نشرت وكالة أنباء أسوشيتد برس الأمريكية تقريرا مطولا حول دور وطريقة عمل المنظمات الأمريكية التى تعمل فى مجال تعزيز الديمقراطية فى مصر ومن خلال وثائق ومقابلات مع مسؤولين امريكيين ومصريين تكشف الاسوشيتدبرس عدم حيادية هذه المنظمات لاسيما المعهد الجمهورى الدولى , فيقول التقرير أنه قبل شهرين من أقتحام الشرطة المصرية مكاتب المنظمات الديمقراطية التي تدعمها الولاياتالمتحدة العام الماضي ، استقال سبعة موظفين مصريين من المعهد الجمهورى الدولى , وهو أحد هذه المنظمات الأمريكية , احتجاجا على ما وصفوه بالممارسات غير الديمقراطية . واشتكى الموظفون المستقيلون من أن المنظمة الامريكية ، التى تصف نفسها بأنها غير حزبية ، استبعدت جماعة الاخوان المسلمين ,الجماعة الاسلامية السياسية الأكثر شعبية فى البلاد , من برامجها ، وجمعت معلومات دينية حساسة حول المصريين عند إجراء الانتخابات لإرسالها إلى واشنطن ، وأمرت العاملين بمحو كل ملفات الكمبيوتر وارسال جميع السجلات للخارج قبل أشهر من مداهمتها . وقال الموظفون المصريون في خطاب استقالتهم المؤرخ يوم 17 أكتوبر العام الماضى , " استقالتنا هى نتيجة لعدة ممارسات مختلفة شاهدنا انها تبدو مثيرة للشك وغير مهنية ". ونقلت الاسوشيتدبرس عن دولت سلام ، المصرية المولودة فى نيويورك وتحمل الجنسيتين المصرية والامريكية وهى واحدة من الموظفين الذين استقالوا ، قولها أن هذه لم تكن هي الديمقراطية التى كانت تأمل أن تنقلها لمصر عندما ذهبت للعمل لدى المعهد الجمهوري الدولي . كما قال آخرون انهم كانوا منزعجين من العمل الذي تم في إطار البرامج التي أدارها سام لحود ، ابن وزير النقل الامريكى راي لحود . وقالت سلام , فى مقابلة عبر الهاتف من القاهرة، أنها سألت رؤسائها " هل نحن نفعل شيء ما نريد اخفاءه عن المصريين؟ هل لكم أجندة سياسية معينة، ولا تريدون أن إظهار آنكم تنحازون لاتجاهات بعينها؟". ويقول التقرير انه على الرغم من أن مسؤولي المعهد الجمهوري الدولي نفوا أنهم يقومون بأي شيء غير لائق ورفضوا مزاعم الموظفين السابقين معتبرين أنها تنبع من السخط والاستياء، لكن هذا التمرد الصغير للموظفين، غير المعروف لمعظم الناس، كان هاما جدا لأنه يعكس شعور متنامى في مصر بأن برامج الديمقراطية المدعومة من الولاياتالمتحدة كانت لا تساعد المصريين بنفس القدر الذي تخدم به المصالح الأمريكية . ويشير التقرير إلى أن مقابلات ووثائق حصلت عليها وكالة أسوشيتد برس تبين أن احتجاج العاملين وحملة الهجوم الحكومية الاوسع قد ساعدت في فضح ما لا يريد مسؤولون في الولاياتالمتحدة أن يعترفوا به علنا , وهو أن الحكومة الأمريكية أنفقت عشرات الملايين من الدولارات فى تمويل وتدريب جماعات ليبرالية في مصر ، التى كانت العمود الفقري للثورة المصرية . وهذا تم لبناء معارضة للاحزاب الاسلامية والاحزاب المؤيدة للجيش في السلطة ، كل ذلك تم باسم تطوير الديمقراطية وكل ذلك تم فى الوقت الذى كان فيه دبلوماسيين امريكيين يؤكدون للقادة المصريين أن واشنطن لم تكن تنحاز الى أى جانب . قال مسؤول اميركي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته والذى شارك في المناقشات مع القادة المصريين بعد ثورة العام الماضي التى اطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك بعد ثلاثة عقود من الحكم , " نحن كنا نختار اتخاذ جانب أحد الاطراف". وقد أظهرت الوثائق والمقابلات مع مسؤوليين أمريكيين ومصريين ما يلي: -- دبلوماسيون أمريكيون كانوا يعرفون تقريبا منذ مارس 2008 أن القادة المصريين ربما يغلقون البرامج الديمقراطية ويعتقلون الموظفين في هذه المنظمات، حتى أن بعضهم