الكابوس المخيف الذي لم يتخيله الثوار، ولا الحالمون بأن تنهى ثورتهم سنيناً عجافاً، كأن أن تنتهي الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، إلى خيارين أحلاهما مر، إما رئيس له مرجعية دينية، أو رئيس ترعرع في حديقة أشواك المخلوع. بين الفريق أحمد شفيق، أو الدكتور محمد مرسي.. قضي الأمر، وقرارات اللجنة العليا ليست تقبل النقاش ولا الطعن، وتجاوز المرشحين سقف الدعاية الانتخابية، أو ضبط القائمين على حملاتهما، بتوزيع نقود أو زيت وسكر، وخرق الصمت الانتخابي، ووقوف الميليشيات من ذوي اللحى، أو ذوات النقاب، أمام اللجان الانتخابية، بالنسبة لمرسي، أو كل ما أثير عن تصويت مجندين تحت الاحتياط بالنسبة لشفيق.. ليس مبرراً عند اللجنة لشطبهما، فتجرع يا شعب "عصير الثورة المر".. ولا عزاء للحالمين. جدل اندلع كالبركان.. هذا يؤيد الفريق لأنه يخشى من أخونة الدولة، وذاك يلعنه خوفاً من أن يعيد النظام البائد إنتاج نفسه تحت جناحيه.. هذا يتذرع بأن الإخوان المسلمين شركاء في الثورة، وذاك يتهمهم بالخيانة لتخليهم عن الميدان في أحلك الظروف.. هذا يقرر أن يمنح الفريق صوته لأنه ينتمي إلى نظام صار ضعيفاً، فيما الإخوان يستوحشون، وذاك يصفه برئيس وزراء موقعة الجمل. كل العيون والأبصار تحلقت حول الكتلة الثورية.. كتلة حمدين صباحي والبرادعي، وكل القلوب تعلقت بما ستقرره، فهؤلاء سيحسمون الأمر، وسيقررون من الرجلين، سيصبح الربان، في هذا البحر الهائج. إذن.. وكما قال نشطاء: ما من مفر من أن يعصر الناخب ليموناً على نفسه، وليكن مرسي الرئيس، فقد وعد بأن لا أخونةً، وتعهد بدولة مدنية، وحكومة تكنوقراط من أولي الخبرة والكفاءة، وسيعيد تشكيل اللجنة الدستورية، وسيخرج بمصر من الظلمات إلى النور، خلال مائة يوم، وسيحلق على أجنحة مشروع النهضة، إلى العلا والمعالي! وكان من مبررات "ثوار الليمون" أن مرسي ليست يداه ملوثتين بالدماء، ولن يستطيع استعادة منهج القمع الذي سيلجأ إليه شفيق، وسيلقى معارضة شرسة من الإعلام، والجيش ليس معه، وسيهمه فيما هو يتلمس خطاه، ألا يختلق عدوات مع كتلة ليست هينة، وهكذا منح هؤلاء أصواتهم، فيما قاطع مقاطعون، وأبطل مبطلون، منطلقين من مبدأ أخلاقي، ليس الوقت مناسباً لمناقشته. وها هو مرسي يرتقي سدة الحكم.. يخطب في التحرير، ويفتح صدره.. تنسكب من شفتيه الوعود..يعطي من طرف اللسان حلاوةً.. فلنصبر عليه ونتريث. وتتشكل الحكومة.. وتندلع الأزمات، وعلى رأسها أزمة الكهرباء، فإذا بأهل الخبرة الذين اختارهم مرسي، ينصحون الشعب بأن "يتكدس" في غرفة واحدة، لتوفير كهرباء المكيفات. يا سيدي.. معظم الناس ليست لديهم مكيفات، ولا حتى مراوح، تحرك وانزل إلى العشوائيات لترى المجاري الطافحة، والمرار الأسود.. لا حياة لمن تنادي، صم بكم عمي. المرور كارثي.. والضباط يمارسون أعمالهم بسياسة "خطبوها اتعززت".. الأمن منفلت، والبلطجية يعيثون فساداً.. والرغيف لا يرضي البهائم..وأنابيب البوتجاز بالطوابير.. والقمامة جبال فوق جبال.. ارحمونا يرحمكم الله. اصبروا بعد المائة يوم، فبعدها ستغدو الدنيا ربيعاً والجو بديعاً و"طائر النهضة" سيحلق في آفاق جديدة، فيلبس المصريون بعد الضنا حريراً في حرير! التعذيب في السجون مازال منهجاً ممنهجاً، والتنكيل بالمصريين من قبل وزارة الداخلية، التي تعاملهم كما لو كانت تريد الثأر منهم، غدا أسلوب عمل.. هذه شائعات مغرضة، يثيرها الفلول، لا تنتبهوا لها ولا تردوا عليها. ولدا الرئيس يدسان أنفيهما في الشأن العام، تماماً مثل ولدي المخلوع، وقد سب صغيرهما مواطناً مصرياً قائلاً: يا بغل.. هل من اعتذار من مؤسسة الرئاسة؟ مصادرة الصحف وقمع الكلمة بلغ حداً مخيفاً، والمنظمات الدولية رصدت خمسين انتهاكاً خلال مائة يوم. لا عليكم، هؤلاء صحفيون يعملون لصالح النظام البائد، وهذه منظمات متصهينة أو صهيونية. كرامة المصريين في الخارج.. هناك مواطنة تستغيث بالرئيس في سجون آل سعود، وتسأله أن ينقذها من سياط لاهبة تنهال على لحمها.. وثمة مواطن آخر متهم بحيازة مخدرات في قضية غامضة الملابسات. الصهاينة يحصلون على الغاز بسعر بخس، ولا يكتفون بذلك إذ يسرقونه.. سيناء تسكنها الخفافيش والإفراج عن التكفيريين قنبلة موقوتة.. الثوار مازالوا في سجون العسكر.. الفساد مازال يمتص خيرات البلد. تحرّك يا رئيس مصر.. افعل شيئاً. المانجو رخصت والبرادعي خائن وعميل وحمدين "واحد خمنا" إذن.. لماذا عصرنا على أنفسنا الليمون، وما الفرق بين مرسي وشفيق؟ **ملحوظة: صاحب هذه السطور من الذين أبطلوا أصواتهم، فطوبى لهم! Comment *