كتب محرر الشئون العربية بقناة العالم الإيرانية السيد : مجيد أنصاري تحليلا تحت عنوان "إيران وحركة عدم الانحياز "وذلك بمناسبة انعقاد قمة الحركة أواخر الشهر الجاري بالعاصمة الإيرانيةطهران ،تلك القمة المنتظر ان يشارك فيها الرئيس الدكتور محمد مرسي ممثلا عن مصر ،فيما تعد أول زيارة يقوم بها رئيس مصري لإيران منذ تفجر ثورتها الإسلامية في عام 1979م ،وبالتالي فأنها تعتبر زيارة تاريخية بكافة المقاييس ،لاسيما وان الدكتور محمد مرسي أول رئيس منتخب جاء بعد ثورة مصرية كبري هي ثورة 25يناير المجيدة والتي اقتلعت نظام مستبد ديكتاتوري موالي للحلف الصهيوني الأمريكي وهو نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك . وكتب السيد مجيد انصاري ما يلي : بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني عام 1979 شهدت السياسة الخارجية الإيرانية انعطافة كبيرة تمثلت بولادة استراتيجيات ومبادئ وثوابت جديدة في التعامل مع قضايا العالم ، ومن أبرزها الاستقلال وعدم التبعية انطلاقا من الشعار الذي رافق الثورة الإسلامية منذ انطلاقها وهو ( لا شرقية .. لا غربية.. جمهورية إسلامية ).
هذا الرفض للتكتلات والأحلاف الشرقية والغربية القائمة على أهداف ومصالح غير مشروعة دفع إيران بعد انتصار الثورة الي قطع ارتباطها فورا بالمعسكر الغربي ، لكن هذا الموقف لم يدفعها للارتماء بأحضان المعسكر الشرقي المتمثل في ذلك الوقت بالاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية ، فإيران الإسلامية لا ترى هذا التكتل اقل سوءا من نظيره الغربي وبالتالي اتجهت نحو الانضمام الي حركة عدم الانحياز باعتبارها تضم أكثر من نصف دول العالم النامية والمستضعفة من قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية .
ومن هنا فقد بادرت إيران الي الانضمام الي هذه المنظمة في أكتوبر – تشرين الأول من عام 1979 أي بعد سبعة أشهر فقط من انتصار الثورة الإسلامية ، على اعتبار ان مبادئ وأهداف حركة عدم الانحياز هي الاقرب من التكتلات الاخرى لسياسة ايران المبتنية على مبدأ لا شرقية ولا غربية ، وحلت ايران في ذلك الوقت بالمرتبة الثامنة والثمانين في تسلسل الدول المنضوية تحت لواء عدم الانحياز ، بينما يبلغ عدد هذه الدول حاليا 120 دولة اضافة الى اكثر من 20 منظمة دولية ونحو 20 دولة اخرى بصفة مراقب.
ولم يكن انضمام ايران الى حركة عدم الانحياز مكسبا للجمهورية الاسلامية وحدها باعتباره فتح الفرصة لايران للعب دور في المعادلات الدولية ، بل ان هذا الانضمام منح الحركة مكسبا اكبر نابعا من مكانة ايران وموقعها الاستراتيجي والجيوبولوتيكي وهذا ما يعزز مواقف عدم الانحياز أمام الكتل الاخرى .
لقد ركزت الأهداف الأساسية لدول حركة عدم الانحياز، على تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأممالمتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلا عن التعاون الدولي على قدم المساواة.
وأثناء السنوات التي تجاوزت الخمسين من عمر حركة عدم الانحياز، استطاعت الحركة أن تضم عددًا متزايدًا من الدول وحركات التحرير التي قبلت- على الرغم من تنوعها الأيديولوجي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي- المبادئ التي قامت عليها الحركة وأهدافها الأساسية، وأبدْت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والأهداف.
ونظرا لان هذه المبادئ والاهداف تتقاطع مع مصالح دول الاستكبار والهيمنة فقد عملت هذه الدول على عرقلة مسيرة حركة عدم الانحياز واستخدمت جميع الاساليب لمنع تنفيذ القرارات التي اتخذتها الحركة في مؤتمراتها الخمسة عشر ، ونجحت الدول الاستكبارية بشكل ملحوظ في هذا الهدف نظرا لافتقاد مجموعة عدم الانحياز لأسس ملزمة للعضوية وافتقاد البرامج والآليات والمخططات اللازمة والملزمة ، ومن هنا فقد كانت ولاءات بعض الدول الاعضاء تميل الى الغرب اكثر من ولائها لعدم الانحياز ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية عمدت القوى الكبرى بزعامة الولاياتالمتحدة الى محاربة الدول المستقلة الفاعلة في حركة عدم الانحياز ومارست ضدها مختلف الضغوط لاضعاف دورها في قيادة الحركة نحو الاهداف السامية التي وضعتها .
