحد كبار الأمراء فى بلاط السلطان الناصر محمد بن قلاوون الثالثة، وقد جاء ذكر الجامع فى كتابات على مبارك واصفا إياه بأن به ضريح الشيخ العبيط والشيخ زيدان وليس به مطهرة "دورة مياه" وشعائره مقامة من وقف القصر. المسجد من جزئين منفصلين؛ الجزء الأول عبارة عن مربع له مدخل رئيسى فى الركن الشمالى الشرقى، ومدخل آخر فى الجانب الغربى للمسجد، وهذا المسجد معد للصلاة، وفى وسط جدار القبلة يوجد محراب كبير، يتوسطه صحن صغير، تحيط به أربعة إيوانات يتقدم كل منها دعائم حجرية يغطيها سقف مبطن من بالخشب به زخارف منقوشة بالطلاء الزيتى غاية فى الإبداع، ويرتفع سقف الصحن عن سقف الإيوانات وتوجد به نوافذ للإضاءة. أما الجزء الثانى فعبارة عن مستطيل يتوسطه صحن به فتحات للتهوية والإضاءة، وقد أعد هذا خصيصا لإقامة مراسم العزاء والمآتم. وأطلقت عليه الأوقاف اسم جامع عمر مكرم تكريما لذكرى العالم، ورمز المقاومة الوطنية، الذى كافأه بالنفى والإقصاء، وهضم حقه من قبل محمد على، وأعادت ترميمه وبناء الإضافات إليه وزارة الأوقاف سنة 1285ه. من هو عمر مكرم؟ عمر مكرم بن حسين السيوطي زعيم شعبي مصري ولد في أسيوط إحدى محافظات مصر سنة 1168 ه، وتعلم في الأزهر الشريف ولي نقابة الأشراف في مصر سنة 1208 ه، وقاد الثورة ضد الفرنسيين في ثورة القاهرة الثانية سنة 1800م. وعندما احتل الفرنسيون الإسكندرية سنة 1213م وزحفوا على القاهرة تقدم على رأس جمهور من أهالى القاهرة لمقاومتهم، فلم ينجح وخرج بعد دخولهم فاستقر في "العريش" ثم في "يافا" بفلسطين، وأغار نابليون في السنة نفسها على يافا فاحتلها وقتل من أهلها نحو ستة آلاف كانوا قد استسلموا، وأكرم من وجد فيها من المصريين، وبينهم السيد عمر مكرم، فعاد السيد عمر مكرم إلى القاهرة بعد غياب ثمانية أشهر، واعتزل كل عمل وعاد نابليون إلى بلاده، وتولى الجنرال "كليبر" حكم مصر، وزحف من الشام جيش عثمانى فاقترب من القاهرة، فثار أهلها على الفرنسيين، فكان السيد عمر على رأس الثورة وقاتلوا الفرنسيين 37 يوماً، وارتد الجيش العثماني عن مصر، بعد معارك، فخرج السيد عمر ناجياً بنفسه، واغتيل الجنرال كليبر، وأنزل الإنجليز جيشاً في الإسكندرية سنة 1801م وخرج الفرنسيون من مصر بعد احتلالهم لها ثلاثة أعوام، وعاد إليها السيد عمر مع الحكام العثمانيين. ولما ثار المصريون على الوالى "خورشيد باشا" وبرز اسم "محمد على باشا" تزعم حركة الثورة على الأول والمناصرة للثانى ونجح محمد على فعين والياً على مصر سنة (1805م) وتنكر محمد على للزعامة الشعبية ثم نفى السيد عمر مكرم إلى دمياط.. اقتنى مكتبة كبيرة لا يزال جزء منها محفوظاً في دار الكتب المصرية يحمل اسمه. Comment *