من يتابع مجموعة الأعمال السينمائية للنجم عادل إمام مع الكاتب يوسف معاطي، لن يفاجئه ما يراه في عملهما التليفزيوني الجديد الذي عرض على مدى أيام شهر رمضان الكريم بعنوان "فرقة ناجي عطا الله"، إخراج رامي عادل إمام. المسلسل يتعرض للسياسة، في إطار الكوميديا، وإذا كانت أعمال الفكاهة الساخرة والكوميديا تحتمل بطبيعتها نوعاً من المبالغة، والخيال، وروح الفانتازيا، إلا أن قضايا السياسة أيضاً بطبيعتها لا تحتمل خفة، أو استخفافاً، أو ضحالة، أو جهالة. خاصة إذا كانت هذه القضايا السياسية، ذات طابع مصيري، وتمس الواقع الحي المعاش للوطن، للشعب في مصر بل في الأمة العربية ككل من محيطها إلى خليجها. ويجوب ناجي عطا الله (بأداء عادل إمام)، في المسلسل، وفرقة الشباب التي كونها، مواقع مهمة من الوطن العربي، حافلة بقضايا كبرى، يتنقل بهم من مصر، إلى فلسطين، إلى لبنان، إلى سوريا، إلى العراق، ثم إلى الصومال.. عائداً بهم إلى مصر في آخر المطاف!. تبدو المهمة إذن التي يسافر بهم "ناجي" إلى هذه المواقع من أجلها.. غير "مهمة" في ذاتها!. وانها مجرد وسيلة (أو تكأة)، لعرض أفكار وانطباعات، حول الواقع الحالي، لهذه الأقطار. فالمهمة أو العملية التي يقومون بها، تبدو ساذجة، ومفتعلة، بقدر ما هي خيالية بعيدة عن إمكانية الحدوث، وهي كما رأينا عملية كاملة ناجحة على نحو نموذجي، لسرقة أكبر بنك في إسرائيل، انتقاماً من تجميد إسرائيل لأموال ناجي عطا الله في هذا البنك، حينما كان يعمل كملحق إداري في السفارة المصرية بتل أبيب، وكان قد ضاق به ذرعاً البعض في الموساد لاتساع علاقاته بالإسرائيليين في مجالات متنوعة، وتفاقم ارتيابهم فيه، مما أدى إلى إنهاء عمله بالسفارة، وتجميد ما أودعه من أموال في ذلك البنك الرئيسي. لا تسل كيف تمكنوا بكل هذا النجاح من سرقة بنك بهذه الخطورة؟.. ولا تقل كيف تمكنوا ومعهم كل هذه الحقائب الكبيرة، الممتلئة بملايين الدولارات، من التنقل بين كل هذه الأقطار، بمساعدة عرب ومقاومة من غزةوفلسطين، ثم مقاومة من لبنان وحزب الله، ثم سوريين يدعمون هذه المقاومة، ثم في العراق، وصولاً إلى الصومال في آخر المحطات.. كل هذه الرحلة تبدو غريبة وخيالية جداً. وحتى إذا أمكن غض الطرف عن مدى غرابتها واللامعقول فيها، بحكم أن الفكاهة أو الكوميديا تبيح المحظورات والغرائب، حتى إلى حد الخيال و"الفانتازيا"، فإنه يبقى الأهم: هو موقف دراما المسلسل، من قضايا السياسة المهمة، التي تعرض لها. فالكوميديا، تظل ك التراجيديا، فرع من الدراما، ينبغي توفر شروط الدراما فيها، بقدر ما ينبغي التدقيق في المواقف السياسية والفكرية التي يتعرض لها العمل. هنا نصل إلى بيت القصيد، في هذا العمل، وهنا نعود إلى ما كان به استهلال المقال. وهو: ان من يتابع الأعمال السينمائية لعادل إمام ممثلاً، مع يوسف معاطي مؤلفاً، لن يفاجئه شئ مما يراه في عملهما التليفزيوني مسلسل "فرقة ناجي عطا الله". فالسمة الغالبة على تلك الأفلام السينمائية، وبنفس القدر على المسلسل الجديد، وتحديداً فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية عند التعرض لها، هو اتخاذ سيناريو العمل للموقف، ونقيضه في نفس الوقت!. إنها سمة المراوغة، أو الإشارة في مشهد، تعبيراً عن موقف معين، ثم الإشارة في مشهد آخر تعبيراً عن موقف مضاد للموقف الأول. شاهدنا هذا في فيلم عادل إمام ويوسف معاطي بعنوان "السفارة في العمارة"، كما شاهدناه في فيلمهما "مرجان أحمد مرجان" على سبيل المثال، كما شاهدناه بالضبط في مسلسل "فرقة