ناقش العام الماضي إمكانية وجود رد فعل مصري شديد اللهجة تجاه ضخ 65 مليون دولار في برامج تدريبية على الديمقراطية بعد ثورات الربيع العربي، حيث أنها زيادة حادة عن الانفاق فى السابق. -- برامج التدريب الديمقراطي، التى تتمتع بصلات قوية مع أحزاب سياسية أمريكية , تلقت الحصة الاكبر، 31.8 مليون دولار، وأنفقتها بطريقة تكاد تكون غير مشروطة . ورفض المعهد الجمهوري الدولي العمل مع اعضاء من حزب الحرية والعدالة لجماعة الاخوان المسلمين، وهي الجماعة الاسلامية التى لديها الحصة الاكبر من المقاعد في البرلمان المنتخب . كما رفض المعهد الديمقراطي الوطني عرض لتدريب ودعم أعضاء من جماعة الإخوان . - منذ ما يقرب من ست سنوات، وقبل أن توجيه الحكومة المصرية لاتهامات ضد موظفين فى المنظمات الامريكية الداعمة للديمقراطية، قام قادة مصر بفرض قيودا مشددة على برامج الديمقراطية الأميركية بعد جدل بشأن تصريحات علنية لمدير المعهد الجمهوري الدولي، حيث نقلت أحدى الصحف عن مدير المعهد الجمهوري الدولي الذى مقره القاهرة تصريحات يقول فيها أنه " من حقنا العمل في مصر دون ترخيص مسبق". وتشير الوكالة إلى أن استخدام الأموال الأمريكية لدعم بعض المنظمات أكثر من غيرها يبدو أنه يتعارض مع سياسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ( USAID ) والتى تتطلب " جهودا ومساعى حميدة لمساعدة جميع الأحزاب الديمقراطية ، وذلك بشكل عادل ومتساوى". ونقلت وكالة الانباء الامريكية عن مسؤول بارز فى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، طلب عدم ذكر اسمه، قوله إن الوكالة لم تكن على علم بأن المعهد الجمهوري الدولي استبعد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من برامجه. ونفى أن تكون الوكالة منحازة لأحد الجوانب فيما يتعلق بتوزع الاموال على جماعات ومنظمات مصرية أو دولية. ويوضح التقرير أنه على الرغم من تعهد الولاياتالمتحدة بالاعلان عن تفاصيل برنامجها للمساعدات الديمقراطية في مصر، الا أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية رفضت تحديد جميع المنظمات التي تلقت اموالا ومبالغ كمنح . وقال المسؤول أن الوكالة كشفت عن القائمة للقادة المصريين، لكنها لن تكشف عن معلومات علنا بشأن الحاصلين على المنح والتي لا تريد الكشف عن هويتها. وهذا قد فاجئ بعض مسؤولي وزارة الخارجية الامريكية . وقال مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية، طلب عدم ذكر اسمه: "كل ما أتذكره هو أنه كان هناك اجتماعات أسبوعية العام الماضي حول مدى ضرورة أن يتم نشر كل هذا على الملأ ". وتقول الاسوشيتد برس أنه من المتوقع أن تكشف جلسة محاكمة 43 من العاملين فى المنظمات الديمقراطية، من بينهم 16 أميريكيا، ما كان في السابق مجرد "جدل سرى خاص وأحيانا ساخن بين مسؤولين اميركيين ومصريين حول دور الولاياتالمتحدة في الشؤون المصرية”. بعض القادة السياسيين يؤكدون أن الولاياتالمتحدة قد تدخلت في الشؤون المصرية من خلال تمويل برامج تدريب سياسية وانتخابية بشكل مباشر . بينما المنظمات والحكومة الامريكية يقولون ان ادعاء التدخل ومشهد المحاكمة هو جزء من محاولة لصرف الغضب عن أن القيادة المصرية تقاوم الديمقراطية . لذلك ترى وكالة الانباء الامريكية أنه من الواضح من تجربة الولاياتالمتحدة في مصر أن الاعتماد المتزايد من قبل المسؤولين الأمريكيين على تمويل الترويج للديمقراطية في البلدان التى تشعر بالقلق من تدخل الولاياتالمتحدة يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية للخطر.