افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    سعر سبيكة الذهب بعد تثبيت الفائدة.. اعرف بكام    مياه الشرب بالجيزة.. كسر مفاجىء بمحبس مياه قطر 600 مم بمنطقة كعابيش بفيصل    يمن الحماقي: أتمنى ألا أرى تعويما آخرا للجنيه المصري    نداء عاجل من غرفة شركات السياحة لحاملي تأشيرات الزيارة بالسعودية    أسعار الدواجن البيضاء في المزرعة والأسواق اليوم الجمعة 24-5-2024    أوقاف القليوبية: توزيع 10 أطنان لحوم وسلع على الأسر الأولى بالرعاية    الجيش الإيراني يعلن النتائج الأولية للتحقيق في حادثة مروحية رئيسي    حزب الله اللبناني يعلن استهدف جنود إسرائيليين عند مثلث السروات مقابل بلدة يارون بالصواريخ    قرار يوسع العزلة الدولية.. ماذا وراء تصنيف الحكومة الأسترالية لميليشيات الحوثي كمنظمة إرهابية؟    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    هيثم عرابي يكشف تعليمات طلعت يوسف للاعبي فيوتشر قبل مواجهة الزمالك    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    منتخب مصر يخسر من المغرب في ربع نهائي بطولة إفريقيا للساق الواحدة    خالد جلال: جوميز كان يعرف من أين تؤكل الكتف    إكرامي يكشف سلاح الأهلي للفوز على الترجي ويوجه رسالة للشناوي    "فوز الهلال وتعادل النصر".. نتائج مباريات أمس بالدوري السعودي للمحترفين    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة ربع نقل بصحراوي المنيا    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    خبطة في مقتل.. تفاصيل ضبط ترسانة من الأسلحة والمخدرات بمطروح    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية بالقليوبية    الأرصاد تتوقع تحسن الطقس وكسر الموجة الحارة    نقابة المهن الموسيقية تعزي مدحت صالح في وفاة شقيقه    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج القوس الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    وفاة شقيق الفنان مدحت صالح    أسماء جلال أنيقة وياسمين صبري بفستان عصري.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| نجاة فنانة من حادث سير وهيفاء وهبي تتصدر "التريند" بسبب التجاعيد    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    شوبير يُعلن موقف عبد المنعم وهاني من المشاركة أمام الترجي    عمرو أنور يعلن رحيله عن طنطا ويقترب من تدريب المصرية للاتصالات    شهادات سيدات ل«المصرى اليوم» تحكى تجربة استخدام أوبر : «بنعيش أوقات من الرعب»    الأحزاب السياسية: أكاذيب شبكة CNN حول مصر تتعمد تضليل الرأي العام.. تقرير    مأساة غزة.. إدارة مستشفى شهداء الأقصى تحذر من كارثة خلال ساعات وتقدم طلبا لتفاديها    5 شهداء وعدد من الجرحى في قصف شقة سكنية وسط حي الدرج بمدينة غزة    طريقة الاستعلام عن معاشات شهر يونيو.. أماكن الصرف وحقيقة الزيادة    عاجل.. الموت يفجع الفنان مدحت صالح في وفاة شقيقه    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    جيش الاحتلال يتصدى لطائرتين مسيرتين فوق إيلات    تحقيقات موسعة بواقعة ضبط أكبر شحنة كوكايين في 2024 ببورسعيد    انطلاق المؤتمر السنوي ل «طب القناة» في دورته ال 15    لجنة سكرتارية الهجرة باتحاد نقابات عمال مصر تناقش ملفات مهمة    محمد نور: خطة مجابهة التضليل تعتمد على 3 محاور    الفريق أول محمد زكى: قادرون على مجابهة أى تحديات تفرض علينا    رئيس الوزراء يناقش سبل دعم وتطوير خدمات الصحفيين    محافظ بورسعيد يشيد بجهد كنترول امتحانات الشهادة الإعدادية    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    بالفيديو.. خالد الجندي: عقد مؤتمر عن السنة يُفوت الفرصة على المزايدين    قبل قصد بيت الله الحرام| قاعود: الإقلاع عن الذنوب ورد المظالم من أهم المستحبات    وزارة الصحة تؤكد: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    عفو السيسي عن عقوبة "البحيري" .. هل عطّل الأزهر عن فتوى جديدة عن "مركز تكوين"    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة والسينمائية صفاء فتحي: دريدا اعترف بالعنف التأسيسي للدولة الصهيونية ولم يتبن دعوات تدميرها
نشر في البديل يوم 27 - 07 - 2012

منذ مؤتمر "لغات النقد وعلوم الإنسان" والذي أقامه مركز الدراسات الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز في أكتوبر 1966، وأفكار جاك دريدا "1930- 2004" بدأت "في الهيمنة على الساحة الأدبية" وبخاصة على النقاد الرومانسيين والناقمين على موجة النقد الجديد، ويمثل بحث دريدا "البنية، العلامة، اللعب في خطاب العلوم الإنسانية" علامة التحول "عن أحلام البنيوية التي تنطوى على مركزية اللوجوس، والدخول في عالم العلامة الحائمة التي لا مركز لبنيتها".
