ساهمت حركة الترجمة في مصر الحديثة في النهضة الفكرية والثقافية للشعب المصري ، حيث ترجمت روائع الأدب والعلوم العالمية وأثرت على عدة أجيال من المفكرين والمثقفين ، ولكن بعد تدهور الحياة الثقافية المصرية تواجه الترجمة تحديا كبيرا مثل عدم وجود خطة ومشروع قومي للترجمة وذلك لتدخل المصالح والمنفعة الشخصية وغيرها من الأسباب الأخرى . قال شيخ المترجمين والمفكر محمد عناني إنه لا يفضل متابعة الجيل الجديد من المترجمين معللا ذلك بإصابته بالإحباط عندما يقرأ ترجمة لشخص لا يجيد اللغة العربية معتبرا ذلك مشكلة كبيرة عند الجيل الجديد من المترجمين ، كما أن مشروع الترجمة متروك للعلاقات الشخصية والمصادفات والمقدرة على المنفعة والتبادل. وأضاف عناني أن عملية الترجمة تقترن دائما بما يحتاجه الغرب وتتوافق مع تصوره عن الشرق ومن هنا تتم ترجمة الأعمال التي تركز علي النساء والجنس والخرافات ، وهذه الترجمات لاتقدم صورة حقيقية عن العالم العربي ، حيث أن كل الأعمال المترجمة أعمال يسارية .. متسائلا "هل هذه الكتابات تمثل الحرية الإبداعية في عالمنا العربي ؟ " وتابع أعتقد أن الإجابة لا . وأوضح أن بعض الكتاب العرب بدأوا يصطنعوا هذه الأعمال التي يرغبها الغرب حتي تتم ترجمتها . ويرى عناني أننا بحاجة إلى مشروع قومي للترجمة بشكل آخر عن طريق دعم ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أجنبية مختلفة وأن تكون الجهة المسئولة عنه جهة محايدة .. مؤكدا أن الأدب العربي أضاع فرصة ثمينة كانت ستساعده على تعريف الغرب بالشرق بشكل لائق ومحترم وهذه الفرصة جاءت بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل في الآداب . ويتفق أستاذ الأدب الأندلسي ومترجم رواية مائة عام من العزلة " لماركيز" سليمان العطار مع عناني في عدم وجود خطة للترجمة أو سياسة واضحة ، حيث أكد أن المركز القومي للترجمة يترجم ترجمة عشوائية وأحيانا يضعون خطة للترجمة ولكن في الغالب يفشلون في تنفيذها ، مشيرا إلى أن إمكانيات المركز الضعيفة والمحدودة تجعله لا يستطيع أن يقوم بالدور المنوط به . ويشبه العطار الجيل الجديد من المترجمين ب "عمال اليومية " ، حيث قال " إنهم لا يسيرون وفقا لسياسة محددة ولا يفهمون ثقافة اللغة التي يترجمون إليها ". ومن جانبها ، أكدت الروائية والمترجمة سحر توفيق أن مشكلة كل إنتاج فكري الآن هو ضعف القراءة و إنخفاض نسبة التوزيع وبالتالي فمعظم ما يترجم لا يقرأ بالإضافة إلى المشاكل الأخرى المتعلقة بدور النشر والأجر الضعيف للمترجم. وترى توفيق أن مشروع الألف كتاب كان من أفضل مشروعات الترجمة مؤكدة على إحداثه تغيرا نوعيا في الثقافة المصرية . وقالت توفيق إن خطة المركز القومي للترجمة لا بأس بها , لأن المركز يستعين بعدد من المستشارين الذين يقيمون أي ترجمة قبل نشرها ، مشيره إلى أن حركة الترجمة في مصر دائما ما تكون مقترنة بالمشهد الثقافي الذي تراه مخيفا ومضطربا وهذا ما ينعكس علي حركة الترجمة. وفي السياق ذاته ، يشير مؤسس المركز القومي للترجمة الكاتب الكبير جابر عصفور إلى أن حال الترجمة في مصر لا بأس به ولكن ينقصها بعض الإمكانيات المادية مثل رفع مكافأة المترجم والتكريم المستمر له وحماية حقوقه الملكية ، ومعاملته مثل المؤلف تماما. وعلى الرغم من تأكيد الكثير من المترجمين على النهضة الكبيرة التي شهدتها الترجمة في فترة الستينيات مقارنة بوقتنا الحالي إلا أن الكاتب والمترجم خليل كلفت يرى أن نطاق الترجمة في العقد الأول والثاني من القرن العشرين أوسع وأكثر عمقا من الستينات . وذكر كلفت أن المركز به الكثير من المترجمين المتميزين مثل داوود روفائيل وبشير السباعي ، ولكنه يرى أن هذا المشروع قد أخطأ خطأ كبيرا في عدم تحديد منافذ كثيرة للتوزيع . ويؤكد كلفت على الجهد الكبير الذي بذله وزير الثقافة الأسبق جابر عصفور من أجل إتمام هذا المشروع ، لأنه كان من السهل الإطاحة بالمشروع في بلد لا توجد به مجلات أدبية وثقافية . عناني : مشروع الترجمة متروك للعلاقات وتبادل المصلحة العطار الجيل الجديد من المترجمين "عمال يومية"