منذ عدة أيام قال الرئيس الروسي بوتين: من سوريا يبدأ النظام العالمي الجديد؟؟؟!!!. وفى كلمته أمام قمة حركة عدم الانحياز السادسة عشر، اعتبر مرشد الثورة الإيرانية على خامنئى أن المعسكر الشيوعي سقط قبل عقدين وأن الليبرالية والديمقراطية الغربية سقطت في الوقت الحالي!!، ومن ثم على دول عدم الانحياز أن تأخذ المبادرة وتبدأ في المساهمة في تشكيل النظام العالمي الجديد، والسؤال هل هناك نظام عالمي جديد يتشكل كما ادعى هؤلاء؟.، وهل سقطت الليبرالية والديمقراطية الغربية واقتصاد السوق كما ادعى خامنئى؟. بداية نقول أن النظام العالمي الحالي تشكل على أيدي المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، ولذلك يسمى ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقام بالدور الأكبر في هندسة هذا النظام الدول الغربية بزعامة أمريكا، ولكن الاتحاد السوفيتي حصل على نصيبه من الغنائم باعتباره خرج قوة منتصرة من الحرب، ولكن بعد سنوات قليلة بدأ العالم في الانقسام إلى معسكرين، المعسكر الغربي بزعامة أمريكا، والمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي،أو دول الستار الحديدي كما سماها ونستون تشرشل. تشكل النظام العالمي الحالي على جناحين، سياسي يتمثل في الأممالمتحدة ومؤسساتها، وفى المقدمة مجلس الأمن الدولي، والجناح الاقتصادي وقام على ثلاثة مؤسسات وهى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والتي ظهرت بعد سنوات طويلة من المفاوضات التجارية والتي عرفت باسم الجات. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وبعد الحرب على العراق عام 1991 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب عن قيام نظام عالمي جديد وذلك في خطابه أمام الأممالمتحدة، وكان يقصد بالطبع نهاية نظام القطبية الثنائية وانتهاء الحرب الباردة ونهاية عصر الحروب بالوكالة، وبالغ البعض في التفاؤل وكتب فوكوياما أطروحته " نهاية التاريخ" معتبرا أن الليبرالية الرأسمالية قد حسمت الصراع بلا منازع. ولكن بعد ذلك ظهرت ثلاثة مشاكل أو مسائل كبيرة أثرت على القيادة الأمريكية ومن وراءها على أوروبا الغربيةواليابان: المسألة الأولى وهى العولمة،وإن كانت أفادت أمريكا والغرب في سنواتها الأولى إلا أن أضرارها على الولاياتالمتحدة تعدت فوائدها بعد ذلك، وذلك لأسباب عديدة يحتاج شرحها إلى مقال خاص. المسألة الثانية كانت الحرب العالمية على الإرهاب وما تبعها من حروب في أفغانستان والعراق ومن نفقات مالية باهظة تقدر بالتريليونات من الدولارات مما أثر بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي وأيضا على نظرية المجتمع المفتوح التي قامت عليها التجربة الأمريكية. أما المسألة الثالثة فكانت الأزمة المالية الرهيبة التي ضربت أمريكا والغرب عامي 2007 و 2008 وامتدت أثارها المدمرة حتى هذه اللحظة. هذه المسائل الثلاثة أثرت على اقتصاديات الغرب، ومع العولمة تسارع النمو في قوى كبيرة جديدة وخاصة الصين والهند والبرازيل،بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية، مما جعل الولاياتالمتحدة وبريطانيا يتخذان القرار بإعطاء أهمية اقتصادية كبيرة لمجموعة العشرين، مع بقاء مجموعة الثمانية كما هي. ولكن مجموعة العشرين قامت على ركيزتين وهما الأولى هي اقتصاد السوق والثانية هي التشاور الاقتصادي وتحمل الأعباء الاقتصادية لدائرة أوسع من الدول،أي أن الموضوع جاء من الغرب أيضا ولصالح الغرب، وبالتالي لم تمس المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى مثل صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية،أي أنه في النهاية أضيفت مراكز جديدة للنظام الرأسمالي العالمي بعد قبول الأقطاب الجديدة به. وجب التنويه أن النظام الاقتصادي الدولي لا يدار بصوت لكل دولة ولكن بنظام التصويت