وخلال الأيام القليلة الماضية مرت الذكرى ال82 لميلاد فيلسوف التفكيك دريدا، وبهذه المناسبة، حاورت البديل الشاعرة والسينمائية المصرية صفاء فتحي، المقيمة في باريس، والتي كانت من العرب القلائل الذين جمعتهم صداقة بدريدا، كما أنها أخرجت فيلمًا وثائقيًا عنه، وترجمة كتاب "ماالذي حدث في (حدث) 11 سبتمبر؟" وقبل أن ينشر بالفرنسية.
تلقت صفاء فتحي دراستها الجامعية بجامعة المنيا، ثم جامعة السوربون في باريس، وجامعة فانسان، وحصلت على رسالة الدكتوراه من جامعة باريس عن المسرح الإنجليزي والألماني المعاصر. صدر لها العديد من الإصدارات الشعرية باللغة العربية مثل: "قصائد" ، و"عرائس خشبية صغيرة تسبح في سموات المنيا وبرلين"، وبالفرنسية أصدرت مسرحية "إرهاب"..
وإلى نص الحوار..
** في الذكرى ال82 لميلاد فيلسوف التفكيك، ماذا تبقى من جاك دريدا؟
- "في تساؤل" وهل يتبقى من الفكر شيء؟ وهل بإمكاننا أن نتحدث عن البقية في الفكر. أعتقد أن الجسد الفكري "لتبني فكرة البقية التي يوحي بها السؤال" أثيري، غير ملموس، يتداخل مع الفضاءات الفكرية، الفنية، الشعرية دون أن تكون مساحة هذا التداخل معروفة أو محسوبة بدقة. هذا، فضلًا عن طبقات التناص التي قد تظهر في هذا النص أو ذاك بشكل متفاوت في الوضوح ولكنها كثيرًا ما تكون قابلة للقياس.
في آخر لقاء لدريدا مع جريدة لومند يقول دريدا إنه على قناعة كاملة بشيئين متناقضين متزامنين في نفس اللحظة؛ القناعة الأولى أن أعماله وفكره وفلسفته ستنتهي تمامًا بوفاته أو أنهما سيعاد اكتشافهما، وأن فكره سيبعث من جديد بعد هذه الوفاة المرتقبة نظرًا لمرضه الشديد، وتلك القناعتين لا تستبعد أحداهما الأخرى على الاطلاق. في النهاية لنا أن نطرح هذا التساؤل كيف للفكر أن يتعايش مع إمكانية فقدان المفكر، وبعد هذا الفقدان بالوفاة. فالمؤكد أن الفكر يدخل مرحلة نوعية مختلفة بعد وفاة المفكر ومخاطرة الفكر تكمن في بقائه على المُوقِع وتَحرره منه في نفس الوقت. هذا ينطبق على جميع المفكرين والأدباء.
