* سلماوي يقتحم عالم جديد لم تتعرض له الرواية المصرية من قبل.. وينجح في كتابة “سبيكة من الأدب الرفيع” كتب – جورج ضرغام: ماذا سيحدث حين تجد ضحى زوجة العضو القيادي في الحزب الحاكم نفسها معلقة في الهواء ولمدة 4 ساعات مع قطب المعارضة الأول د. أشرف الزينى الذي يجلس إلى جوارها في الطائرة المتجهة إلى روما؟ ماذا يحدث حين يكتشف الشاب أيمن أن والدته التي قيل له أنها توفيت في طفولته لا تزال حية ترزق ولا يعرف لها عنوانا؟.. ماذا يحدث حين تتبدد أحلام شقيقه عبد الصمد عندما يجد أن الشيخة الكويتية التي وعدته بالزواج والسفر إلى الكويت ما هي إلا عصابة للنصب على الشباب الحالمين بالمستقبل؟.. ماذا يحدث حين يسقط الحزب الذي دام حكمه المستبد أكثر من ثلاثين عاما على أثر سلسلة من المظاهرات والاعتصامات تصل إلى حد العصيان المدني؟ هل يمكن أن تلتقي هذه الأحداث وتتشابك مع مصائر شخصياتها في حبكة روائية واحدة تحدد معالم مستقبل مجتمع بأسره؟ هذا ما فعله الكاتب الكبير محمد سلماوي في روايته الجديدة «أجنحة الفراشة» التي صدرت بداية الأسبوع الجاري عن الدار المصرية اللبنانية والتي سبقتها سمعتها من قبل النشر فكتب عنها النقاد متوقعين أن تكون واحدة من أهم الروايات الصادرة هذا العام. يقتحم محمد سلماوي في «أجنحة الفراشة» عوالم جديدة لم تتعرض لها الرواية المصرية من قبل، سواء على المستوى السياسي أو في التفاصيل الدقيقة للعلاقات الإنسانية، فموضوع الرواية هو الحراك السياسي الذي تشهده البلاد في الوقت الحالي والتي تتوازى مع العلاقة الزوجية غير السوية لبطلة الرواية مصممة الأزياء الباحثة عن نفسها ضحى الكنانى، حيث يقدم لنا مجموعة من الشخصيات التي تسير في خطوط متوازية يربط بينها إنهم جميعا يبحثون عن تحقيق ذواتهم، وذلك في فترة تاريخية حرجة تشهد حراكاً سياسياً غير مسبوق لبلد يبحث هو الآخر عن نفسه. وتتمحور أحداث الرواية في ثنائيات متوازية، فنجد من ناحية ضحى والدكتور أشرف والعلاقة الفكرية والعاطفية التي تنمو بينهما فتحدد مسار حياة كل منهما، كما نجد من ناحية أخرى أيمن وشقيقه عبد الصمد ومحاولة كل منهما البحث عن مستقبله. وعلى نفس هذا التوازي في شخصيات الرواية نجد هناك توازيا آخر ما بين الشخصيات في بحثها عن نفسها وبين البلد الذي يمر هو الآخر بمرحلة البحث عن الذات، فتتشكل الحركات السياسية المطالبة بالتغيير وتنتشر المظاهرات في كل مكان، وحين يصل الوطن إلى الخلاص أخيرا من حكم الحزب الفاسد والمتسلط يكون أيمن قد عثر على أمه التي كان يبحث عنها, وتكون ضحى قد تخلصت من زواجها الفاشل الذي فرض عليها رغماً عنها فتحولت على حد قولها من يرقة رخوة لا حول لها ولا قوة إلى فراشة جميلة نمى لها جناحان فصارت قادرة الآن هي والوطن على التحليق في السماء. إن «أجنحة الفراشة» هي رحلة خلاص مجتمع بأكمله من القيود التي تكبله والتي تحول دون تحقيق أبناءه لذواتهم، ولذلك فلم يكن غريبا أن تبدأ قصة كل من الشخصيتين الرئيسيتين للرواية بالسفر، فضحى تركب الطائرة إلى روما للمشاركة في العرض السنوي لأزياء الربيع, في الوقت الذي يتجه فيه أيمن إلى موقف أحمد حلمي قاصدا طنطا للبحث عن أمه، ولم يكن من قبيل المصادفة أن تعترض رحلة كل منهما قوات الشرطة وسيارات الأمن المركزي التي تسد الشوارع وتقف للمتظاهرين بالمرصاد. ولقد كتب الناقد الأدبي الكبير الدكتور صلاح فضل عن «أجنحة الفراشة» قبل صدورها فوصفها بأنها «سبيكة من الأدب الرفيع تتضمن عصارة ثقافة عالية في فنون التشكيل، والموسيقى، والحياة عامة، مع اقتدار فذ على صناعة الرموز، وتكثيف المشاعر، وتتبع العلاقات الإنسانية والتحولات التي يشهدها المجتمع». وتأتى رواية «أجنحة الفراشة» بعد عقدين من صدور رواية محمد سلماوي الأولى «الخرز الملون» التي كان لها بصمة هامة في عالم الرواية العربية، ولاقت إقبالا كبيرا من النقاد في سائر أنحاء الوطن العربي فطبعت أكثر من مرة في مصر كما صدرت أيضا في سوريا، قبل أن يتم ترجمتها إلى الفرنسية وتصدر في باريس عن دار «أرشيبل» الشهيرة في العام الماضي. وقد صدر لمحمد سلماوي في عالم القصة ثمان مجموعات قصصية كانت آخرها «عشر برديات مصرية» (2010) و«إزيدورا والأتوبيس» (2008) الصادرتان عن الدار المصرية اللبنانية، بالإضافة لمسرحياته العديدة التي عرضت بنجاح كبير في مصر وفى الخارج والتي من أشهرها «سالومي» التي نالت تقدير مهرجان جرش و«الجنزير» التي عرضت في باريس و«فوت علينا بكرة»، كما ترجمت أعمال محمد سلماوي إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية.