أراد أحد المواطنين فى بلاد الثورة , أن يقابل الحاكم , لكى يثبت لنفسه أن الخوف ماضً وأنتهى , أراد ان يثبت لنفسه , أنه هو من أختار الحاكم ومن حقه أن يقابله ليشتكى له همومه , فهرول إلى موكب الحاكم , و كلما تقدم خطوة نحو الموكب تذكر مأساته , تذكر فى الخطوة الاولى أهانة آدميته عندما وضع الضابط قدمه على رقبته وهو ملقى به على الارض , والخطوة الثانية كيف مات أبوه فى مستشفى حكومى لخطورة حالته , ولا يوجد طبيب يعالجه , وفى الخطوة الثالثة تذكر رصاص الخرطوش الذى أصاب عينه فأطفأ فيها النور , وفى الخطوة الرابعة صديقه الذى كانا يجلسان معا وجمعهم رغيف واحد اقتسماه فى الميدان , وجاءت جحافل البلطجية التى قتلت صديقه بين يديه , ففى كل خطوة ذكرى تثبت وتسرع من خطواته أكثر فأكثر نحو الموكب , وما أن وصل إلى الموكب منعه الحرس بالقوه و أطرحوه أرضا حتى يمر الموكب بسلام , فعاند أكثر , وأفلت من الحرس , وأخترق الموكب , وأصبح أمام سيارة الحاكم مباشرة , و كادت أن تصدمه السيارة , فهرول إليه الحرس , و حاولوا أخذه بعيدا لكنه تشبث بالأمل أكثر , وأمسك بالسيارة وصاح عاليا ( ياريس .. ياريس ) , ولكن لا أحد يجيب الا أيدى الحرس لتنزعه من أمام السيارة , فتحمل قسوة الضرب والاهانة الى أن وصل الى باب السيارة , ففتحه فوجد السيارة فارغة , فكان موكبا وهميا لتامين الحاكم , فأنهار الحلم الذى تحمل من اجله كل هذه الأهانة , وصار يصرخ وهو يبكى منهارا ..... أنت فين ... أنت فين ؟ أدرك حينها أن شعبه مازال بداخل القفص , قفص الخوف , قفص فكرة الحاكم الذى لا يراه أحد وجها لوجه , فلا يُرى الأ عن طريق وسائل الاعلام فقط , وأن كل من يقترب من الحاكم يريد أن يقتله لا أن يخاطبه كمسئول , قفص المواكب الضخمة للحاكم الذى يريد الأحتماء بها ممن أختاره ووضع فيه ثقته لحل مشاكله , قمازال الشعب بداخل قفص أفكار الجاهلية لنظرته للحاكم بأنه فرعون , فنصنع بأيدينا القفص ونعتقل أنفسنا بداخله , فلابد أن يوجد الرئيس فى بروج مشيدة بعيدة عن هذا الشعب , وإذا ذهب للصلاة فى المساجد العامة ,يتم تفتيش المصلين وهم على أبواب مسجد الله وليس مسجد الحاكم , أليس هكذا يا صديقى تصنع الطواغيت؟؟ نظر المواطن الى حاله بعد أن مر الموكب الوهمى وتركه الحراس ملقى على الارض , ونظر الى وجوه من حوله الذين ينظرون له باستياء مما فعله , فهو أجتاز السياج الذى لا يسمح لأحد أن يعبره بينهم وبين الرئيس , فرأى من يسبه ومن يلعنه , ومن يقول عنه أنه مختل عقليا , فلقد أصبح الاقتراب من الحاكم جنوناً , والحديث معه خيالاُ , وتلبيتة لمطالب الشعب كرما كبيرا يحسد عليه , لم تكسر الثورة كل الاقفاص التى كان الشعب سجينا بها , مازال قفص الحاكم الفرعون البعض معتقل بداخله , فلو أقترب أحد بكلمه لأصلاح أو لمعارضة الحاكم , أطُلقت عليه حناجر وأقلام المنافقين للسلطة - المرابطين عند أى سلطة حاكمة - بتجريم وتحريم معارضة الحاكم , فلابد من تكميم الافواه اذا مست الكلمات الحاكم . فمفتاح هذا القفص فى يدك أنت وحدك يا صديقى , بأن تنظر الى هذا الحاكم على أنه بشر من الممكن ان يكون على الحق , ومن الممكن ايضا أن يكون على باطل , بأن تخاطبه مباشرة بلا خوف أو رهبة , فمن حقك عليه أن يسمعك ويلبى مسألتك أن طلبت أو أن لم تطلب, فأنت اختارته لذلك , ولا أحب أن أذكرك أن الاهانة لأى أحد- حكاما او مواطنا مثلك- هى اهانة لشخصك أنت , لأنها تعبر عن ثقافتك أنت وحدك , فالحاكم مجرد فرد له دور يؤديه ويمضى , ويبقى الشعب وحده من الازل الى الأبد , فالشعب هو الحاكم والزعيم والقائد الذى نبحث عنه , و هو من يملك مفتاح قفص الاستبداد , ليفتحه و يمتلك حريته . Comment *