** ناهض دريدا الميتافيزيقا، في حين يراه البعض قد قدم ما يمكن تسميته "بالميتافيزيقا المعكوسة"؛ حيث رفض دريدا أزلية المعنى وقدمه، لكنه في الوقت نفسه أعتقد في لا نهائية المعنى "سرمديته" وهي أيضًا رؤية ميتافيزيقة.. ما رأيك؟
- الميتافزيقا هي أصل الفكر الغربي العقلاني التي تضع ما يمثل السلطة، فعلية إن كانت، رمزية أو فكرية في المركز. فهي تعتمد الحضور وتستبعد الغياب، تضع الصوت في الصدارة وتستبعد الكتابة، فهي إذن مركزية العقل، الصوت والذكورية، وهي تستبعد ما لا تراه في المركز بإعتباره ثانوي يخضع لسلطة المركز. وهي تقوم على الثنائيات المتناقضة "جسد/ روح، خير/ شر، رجل/ امرأة، جنون/ عقل، وعي/ لاوعي".. وهكذا.. التي تنحاز لأحد طرفيها، الأقوى طبعًا.
ودريدا كان يقاوم الميتافيزيقا من داخلها، وكرس أغلب أعماله لكُتاب رأى أنهم يضعون الميتافيزيقا في موضع التساؤل، على سبيل المثال "أرتو" لإفساحه لفكرة الجنون، "جينيه" لإفساحه للجريمة، "فرويد" و"لاكان" لإفساحهما لفكر اللاوعي. أي أنه كان يبحث دائمًا عن مخرج من هذه الثنائيات. لا أعتقد أنه بإمكاننا الحديث عن سرمدية المعنى لدى دريدا ولكن عن تأويلات للمعنى غير القابلة للتشبع والتي تظل منفتحة على التأويل الذي يتغير بتغير السياق.
** في كتاب إيان ألموند "بين التصوف والتفكيك" ربط المؤلف بين مناهض الميتافيزيقا الأول "دريدا" وابن عربي "ربيب الميتافيزيقا"... كقريبة من جاك كيف تقرأين ذلك؟
- في فكر اللاهوت السلبي لدى دريدا هناك بحث في فكرة الله والوجود مرورًا بأفلاطون وفكر "الكورا" في فلسفة أفلاطون وهي "مساحة الوعد غير الملموسة التي تنبثق من خلالها الأحداث والأفكار". إيان ألموند يحدد بعض الملامح المشتركة في معجم ابن عربي ودريدا، منها مثلًا مناهضة أي تصور عن الله أو الواقع أو حتى النص. وكما في فكر اللاهوت السلبي يتقاسم الاثنان نوعًا من الإصرار على استحالة ربط فكر الله بنص ما أو بتخيل ما، والاعتقاد المتبادل بين ابن عربي ودريدا بأن الفكر العقلاني فكر مُقيد وهو في النهاية فكر وهمي، إلى جانب الاعتقاد بأن تأويل النص مفتح على عدد لانهاية له من السياقات.
** حين سُألتِ من قبل عن اعتذار الجامعة عن قيامك بالتدريس فيها مع وجود توصية دريدا، قلتِ إن دريدا كان مرفوضًا من الجامعة، وكانت نبرتك فيها "سخرية".. دريدا نفسه كان مناهضًا لفكرة الجامعة والمسألة الأكاديمة برمتها بإعتبارها مؤسسة؛ لماذا إذن تندهشين من رفض الجامعة؟
- دريدا لم يكن مناهضًا لفكرة الجامعة ولا الأكاديمية وهو له نص معروف باسم الجامعة غير المشروطة وهو النص الذي ألقاه في محاضرته عند زيارته لمصر. كل ما هنالك أن تجربته الخاصة مع إحدى المؤسسات الجامعية في فرنسا كانت سيئة للغاية. لكنه في نهاية المطاف قضى دريدا عمره كله في التدريس بين فرنسا والولايات المتحدة وكثير من جامعات العالم.
