منذ دخولى فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وأنا اتلق الضربات والمزايدات بصوره يوميه, والكثير من الاصدقاء يتصلون وينصحون بضرورة الاستقاله من الجمعية التأسيسيه. لا التفت للسفاهه التى تخرج من بعض المراهقين التى تتحدث عن صفقه , فمؤلفي تلك السفاهات بعضهم كان يريد ان يكون عضو بها ولم يتم انتخابه والبعض عضو بالفعل ولكن احتياطي وكان يرغب بتصعيده كعضو اساسي, وفى النهايه سيكون الرد على مثل تلك السفاهه مضيعه للوقت. وافقت على الانضمام للتأسيسيه فى وقت حرج قبل الانتخابات الرئاسيه بأيام قلائل , ورغم عوار تشكيلها الذى نتج بعد اجتماعات المجلس العسكرى مع الأحزاب الرسميه المدنيه والدينيه التى اتفقت على ان يكون نصفها من القوى المدنيه والنصف الاخر من احزاب الاسلام السياسى. وكما كان هناك من ينصحنى برفض الانضمام, كان ايضا هناك من الشخصيات السياسيه المحترمه والقوى السياسيه من ينصح بضرورة ان اكون موجود فى الجمعيه التأسيسيه للدفاع عن مبادىء الثوره واهدافها والدفاع عن الدوله المدنيه التى تقوم على المؤسسات المستقله وفصل السلطات ومبادئ الشفافيه والعداله الاجتماعيه والحريه والكرامه. دخلت منذ البدايه وانا معترف بعوار التشكيل ولست اعترض على استحواز قوى الاسلام السياسى فقط أو وجود اعضاء مجلسى الشعب والشورى فقط , بل الاتفاقيه التى أبرمتها الاحزاب سيئه من بدايتها, فلا يليق ان يكون المعيار لعضوية التأسيسيه هو الانتماء الحزبى ولا يجب ان يكون الخلاف على نسب التمثيل الحزبى او السياسى, فكان يجب ان يكون المعيار الرئيسى هو التخصص والعلم والخبره, ثم ننظر بعد ذلك للتمثيل السياسى. ولكن فى بداية الجلسات كان هناك روح رائعه من المحبه والموده والأخاء , وكان الجميع يعمل بكل جهد من اجل انتاج دستور متميز يليق بمصر بعد ثوره عظيمه . وبالفعل عملت لجنة الاقتراحات والحوار المجتمعى بمجهود منقطع النظير على تجميع آلاف الاقتراحات والاستماع لكل وجهات النظر وزيارة كل المحافظات وتلقى اقتراحات كل الاحزاب وكل الحركات وكل النقابات وكل الفئات, وتم تقسيم هذه الاقتراحات وتوزيعها على اللجان المختلفه التى تختص كل منها بباب من ابواب الدستور. كان جميع اعضاء الجمعيه التأسيسيه يبذلون مجهودا ضخما كل يوم وفى اوقات صعبه رغم ان العمل في التأسيسيه تطوعى بدون مقابل كما تنص لائحة الجمعيه التأسيسيه, وليست جاه ولا منصب ولا توجد اى سلطات كما يتصور البعض, واتذكر جيدا الجولات التى كانت للمحافظات كل يوم في شهر رمضان وكان الكثير من اعضاء التأسيسيه وخصوصا لجنة الاقتراحات والحوار المجتمعى لا يرون اسرهم لعدة ايام متواصله فى شهر رمضان. استمر العمل بهذه الروح الرائعه داخل الجمعيه التأسيسيه لعدة شهور, وكان الجميع متفاهم وحتى فى النقاط الخلافيه كان هناك تنازل ومحاوله للوصول لحلول وسط بدون عناد او فرض رأى , فكنت اتعجب على تلك الحملات الشعواء التى كان يشنها الاعلام على الجمعيه التأسيسيه وذلك الرفض الغير مبرر الذى يشنه بعض الشخصيات والاحزاب التى لم تدخل الجمعيه التأسيسيه. ولعب الاعلام دور سىء بالفعل فى تلك الازمه , فمعظم ما تم نشره عن اخبار الجمعيه التأسيسيه وانتشر فى كل انحاء الكره الارضيه من زواج القاصرات وخفض سن الزواج ل 9 سنوات واباحة تجارة النساء والكثير من الشائعات التى انتشرت فى الصحف والمواقع وليس لها اى اساس من الصحه, ربما كان بعضها اراء شخصيه لبعض الاعضاء وبعضها كان تضخيم واختلاق للاخبار ليس لها اساس من الصحه. ولكن منذ فتره تبدل الحال وازدادت الازمه تعقيدا , فاختفت روح التوافق , وبدأ الخلاف على مواد كثيره بعدما كان هناك الاتفاق على حسمها , فبدأ التيار السلفى يتحدث عن ان كلمة مبادىء الشريعه هى التفاف على الشريعه وان من يصر على كلمة مبادىء يريد الالتفاف حول معنى الشريعه , وانه لابد من اضافة كلمة احكام بدلا من مبادىء , كما ان هذه المواثيق الدوليه صنعت فى الغرب , وهناك العديد من القيم المخالفه لشرائعنا , ولا يجب ان تكون المواثيق الدوليه هى المعيار فى الدستور او ان ينص على احترام المواثيق الدوليه بما يخالف احكام الشريعه . امور خلافيه كثيره تفجرت, كالنار تحت الرماد, اغلبها عن الشريعه واحكام الشريعه وبعضها عن النظام السياسى الجديد والحريات , وكأن الاسلام فى خطر! وكأن كلمة مبادىء الشريعه غير كافيه و لم يكن لها تطبيق ! وكأن دساتير ما قبل 71 التى لم يكن بها ماده مبادىء الشريعه ادت لهدم الهويه المصريه العربيه الاسلاميه. وكأن الثوره قامت لهذا الامر ولهذا الخلاف الغير مبرر ولم تقم من اجل الحريه والكرامه والعداله الاجتماعيه. والسؤال الأن لماذا لم تستقيل حتى الآن؟ لعدة اسباب اراها ويراها الكثيرون مقنعه رغم احترامى للاصوات التى تطالبنى بالاستقاله, الأمر الأول انه رغم اختلافنا الكلى مع توجه التيار السلفى واصراره على فرض هذه الامور على الاخرين , الا انهم من حقهم الدفاع عن افكارهم التى يعتقدونها مهما كنت اختلف معها, فلا يجب ان اتعجب او انفر او امنع التيار السلفى من التعبير عن افكاره وايدلوجيته اليمينيه مهما كنت اختلف معها , بل ومهما كان توجهه اقصائى. الامر الثانى انه بالرغم من كل ما حدث وقيل ويقال وبالرغم من كل المزايدات وبالرغم من مطالبات الكثير من الاصدقاء والزملاء المحترمين لي بأن استقيل والا اتحمل وزر هذا الدستور ... الا انى لا يزال عندى امل فى ان يحدث توافق. فدستور لجميع المصريين بعد ثوره عظيمه لابد ان يكون بالتوافق وليس الغلبه. رغم التشكيل المعيوب الذى كان به اصرار ان يكون به غلبه لتيار واحد , الا اننى لا يزال عندى امل فى ان يخرج دستور توافقى يعبر عن جميع المصريين ويتحدث عن العموم وليس الخصوص, ويدافع عن قيم الثوره التى قامت من اجله. عيش , حريه, عداله اجتماعيه, كرامه انسانيه * المنسق العام لحركة شباب 6 ابريل Comment *