المرجح، فمثلا للولايات المتحدة قوة تصويتية في صندوق النقد وهى 24% من القوة التصويتية وهذا يعكس حجم اقتصادها وحجم مساهمتها في الصندوق. أما النظام السياسي فاعتمد على صوت لكل دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفى مجلس حقوق الإنسان والمؤسسات الأخرى المنبثقة عن الجمعية العامة، ولكن مجلس الأمن له نظام خاص وهو وجود خمس دول دائمة العضوية ولها حق الفيتو وهى أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي( ورثت صوته روسيا) والصين، بالإضافة إلى 10 دول غير دائمين ينتخبوا لمدة سنتين وليس لأي منهم حق الفيتو. كما قلت ظهرت قوى عالمية ضخمة مثل الهند والبرازيل ومن قبلهما اليابان وأيضا ألمانيا الموحدة، وقد تم معالجة الوضع الاقتصادي الدولي تحت مظلة اقتصاد السوق، ولكن ماذا عن مجلس الأمن وعن توسيع عضويته وعن إعادة تشكيل الجناح السياسي للنظام الدولي؟. هذا الموضوع من الصعب جدا معالجته ، وخاصة وأنه نتاج حرب عالمية كبرى ومن الصعب إعادة تشكيل الجناح السياسي برمته إلا بعد حرب عالمية أخرى أو بعد انهيار المعسكر الغربي، العصب الأساسي للنظام، ولكن السؤال هل نظام الديمقراطية الليبرالية الغربية قد انهار مثلما قال خامنئى؟. هذا الكلام محض أماني وأحلام يقظة ولكن ليس له أي أساس من الواقع. إن السيد خامنئى يعتبر الصحوة الإسلامية( وهى تسميته للربيع العربي) والمقاومة الإسلامية هما من أجهز على النظام الغربي بزعامة أمريكا... وهذا كلام لا يصدقه عقل طفل، فالمقاومة الإسلامية ما هي إلا مليشيات حرب شوارع لا ترتقي حتى لمستوى تعريفها كقوة دولية وإنما مليشيات خارجة على القانون الدولي والكثير منها مصنف في خانة التنظيمات الإرهابية،أما ما يسمى بالربيع العربي فمن الواضح أنه سيأخذ المنطقة برمتها إلى الوراء. أما بالنسبة لحركة عدم الانحياز فلم تكن إيران من الداعين إليها في باندونج عام 1955 ولم تكن من مؤسسيها في مؤتمر بلجراد عام 1961 ولكنها تريد أن تركب موجتها لتخفيف الحصار الدولي عنها، وكما استخدمها عبد الناصر في الستينات يستخدمها خامنئى في العقد الثاني من القرن الجديد لأسباب دعائية ليس أكثر،فلم تمنع عدم الانحياز انهيار عبد الناصر عام 1967 ولن تمنع ضرب إيران الذي يجرى له التحضير على قدم وساق حاليا،بل لم تمنع الحصار المفروض على إيران والذي أدى إلى تراجع نصف صادراتها من البترول وأدى إلى تهريب شاحنات لبيعها ضمن حصة العراق أو عرضها في السوق الدولية بأقل 25% من الأسعار العالمية ومع هذا لا يقبل على البترول الإيراني أحد. نعم هناك مأخذ على النظام الدولي الحالي وعلى العدالة الدولية، ولكن هذا الكلام من طرف إيران وغيرها من الدول المستبدة ،كلمة حق يراد بها باطل، فدول عدم الانحياز وغيرها من المنظمات الإقليمية لدول العالم الثالث تحولت إلى أندية للمستبدين، وسلوك هذه الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة يصب في دعم الاستبداد ومنع إدانة المستبدين، ومن ثم فأن النظام الذي يبشر به خامنئى لا يعدو سوى كونه تبشير بالخراب، وعليه أن يخجل من قمع 3 مليون شخص إيراني خرجوا للشوارع عام 2009 للمطالبة بالحرية والديمقراطية، وكما هو معلوم فأن فاقد الشئ لا يعطيه. إن تأسيس منظمة عدم الانحياز كان يحكمه منطق الابتعاد عن قطبي الحرب الباردة، ولكن المنظمة فشلت في خلق أهداف جديدة بعد نهاية الحرب الباردة، ولم تتدخل أبد لصالح الشعوب ضد مستبديها، ولم تساهم في خلق تعاون اقتصادي حقيقي بين أعضائها، ولم تنجح في حل نزاع واحد بين أعضائها رغم وجود آلية لفض المنازعات، بل ظلت تجمع خليط غير متجانس من الدول يجمع بين بعضها من العداوات أكثر بكثير مما يجمع بينهم من المصالح، وفى كل الأوقات استمرت كمنصة لإطلاق الشعارات وكمكلمة تنتقد ولا تقدم حلولا لأعضائها ولا للعالم من حولها. Comment *