فبالإضافة إلى مصر، تم حظر جماعات ديمقراطية ممولة من الولاياتالمتحدة في كل من البحرين ودولة الامارات العربية المتحدة . فيرى البعض أن أهداف الولاياتالمتحدة لتعزيز الديمقراطية في مصر جاءت بنتائج عكسية بعد الربيع العربي ، والحقت أضرار بالمصالح الأميركية في بلد تعتبر حاسمة لاستقرار الشرق الأوسط ، وذلك لأن زعماء الغرب لم يدركوا تماما ما كان يحدث. قال فرانك ويزنر ، السفير الاميركي السابق لدى مصر، أن "المشكلة كانت أنه عندما أندلعت الثورة في مصر ، كل أنواع الحساسيات طفت على السطح"، واضاف "في المياه المشتعلة، أي شخص كان يلعب في السياسة المصرية دخل فى مخاطر. أنا أعتقد أن أصدقاءنا وحكومة الولاياتالمتحدة لم يقدرا مدى هذه المخاطر ولم يكونا مستعدين للتعامل معها" . لكن – يشير التقرير -- كان هناك علامات تحذير. حيث كتب السفير الأميركي السابق فرانسيس ريتشاردوني في مذكرة سرية لوزارة الخارجية فى مارس 2008 أن وزيرة التعاون الدولي، فايزة أبو النجا، واصلت الشكوى بشأن الأموال الأمريكية لمنظمات ديمقراطية غير مرخصة قامت بتدريب ناشطين سياسيين . وكان ريتشاردوني قلقا من أنه يمكن أن يتم أستهداف تلك المنظمات من قبل الوزيرة، التي كانت معارضة لتمويل الولاياتالمتحدة للمنظمات إلا إذا تم توزيع هذه الاموال من خلال الحكومة المصرية. كما كتب ريتشاردوني في مذكرة ضمن وثائق وزارة الخارجية التي حصل عليها موقع ويكيليكس ونشرها، أن " شركاؤنا -- فى اشارة الى المنظمات المؤيدة للديمقراطية -- في حاجة إلى أن يكونوا على علم بأنه قد يكون هناك عواقب قانونية أو سياسية حيال قبول أموال أمريكية. لكن نحن لا نعتقد أن أبو النجا سوف تقوم بالتصعيد من خلال دفع السلطات الأمنية لاعتقال شركائنا أو إغلاق مؤسساتهم دون سابق إنذار، ولكن لا يمكننا استبعاد هذا الاحتمال " . وتعليقا على ذلك قالت المتحدثة باسم المعهد الجمهورى، ليزا جيتس، أن المعهد الجمهوري لم يتم اخباره ابدا بشأن مخاوف ريتشاردوني. كذلك في عام 2006، أمرت السلطات المصرية الى أن يتم تقليص عمل المنظمات الديمقراطية التي تدعمها الولاياتالمتحدة في البلاد بعد أن نقلت أحدى الصحف تصريحات عن مدير المعهد الجمهوري الدولي والتى يقول فيها أنه "من حقنا أن العمل في مصر دون ترخيص مسبق”. وهى التصريحات التى اعتبرها بعض القادة المصريين إهانة من الاميركيين الذين " يأتون إلى مصر ويقولون للمصريين كيف يفكرون"، وذلك وفقا لمذكرة سرية لوزاة الخارجية الامريكية فى يونيو 2006 . وبالفعل تقلصت البرامج التدريبية للمعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني والجماعات الأخرى في مصر بشكل ملحوظ بعد ذلك . وتشير الاسوشيتدبرس إلى أنه بعد انتفاضة الربيع العربى والاطاحة بالرئيس حسني مبارك تغير الوضع، حيث ضخت الولاياتالمتحدة ملايين اكثر فى ترويجها للديمقراطية في مصر، وقامت بتوسيع جهودها من خلال تقديم منح مباشرة لمجموعات كبيرة وصغيرة على الرغم من سنوات من الجدل والخلاف مع القادة المصريين بشأن هذه الممارسة. وفيما يتعلق بمقدار وكيفية انفاق هذه الاموال والمنح، قالت وكالة الانباء الامريكية فى تقريرها أن الولاياتالمتحدة وافقت بسرعة على ضخ 65 مليون دولار للترويج للديمقراطية، وذهبت هذه الاموال مباشرة الى المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني وجماعات ديمقراطية أخرى، بما في ذلك المنظمات المصرية التى تعتبر أكثر ليبرالية وأكثر ميلا لتحدي المصالح الإسلامية. وقال المسؤول البارز فى وزارة الخارجية أن إدارة أوباما كانت تدعم هذا القرار قائلة بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله لأن المنظمات المدعومة من قبل الجيش لم تكن في حاجة لمساعدة الولاياتالمتحدة ؛ جماعة الاخوان المسلمين ، التى بالفعل ارتفعت شعبيتها السياسية مع شبكة وطنية قوية ، لم تحتاج الى دعم اميركي ، وبقايا نظام مبارك لم يكونوا بحاجة للتدريب على التنظيم سياسيا أو على إدارة حملة سياسية . كذلك قادة المعهد الجمهورى قرروا استبعاد جماعات مرتبطة بالاخوان المسلمين لأسباب مشابهة . قال سكوت ماستيك ، مدير برامج منطقة الشرق الأوسط بالمعهد الجمهورى , أنه " تم اتخاذ هذا القرار لتركيز جهودنا على هذه الأحزاب الأصغر والأضعف في المرحلة الاولية " . ويشير التقرير الى أن ماستيك نفى مزاعم السيدة سلام وغيرها من الموظفين الذين استقالوا بأن المجموعة تمارس الحزبية من خلال استبعاد مؤيدى جماعة الاخوان المسلمين . وقال أن المعهد الجمهوري الدولي عمل مع بعض الجماعات الإسلامية . وفى هذا الصدد قال هاني نصر ( 26 عاما ) ، وهو محامى مصرى، انه استقال من المعهد الجمهوري الدولي فى جزء منه لأنه لم يعتقد أنه من العدالة مساعدة فئات معينة أكثر من المنظمات الإسلامية " . وقال نصر في مقابلة عبر الهاتف أنه " على الرغم من انني اختلف تماما مع وجهة نظر الإسلاميين في السياسة ، لكنك قلت أنه يجب أن تكون غير حزبي. لذلك يجب حقا أن أكون غير حزبي " . كما نفى ماستيك مزاعم بأن المعهد الجمهورى جمع معلومات دينية حساسة من المصريين كجزء من اقتراع سياسي لإرسالها إلى واشنطن . وقال ماستيك أنه تم جمع بعض المعلومات لتحديد سمات المصريين ، ولكن لم يتم تقاسمها مع أي شخص خارج المعهد الجمهوري الدولي . وقال شريف منصور ، وهو موظف سابق فى منظمة فريدوم هاوس الامريكية في مصر والتى جرى اقتحام مكتبها وهو أحد المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى#083164;" , أن بعض برامج الديمقراطية ربما كان لديها مشاكل، ولكن من غير المنصف القول أن الشكاوى المقدمة ضد المعهد الجمهوري الدولي هى دليل على مشكلة كبيرة مع تطور الديمقراطية في مصر. وأضاف منصور "أعتقد ان هذا مجرد جزء من حملة تشويه ضد المجتمع المدني". ويرى ماستيك أن السيدة فايزة ابو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، حشدت ضد المعهد الجمهورى وغيره من الجماعات الديمقراطية الأخرى التى تتلقي أموالا أمريكية لأن الولاياتالمتحدة لم تنفذ طلب وزارتها بتوزيع المساعدات مباشرة الى المنظمات . وقال" انها أرادت نقل اموال إلى منظمات ترتبط بنظام مبارك، لتعيد طرح نفسها كبطلة الثورة هو أمر سخيف منافى للعقل " . ونقلت وكالة الانباء الامريكية عن مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية قوله أن المسؤولين الامريكيين لم يكن لديهم فكرة أن أبو النجا ، أكبر منتقدة لتعزيز الديمقراطية المدعومة أمريكيا في ظل نظام مبارك ، سوف تنجو من الانتفاضة وتبقى فى الحكومة العسكرية التي تم إنشاؤها في أعقاب ذلك . وترى الاسوشيتدبرس أن الولاياتالمتحدة كان من الممكن أن تتجنب الكثير من المشاكل في مصر بعد الانتفاضة اذا كان المسؤولون أولوا مزيد من الاهتمام إلى مدى سوء وضعف طريقتهم لتوسيع نطاق التنمية الديمقراطية في مصر . وقال ويزنر أن " تدخلاتنا في المشهد السياسي كان سيدخل في طريق الجحيم" ، وأضاف أنه " لم يكن هذا الوقت هو الوقت المناسب للدخول بشدة في المطبخ السياسى المصرى . فالامر كان تم طهيه واعداده بشكل كامل من قبل المصريين وهم لا يريدون أي شخص من الخارج . مسئولون يتوقعون أن تكشف المحاكمات ما كان في السابق مجرد أحاديث سرية بين المسئولين المصريين والأمريكيين حول الدور الأمريكي في مصر لقاءات مع وكالة الأنباء: ملايين الدولارات الأمريكية لدعم الديمقراطية في مصر ذهبت لمجموعات غير إسلامية