ناجي عطا الله". يتعرض مثلاً هذا المسلسل لقضية "تطبيع العلاقات الرسمي المصري مع الإسرائيليين" منذ اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1978 وحتى الآن، وهو التطبيع الذي واجه رفضاً شعبياً واضحاً، كاملاً وقاطعاً، على امتداد كل تلك العقود إلى اليوم. وهي نفس القضية التي تعرض لها فيلم "السفارة في العمارة". لكننا نجد في كل من المسلسل والفيلم، مواقف "مع" التطبيع، وأخرى ضد التطبيع أو ضد الإسرائيليين، تصل في بعض المشاهد والحوار إلى مهاجمتهم بشدة. ولذلك أيضاً نجد هجوماً في الصحف وأجهزة الإعلام الإسرائيلية، ضد الفيلم عند عرضه، واليوم ضد المسلسل، بتهمة العداء للسلام وللسامية، وبث الكراهية تجاه اليهود.. إلى آخر ذلك الهراء. كذلك، فإننا في مسلسل "ناجي عطا الله" نجد مشاهد تتخذ مواقف معقولة تجاه المقاومة في فلسطين، أو حزب الله والمقاومة في لبنان، أو إزاء ما حدث ولا يزال في العراق، كما نجد مواقف أخرى ساذجة أو خائبة، تكاد لا تعرف شيئاً في القضية السياسية التي يقتربون منها!. يتحدثون في مشهد عن احترام للمقاومة وقيمتها ودورها في تحرير جنوب لبنان، وفي حماية الوطن والزود عنه أمام أي عدوان، ويتحدثون عن أننا كلنا أمة عربية ذات شأن وهم ومصير واحد، ولابد أن نتكاتف ونقف صفاً واحداً أمام العدو المشترك، ثم سرعان ما نجدهم في مشهد تال، يتحدثون عن أنه لا يصح أن يتدخل أحد سواء من لبنان أو فلسطين أو غيرهما في الشأن الداخلي المصري، وأن مصر هي التي أعطت دائماً وبذلت دائماً من اجل كل الأمة العربية وخاصة قضيتها الكبرى فلسطين. ويتجاهلون مغالطة وزيفاً أن مصر الرسمية، لم تعط دائماً ولم تبذل دائماً، وإنما أعطت وبذلت في عصر ثورتها الكبرى بقيادة جمال عبد الناصر، كما أنه صحيح بالطبع انها حاربت حرب فلسطين في عام 1948، أي أن مصر الرسمية قد تقدمت وأعطت حتى في العهد الملكي، لكن الحقيقة أيضاً أن مصر الرسمية، لم تعط شيئاً ولم تبذل شيئاً على الإطلاق سواء في عهد السادات أو عهد مبارك، أي على امتداد ما يقارب أربعين عاماً، سواء بالنسبة لقضية فلسطين أو أية قضية عربية أخرى، لأنها أصلاً وأولاً أنظمة حكم سلبت ونهبت، وظلمت وحجمت مصر نفسها!. ونتذكر أن فيلم "مرجان أحمد مرجان" وفيلم "بوبوس" وأفلام أخرى لعادل إمام، كانت في مشاهد ضد رجال الأعمال الجشعين الذين ينهبون البلاد، وفي ذات الوقت نرى تعاطفاً معهم في مشاهد أخرى.. فليس "مرجان" (الذي يؤديه إمام نفسه) سوى رأسمالي يستغل وينهب ويحيا بالرشاوي والمفاسد، ومع ذلك يطلب منك الفيلم أن تتعاطف معه بل أن تحبه، وتبارك زواجه من أستاذة الجامعة المثالية في نهاية الفيلم!. في مسلسل "فرقة ناجي عطا الله"، مواهب تمثيل حقيقية، فإلى جانب عادل إمام بخبرته ومرحلة النضج الفني التي يحياها، نرى الممثل السوري القدير جهاد سعد في دور مسئول الموساد بأداء متعمق دقيق، وممثلين عرب عديدين أتقنوا ادوارهم من سوريا كالممثل المقتدر عبد الحكيم قطيفان ومن العراق، إلى جانب مواهب شابة جيدة لأفراد الفرقة، بينهم احمد صلاح السعدني، ونضال الشافعي، ومحمود البزاوي، ومحمد إمام، والتونسية الواعدة سناء يوسف، ومعهم الفنانة أنوشكا.. وجاء العمل على الإجمال مسلياً، لكن الأكثر أهمية من التسلية في عمل يقترب من قضايا السياسة، سواء كان كوميديا أو لم يكن، أن يجئ جاداً ملماً بأبعاد القضية، وليس مستخفاً. والأهم أيضاً ألا يجئ، كمجمل أعمال عادل إمام مع يوسف معاطي: مع كل شئ، وضد كل شئ، في آن واحد ونفس واحد!! Comment *