وبالتالي فان امام ايران التي ستقود مجموعة عدم الانحياز على مدى السنوات الثلاث بعد انعقاد قمة طهران هذا الاسبوع تحديات كبيرة ومهام خطيرة في اطار اعادة الدور المطلوب لدول عدم الانحياز في مواجهة السياسات الامريكية والغربية التي تقود العالم نحو التمزق والتشرذم في ظل الجنون الغربي في التسلط والهيمنة ونهب ثروات الشعوب .
ويرى المراقبون ان ايران جديرة بقيادة الحركة بنجاح بعد نجاحها الكاسح في مواجهة العزلة التي حاول الغرب ان يفرضها عليها اقليميا ودوليا ، فهي تجاوزت الحظر الاقتصادي والتجاري ونجحت بالاعتماد على قدراتها الذاتية في تحقيق قفزة نوعية على صعيد النمو الاقتصادي والعلمي كما بنت شبكة من العلاقات الدولية استطاعت من خلالها كسب روسيا والصين الى جانبها ، ونجحت ايضا في جذب مجموعة ( 5 + 1) الخاصة بمناقشة برنامجها النووي إلي جولة محادثات جديدة في العراق الذي يتولي قيادة الجامعة العربية في دورتها الحالية ، ومن هنا فإن تولي إيران رئاسة حركة عدم الانحياز يعتبر بمثابة مكسب وحافز لها على أن تبذل المزيد من الجهود فى المحافل الإقليمية والدولية لتثبت أن محاولات عزلتها لم ولن تنجح ، وأنها قادرة علي لعب دور كبير علي المستوي الدولي والتأثير في القضايا الدولية ، كما سيجعلها تتحدث في كل المحافل الدولية باسم 120 دولة أعضاء حركة عدم الانحياز ، وستكون الجمعية العامة للأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة على رأس هذه المحافل التى ستحظى باهتمام خاص من إيران للدفاع عن المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ونقل التكنولوجيا لدول عدم الانحياز.
ان إيران ستعمل على إعادة تحرير حركة عدم الانحياز من الهيمنة الأمريكية والغربية علي كثير من دولها ، وتعبئتها مجددا لتحقيق أهدافها التي رسمها المؤتمر التأسيسي الذي عقد في باندونغ عام 1955 ، بعيدا عن أي هيمنة من القوي الكبري ، وهذا الدور لن يكون تحقيقه بالأمر اليسير خاصة بعد التوغل الصهيوني في كثير من الأنظمة الحاكمة لدول الحركة .
كما ستثبت إيران للعالم من خلال قيادتها لحركة عدم الانحياز أنها جديرة بالقيادة ولعب دور إقليمي ودولي فاعل ، وأن عزلتها ليس في صالح المجتمع الدولي ، بل علي العكس فإن دورها مطلوب وبقوة نظرا لتداخل وتشابك علاقاتها بكثير من دول المنطقة ، وأنها جزء أساسي من الحل لكثير من القضايا الاقليمية والدولية ، وإقصائها أو عزلتها لن يكون في صالح دول المنطقة .
ومن الطبيعي ان تكون الولاياتالمتحدة وحلفائها خاصة الكيان الصهيوني منزعجون من النجاحات التي حققتها وتحققها ايران على جميع الاصعدة خاصة ترؤسها لمجموعة عدم الانحياز ومن هنا شحذت الامبريالية الخبرية اقلامها وشاشاتها للهجوم على ايران والعزف على اسطوانتها المشروخة بشأن البرنامج النووي الايراني السلمي بل راحت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تدعو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون صراحة إلى الامتناع عن حضور القمة ال16 لدول حركة عدم الانحياز في طهران ، لماذا لان الواشنطن بوست ترى ( أن إيران تعتزم جعل هذه القمة مهرجانا تعلن من خلاله المقاومة ضد الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة وإسرائيل فضلا عن خطط واضحة لديها تهدف إلى تطويع واستخدام تلك القمة في الدفاع عن أحقيتها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية كما يعلن العديد من المسئولين الإيرانيين بين الحين والأخر ).