أما فيما يخص علاقتي بالتدريس الجامعي في فرنسا فقد اندهشت لأن رفض المؤسسة لعملي بها كان مناهضًا لفكرة الجامعة عن نفسها، فهي ترى نفسها أو تقدم نفسها على أنها مكان منفتح للتدريس والبحث بإمكان المواطن المؤهل لذلك أن يلتحق به في منافسة حرة وما رأيته كان عكس ذلك فقد بدت الجامعة وكأنها مكان منغلق على ذاته محافظ كمؤسسة وبه لمسة عنصرية واضحة، لم يكن من المتوقع بالنسبة لي أن تمارس الجامعة هذا القدر من الاستبعاد والإقصاء الذي لم أشعر بهما في جامعات أمريكا أو ألمانيا التي عملت بها لفترات محددة.
** في حوار سابق أيضًا، قلتِ "إن دريدا كان رافضًا للظهور في فيلمك وفي السينما"، أحاول ربط ذلك بفكرة الشبحية عند دريدا والسينما، كيف يمكن فهم رغبته في رفض الظهور السينمائي وكتاباته عن الطيف؟
- طبعًا هناك علاقة بين السينما وفكرة الطيف أو الشبح. فالصورة تظل تحيا بعد وفاة صاحبها وتظل تتحرك وتعيش وكان صاحبها لم يمت فهي امتداد طيفي له. والسينما هو مكان العائدين من الموت بجدارة. ولكن العلاقة بين الشخصي والفكري لم تكن أبدًا علاقة سببية مباشرة. هناك منحنيات للسلوك لا علاقة لها بالفكر. دريدا كان يخاف من التصوير منذ أن بدأ في الكتابة. كان يكره صورته وبالفعل لم تنشر أي صور لدريدا إلا في منتصف السبعينيات. ولذا قاوم بشدة إلحاح التصوير على حياته وإلحاح التكنيك السينمائي الذي يتطلب الصبر والمرونة على برنامجه اليومي المشحون، ومن ثم كان الصراع.
** بالنسبة لترجمة جاك دريدا والتفكيك، حين نتحدث عن ترجمة التفكيك فإننا نتحدث عن "تفكيك الترجمة"، ويكون الوضع أشبه بالزواج من ضرتين؛ حيث تفرض كل علاقة حب حبًا آخر، بتعبير سعيد الغانمي.. مع نص لدريدا كيف تمارسين الإخلاص المزدوج؟
- الإخلاص المزدوج قاسم أساسي في فكر التفكيك. أي أنه جزءٌ لا يتجزأ من تفكيك المركزية. الإخلاص المزدوج هنا تحديدًا فيما يخص ترجمتي ل11 سبتمبر هو الإخلاص للغة في مقابل الإخلاص للفكر في لغة أخرى. كان عليّ أن اتنقل ما بين الإخلاص للغة العربية من ناحية والإخلاص للغة دريدا في الكتابة باللغة الفرنسية من ناحية أخرى.
دريدا له لغة مميزة للغاية في الفرنسية فهي لغة تعتمد الجمل الطويلة والمترادفات بالإضافة أنه يصهر ويختلق المصطلحات بأكثر من كلمة. هناك أيضًا استخدام موسع للبدائل والجمل الاعتراضية في متن الجملة الرئيسية دون تكرار الفعل. هذا التعامل الخاص مع اللغة وهذا الأسلوب المميز يستعصي على اللغة العربية دون تصرف. ولذا كي أنقل هذا الفكر للغة سلسة مفهومة لا تبدو وكأنها نقل مباشر من لغة أخرى تعطي الانطباع أنها بمثابة لغة ثالثة لا هي فرنسية بطبيعة الحال ولا هي عربية تخضع لمتن اللغة العربية التي تعشق الإحالات والتذكير بالفعل، كان لي أن انحاز للغة العربية مع الحفاظ على دقة المعنى والسعي إلى نقله على أكمل وجه ممكن. من ثم قررت التدخل في لغة دريدا أثناء النقل.
