مر ما يقارب قرنين على وفاة أحد أهم فلاسفة العالم الغربي وهو فردودش هيجل الذي ولد عام 1770 بمدينة شتوتجارت الألمانية، لعائلة تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. درس اللاهوت بكلية الإلهيات بمدينة توبنجين، ودرس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات، وألم بتاريخ الحضارات والأديان والمجتمعات، أعجبته جدا افكار جان جاك روسو الثورية، وفلسفة كانط الأخلاقية ولقد اجتمعت لهيجل ثقافة واعية بهذا المخزون وبعقل واع متزن ومجدد بدأت فلسفة هيجل. عاش هيجل في مرحلة حساسة جدا في التاريخ الأوروبي، والتي كانت ينتقل فيها الفكر الأوروبي ما بين الكلاسيكية الرومانسية المتشبعة بالعاطفة والخيال، وبزوغ الإيمان بالعقل والتنوير العقلي والسير نحو المعرفة العقلية العملية، وعاصر أيضاً كلا من الثورة الفرنسية وهو في التاسعة عشرة من عمره وبعدها الثورة الصناعية الإنجليزية التي غيرت وجه العالم، حتى جاءت فلسفته الجدلية جامعة المتناقضات والمتضادات، فتميزت بالتوحيد بين هذه المتناقضات في إطار وحدة جديدة أسماها ب 'الفكرة المطلقة'. من أقوال هيجل "إننا لا نستطيع أن نتعمق في الفكرة بتحليلها تحليلا مجردا وانما تعمقنا لابد وأن يكون تعمقا للتجربة الإنسانية كلها، فالفكر يشع في جوانب هذه التجربة علما وأدبا وفنا ودينا وقانونا وفلسفة فكل هذا يشكل الوعي الإنساني وبالتالي أفكاره التي هي روح الحضارة". وهنا يختلف هيجل تماما مع كانط في تعميق وتحليل كل ظاهرة بشكل مجرد، الحقيقة عند هيجل ليست الحقيقة ولكن تصورنا للحقيقة وفهمنا وهو ليس ثابتا لايتغير لكنه متغيرا تباعا للتغيرات التي تحدث في التاريخ والمجتمع. من أقواله ايضاً أن "العقل يحكم العالم ويتجسد في التاريخ، فإن المظهر السطحي للتاريخ يوحي لنا بأنه فوضى أو جنون أوعنف أعمى لاغاية له ولاعقلانية، ولذا ينبغي علينا أن نفرق بين التاريخ العميق أو الحقيقي الذي لا يرى بالعين المجردة، والتاريخ الظاهري السطحي الذي نراه كل يوم". والشر في نظر هيجل ليس كله شرا، فلولاه لما اكتشف الناس الذين يصنعون التاريخ معنى الخير، وبالتالي فهناك وظيفة إيجابية للشر أو للعامل السلبي، ولا ينبغي أن نستهين بها. وقد اعتبر كثيرون فلسفة هيجل تمثل ذروة الفلسفة المثالية الألمانية التي كانت تضم أيضا كانط، وفيخته، وشيلنج، وآخرين، لأنه استطاع تشكيل نظام فلسفي متكامل، جمع فيه الدين والأخلاق والسياسة والدولة والمجتمع، واطلق البعض عليه أرسطو العصور الحديثة، الذي تحدث عن الفيزيقا والميتافيزيقا، والمنطق والبلاغة والشعر والسياسة والأخلاق والدين. واختلف أيضاً معه الكثيرون وانتقدوه أشد الانتقاد منهم، برتراند راسل الذي يرى أن كل نظريات هيجل فاسدة وكارل بوبر الذي لا يرى فيها "سوى نفايات غامضة وطنانة". في المقابل انتشرت الهيجلية انتشاراً واسع المدى حتى أوشكت أن تصبح العقيدة الرسمية للدولة، توافد عليه الطلاب بالمئات في جامعة برلين ومن جميع أنحاء البلاد ومن خارجها أيضا، ونذكر وصف أحد تلامذة هيجل له وهو روزانكرانتس بقوله: " استمع الناس من كل الطبقات إلى محاضراته، وتوافدوا عليه من كل أنحاء ألمانيا، ومن كل البلدان الأوروبية ولا سيما بولندا، بل كان هناك أيضاً يونانيون، واسكندنافيون جلسوا عند قدميه وأنصتوا بخشوع لكلماته السحرية التي كان يتفوه بها وهو يقلب أوراقه فوق المنضدة وهو يسعل وينطق بصعوبة، غير أن عمق المضمون كان ينفذ إلى العقول ويشع فيها حماسة صافية كل الصفاء". ترك هيجل ما يقارب عشرين مجلدا نشرت بالألمانية عدة مرات، وتُرجم معظمها إلى عدة لغات، من بينها العربية ومنها:"المدخل إلى علم الجمال: فكرة الجمال"، ترجمة جورج طرابيشي، "ظاهريات الروح" ترجمة مصطفى صفوان، بعنوان علم ظهور العقل (الفصول الأربعة الأولى)، ثم كاملا، في " فنومينولوجيا الروح "فتحي العونلي، "محاضرات في تاريخ فلسفة " ترجمة خليل أحمد خليل، "أصول فلسفة الحق"، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، "محاضرات في فلسفة التاريخ: العقل في التاريخ"، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، "حياة يسوع"، ترجمة جورجي يعقوب. ومات هيجل بمرض الكوليرا في 14 نوفمبرعام 1831، وهو في الواحدة والستين من عمره، حيث كتب عن الجماليات، وفلسفة الدين، وفلسفة التاريخ، ولم تنشر إلا بعد وفاته. Comment *