نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نشطاء في قطاع غزة قولهم إن حماس، الجماعة الإسلامية التي تحكم قطاع غزة، تعمل على قمع الجماعات الإسلامية المتشددة الأكثر راديكالية التي ظهرت في غزة، مما يضعها في موقف غير معتاد من الاتفاق على أمر ما مع إسرائيل. ويقول نشطاء مسلحون سلفيون إن حماس قامت في الأيام الأخيرة بإجراء اعتقالات ومصادرة أسلحة من إحدى الجماعات الإسلامية المسلحة التي تدعى "جيش الأمة". واعتبرت الصحيفة أن المتشددين الجهاديين، المعروفين باسم السلفيين ويستوحون فكرهم من تنظيم القاعدة، يشكلون تحديا كبيرا لحالة وقف إطلاق النار الغير رسمية والهشة لحماس مع "إسرائيل"، مشيرة إلى أن كل من حماس و"إسرائيل" ينظرون إلى الجماعات السلفية المتشددة بقلق متزايد. وذكرت الصحيفة أن مسئولين إسرائيليين أشاروا إلى استمرار تدفق الأسلحة إلى غزة والى روابط تقام بين الجماعات في غزة وتلك الجماعات الموجودة عبر الحدود الجنوبية في شبه جزيرة سيناء. وقال أحد النشطاء السلفيين وسط قطاع غزة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته في مقابلة مع نيويورك تايمز، إن "حماس تضيق الخناق على رقابنا وتقتحم منازلنا"، مضيفا: "نحن مطاردون من قبل إسرائيل وحماس ومصر". ورفض مسئولون حكوميون في حماس التعليق على التدابير ضد المسلحين السلفيين، لكن قال يحيى موسى، القيادي بحركة حماس ونائبها في المجلس التشريعي الفلسطيني، إنه في حين أن الجماعات السلفية لديها الحق في المقاومة ضد إسرائيل، إلا إن ذلك يجب أن يكون "ضمن برنامج وطني وموحد"، مما يعني بما يتماشى مع سياسة حماس. وفى السياق ذاته، صرح مدير وزارة الشئون الإستراتيجية الإسرائيلية، يوسي كوبر فاسر، أن إسرائيل تواجه في غزة "عناصر معادية يتم تحديها من قبل عناصر أكثر عدائية، وأن الجماعات الإسلامية الراديكالية تتنافس مع بعضها البعض حول من هو أكثر تطرفا". وفي مؤتمر صحفي في القدس هذا الأسبوع، قال السيد كوبر فاسر أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهى جماعة قوية أخرى توجد في موقع ما بين حماس والسلفيين، أصبحت أقوى وأفضل تسليحا. يذكر أن "إسرائيل" شنت مرتين هذا الشهر هجمات صاروخية قاتلة ضد نشطاء في غزة، الذين قالت إنهم نشطاء في حركة الجهاد العالمي، مشيرة إلى أنهم شاركوا في إطلاق صواريخ والتخطيط لهجمات أخرى ضد إسرائيل. واحدة من هذه الهجمات قتل فيها هشام السعيدنى، وهو أحد النشطاء المسلحين البارزين ويقود جماعة التوحيد والجهاد. وحول التدابير الأمنية التي تتخذها حكومة حماس، قامت القوات الأمنية بتشديد الأمن على طول حدود غزة مع مصر في محاولة لمنع التعاون اللوجستي بين الجماعات من الجانبين، كما قامت بإجراء المزيد من التدقيق على هوية المارة في المنطقة، وذلك وفقا للفلسطينيين الذين يعملون في أنفاق التهريب على الحدود. وترى الصحيفة أن النجاح النسبي لحماس في احتواء الجماعات السلفية والجهادية يرجع جزئيا إلى حقيقة أن معظم الجهاديين خرجوا فى الأصل من صفوف حماس، حيث إنهم كانوا قد تركوا حركة حماس بعد أن قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006 وفازت على منافسها العلماني، حركة فتح. وكان السلفيون قد اعتبروا أن قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات أخرجها عن مسارها الإسلامي، وبعد عام من جولات من القتال الدموي بين الفصائل المختلفة، سيطرت حماس على قطاع غزة بالكامل. ولكن بعد انتخابات عام 2006، بدأ الجهاديون المتشددين هجمات ضد إسرائيل وأيضا ضد مقاهي الانترنت والمطاعم وصالونات تصفيف الشعر النسائية في غزة، وهى الأماكن التي يرونها متعارضة مع تفسيرهم للإسلام المحافظ. جاءت نقطة التحول في أغسطس 2009، عندما أعلنت جماعة "جند أنصار الله" عن قيام إمارة إسلامية في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، ودخلوا في مواجهات مع قوات حماس الأمنية والتي انتهت إلى تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل 28 فلسطينيا، معظمهم من السلفيين، بما في ذلك زعيم الجماعة عبد اللطيف موسى. وفى هذا الصدد، أشار ناثان ثرل، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، أنه منذ حملة الهجوم التي شنتها حماس عام 2009، أنخفض عدد الهجمات ضد المقاهي وأماكن الترفيه في قطاع غزة بشكل كبير. وكتب ثرل فى رسالة عبر البريد الالكتروني أن "حماس قد حققت نجاحا ساحقا في احتواء الجماعات السلفية الجهادية فى غزة". فى سياق متصل، قال عدنان أبو عامر، المحلل السياسي في غزة، إن السلفيين، وخاصة أولئك الذين يشاركون في أعمال عنف، ليس لديهم سوى "قاعدة متواضعة" في غزة تفتقر إلى الدعم الشعبي، مما يجعل من السهل على حماس كبح جماحهم. على الجانب الآخر، يشير مسئولون إسرائيليون أيضا إلى درجة من الازدواجية في تعامل حماس مع الجماعات الجهادية، حيث يقول كوبر فاسر، المسئول الإسرائيلي، أنه "حتى الآن، لم تصل حماس إلى قرار استراتيجي.. كالإفراج عن هشام السعيدنى فى أغسطس الماضي"، الرجل الذي اغتيل مؤخرا خلال القصف الإسرائيلي. ويرى كوبر فاسر أن تردد حماس في مواجهة هذه الجماعات الجهادية بشكل حاسم قد ينبع من الخوف من قوتهم، وكذلك من احتمالية أن بعض أعضاء حماس الأمنيين سوف يحجمون عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد زملائهم السابقين، مؤكدا أن حماس "تتخذ بعض الخطوات الفعلية على أرض الواقع، ولكن ليست بالقوة والإرادة الكاملة". Comment *