** كيف تدخلتِ في لغة دريدا؟
- مثلا كنتُ أذكر بالفعل في الجمل الطويلة وأذكر بالإحالات في العبارة الثانوية للعبارة الرئيسة بوضع عدد من الضمائر التي تسمح باستيعاب ما تحيل إليه العبارة الثانوية، كما أنني كثيرًا ما كنت أقطع الجملة إلى اثنتين أو أكثر مع تكرار ذكر الفعل. كان همي الرئيسي موجه للإخلاص للغة العربية مع الإخلاص في نفس الوقت للفكر والمعنى ربما على حساب النقل الحرفي لأسلوب دريدا في الكتابة. الإخلاص على أي حال وفي جميع المواقع تشوبه مسحة من خيانة.
** بجانب صعوبة الفكر ومفاهيمه، ما الصعوبات الخرى التي تواجه مترجم كتابات دريدا، وكتابات استراتيجية التفكيك عموما؟
- ما سبق وان ذكرت هو تحديدًا ما يواجه المترجم. وهناك أيضًا صعوبة صياغة هذا الفكر في لغة أخرى ومن هنا لابد من التمكن من هذا الفكر ومعرفته معرفة دقيقة. لا أعتقد أن المترجم غير المتخصص في هذا الفكر بإمكانه ترجمته كما يجب. لأن الأمر لا يخص اللغة، بل هو أمر فكري بالأساس. فعندما يقوم مترجم ما بترجمة دريدا دون دراسة سابقة له فإنه ينتج في كثير من الأحيان نصوصًا غير مفهومة على الاطلاق، لا هي مخلصة لفكر دريدا ولا هي مخلصة للغة العربية. أعتقد أنه لابد من الانحياز للعربية مع المعرفة الدقيقة للفكر الدريدي في سياقه الأصلي كي تتم عملية الترجمة.
** أنت واحدة من مترجمي دريدا إلى العربية، ولكِ تجربة في ترجمة كتاب قبل صدوره بلغته الأصلية، كذلك تقيمين في فرنسا منذ فترة طويلة، في ضوء ذلك، وفي ضوء ما قيل عن الكتاب وحرية الفكر والتعبير في أوروبا، ما تقيميك لحرية الفكر في الغرب، بخاصة فرنسا التي لها تجربة سابقة مع روجيه جارودي؟
- ليست هناك حرية مطلقة للفكر والتعبير في أي مكان أيًا كان. هناك مساحات من الحرية الفكرية الفنية الأدبية تقابلها آليات يضعها ويفرضها السياق للحد من هذه "الحرية" أو لتقليص تأثير الفكر الحر على السياق. ما هو السياق؟ بإمكانك أن تقرأ هنا أن السياق هو السياق الاجتماعي أو السياسي أو التاريخي أو الأدبي. والسياق عمومًا أقوى من الحرية وهو يحمي نفسه منها ويحمي أيضًا إمكانية انتهاك الحرية له. فهو لن يسمح بانتهاكه تمامًا ولكنه يحتاج إلى هذا الانتهاك بقدر ما وأحيانًا في وقت لاحق. فليس هناك تزامن حقيقي بين الفكر أو الفن أو العمل الأدبي الحر المُنتهك لسياق مستقر ولحاجة هذا السياق لأن ينتهك. "آرتو" مثال صارخ على ذلك فهو أكثر من انتهكوا الفكر الغربي في سياق لم يسمح له تمامًا بذلك، ولذا فالمصحات العقلية كثيرًا ما تستقبل المبدعين الذين ضاق بهم السياق. هناك أيضًا آليات أخرى يفرضها السياق على المنتهكين غير الملائمين كالتهميش والإقصاء أو الملاحقة الفكرية، الافساد أو حتى الدفع بهم إلى قتل النفس، وهنا نذكر جيل دولوز/ وديبور كأمثلة.
** عانى دريدا من مسألة اللغة المستعارة، ف"العربية أوالعبرية هي المفترض أن تكون لغته الأم"، على حد قوله.. وكذلك أنتِ، تكتبين بلغتين، الفرنسية والعربية، هناك إشكالية في هذه الازدواجية، ما رؤيتك في هذه الازدواجية؟ ولماذا تكتبين ذاك العمل بالفرنسية والآخر بالعربية؟
- إشكالية اللغة هي إشكالية الحياة. فأنا أعيش في فرنسا منذ أكثر من 30 عامًا، مع أن انتمائي المصري للغة العربية يزداد قوة مع مرور هذه السنوات التي تبعدني تحديدًا عن هذا الانتماء. فإن انتمائي اللغوي مزدوج؛ بل إنه أكثر من مزدوج؛ فأنا أجيد أيضًا اللغة الإنجليزية وأكتب بها أيضًا بعض الدراسات والمقالات. لذا فأنا أتعامل مع لغة الكتابة كما أتعامل مع حياتي، هناك أزمنة أميل فيها إلى مصر فأكتب بالعربية وأحيانًا أضيق بهذا فأكتب بالفرنسية، عموما أنا لا أكتب الشعر إلا بالعربية ما عدا كتاب واحد كتبته بالفرنسية. ولكني ألاحظ أن لغتي العربية ممسوحة بغلالة ماضوية. هناك شيئًا معا يبعدها عن سياق اللغة العربية لشعراء قصيدة النثر في مصر له علاقة بهذه السنوات التي باعدت بيني وبين التجربة المباشرة المستمرة مع اللغة، وكأن اللغة أصبحت مستودعًا لذاكرة ما.
**حضور دريدا في العالم العربي كشخص يطغى على حضور كتاباته نقديًا، حيث نلاحظ غيابًا لاستراتيجية التفكيك في قراءة النصوص الأدبية.. ما تعليقكِ وما الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
- دريدا لم يُترجم كما يجب للغة العربية، ولم يترجم إلا على نطاق ضيق. هناك أيضًا مرجعية لهذا الفكر لابد لمن يريد أن يتبناه أن يكون على دراية بها وبسلسة الأنساب الفلسفية والأدبية التي ينتمي إليها. من بين هذه الأنساب الفلسفة اليونانية متمثلة في أفلاطون والفلسفة الألمانية متمثلة في هايدجر، هوسرل، نيتشه، كانط وبنيامين. كما أن معرفة التحليل النفسي ومدارسه والجدل المحيط بهم أساسي لفهم هذا الفكر. وهناك مفاتيح لهذا الفكر لا يتأتى لأي منا أن يحصل على عدد منها إلا بعد عمل مستمر دؤوب لا يقل عن عشر سنوات، أي أنه فكر يتطلب الإخلاص في السفر معه إلى آفاقه مع الإخلاص في الغوص إلى مبادئه وأصولها. المشكلة في مصر وفي "العالم العربي" أن حضور المدارس الفكرية الأوربية ومدارس التحليل النفسي حضور ضعيف وحديث، والتقاليد الأكاديمية واهية. هذا هو السياق الفكري في "العالم العربي" مع تفاوت في هذه السياقات. أعتقد مثلًا أن حضور دريدا في المغرب العربي أقوى من حضوره في المشرق؛ نظرًا لارتباط المغرب العربي باللغة الفرنسية والتقاليد الأكاديمية الغربية. وأنا شخصيًا أعتقد أن هذا الفكر له شقان الأكاديمي والشعري الأدبي، وله تأثيرات غير مباشرة، أو أجواء بمعنى أصح وهذه التأثيرات غير الملموسة ترحل إلى فضاءات متعددة وقد تؤدي قراءة كتاب واحد من كتب دريدا إلى نتائج مبهرة في قراءة النصوص والأحداث. وأعتقد أننا نلاحظ وجود هذا التأثير في عدد من الدراسات والنصوص في مصر وفي العام العربي.
اهتزاز فكرة المركزية التنظيمية والذكورية من الملامح المشتركة بين الثورة المصرية وأفكار دريدا..
الترجمة العربية لدريدا لم تكن كما يجب وحضور التفكيك أقوى في المغرب العربي..
في ترجمتي لدريدا انحزت للغة العربية مع الحفاظ على دقة المعنى..
الجامعة الفرنسية بدت لي منغلقة، محافظة، وبها لمسة عنصرية خلاف بعض الجامعات الأمريكية والألمانية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.