نشرت صحيفة "جلوب اند ميل" تقريرا يشير إلى الوضع فى مصر بعد الثورة وإرث نظام مبارك الذى لا يزال متغلغلا فى البلاد، ويقول التقرير إن الشرطة العسكرية تقف بلا هدف لحراسة بوابة قصر رئاسة الجمهورية، الذى بقي شاغرا منذ انتفاضة شعبية أطاحت بحسني مبارك قبل 15 شهرا. المصريون، الذين لم يقتحموا أبدا أو ينهبوا مقر المخلوع الذى سقط كما فعل التونسيين والليبيين في العام الماضي، سيصوتون يومى 23 و 24 مايو لاختيار رئيس جديد. وتقول الصحيفة أنه على الرغم من سعادة الناس الذين يعيشون في حي القاهرة الراقى حول القصر لأنهم استراحوا من إغلاق الطرق الذي كان يعطل حركة المرور لساعات في كل مرة كان يذهب فيها مبارك الى أي مكان، إلا أن البعض يجدون صعوبة في تصور أي تغييرات أخرى أحدثتها الثورة التي أيدوها بحماس. وقالت سارة حسين (24 عاما) ل"جلوب اند ميل" إنه "مثل كل شيء، القصر لا يزال يضم نظام مبارك، القصر والبلاد ليسوا للشعب"، وأضافت أن "نظامه لا يزال في السلطة". وتشير الصحيفة إلى أن مصر سيكون لديها قريبا رئيسا ينتخبه الشعب بحرية وربما يكون مدنيا لأول مرة في التاريخ منذ 60 عاما، بافتراض وفاء الجنرالات بتعهداتهم بتسليم السلطة بحلول 1 يوليو. وتضيف أن هناك أشياء كثيرة غير واضحة، حيث تعثرت محاولات صياغة دستور جديد، ولا أحد يعرف كيف سيتم تقسيم السلطة بين الرئيس والبرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون. كما أن الجيش، الحذر من الإسلاميين ومن زيادة قوتهم، ربما يتراجع خطوة إلى الوراء عن إدارة شؤون البلاد يوما بيوم لكن من المرجح أن يسعى لدور سياسى ما غير محدد حتى الآن، حيث أنه يرى نفسه كالحامي والحارس الأبوي للدولة. وترى الصحيفة أن الجنرالات قد نحوا مبارك جانبا للحفاظ على النظام، وليس لتشجيع تغيير ثوري. وحتى الآن الإصلاح لم يمس أعمدة وركائز النظام الرئيسية - الجيش، السلطة القضائية، أجهزة الشرطة، الأمن والاستخبارات. ومن جانبه، يرى روبرت سبرنجبورج، الأستاذ في كلية الدراسات العليا البحرية الأمريكية في مونتيري بولاية كاليفورنيا، والمتخصص في شؤون الجيش المصري، "لم يكن لدينا تغيير للنظام في مصر، فقط كان هناك تغيير في اطار النظام، مع الكثير من الضجيج فى الشارع". وتنتقل الصحيفة الى السجل التاريخى لمبارك، الذى كان نائب الرئيس، وتم الدفع به إلى المنصب في أكتوبر 1981 بعد أن نجا من إطلاق النار من جنود إسلاميين اغتالوا سلفه أنور السادات. وتمكن مبارك من تحقيق الهدوء والحفاظ على السلام طوال 30 عاما، وسحق حركة التمرد الإسلامية المسلحة في التسعينيات، حتى طفت على السطح الإحباطات السياسية والاقتصادية من سنوات حكمه الراكدة واشتعلت الثورة في ميدان التحرير في القاهرة، حيث انطلقت الاحتفالات الصاخبة بعد نبأ سقوطه يوم 11 فبراير2011. وترى الصحيفة أنه ربما يكون مبارك قد رحل، ولكن إرثه لا يزال قائما. فكثيرين يقارنون مبارك بأسلافه- أنور السادات، الذي وقع اتفاق السلام مع إسرائيل وأقام تحالف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجمال عبد الناصر، الذي ألهم فى يوم ما قتال القوى الاستعمارية في العالم العربي وخارجه. ونقلت الصحيفة تصريحات سابقة لأيمن نور، قارن فيها بين الرؤساء الثلاثة موضحا أن: "السادات كان استثنائيا في ذكائه، وعبد الناصر كان استثنائيا في كاريزمته. لكن مبارك كان نصف موهوب في كل شيء وليس لديه شئ استثنائي". وأضاف أن: "مبارك كان لديه نوعا من الاستبداد النموذجى في أنصاف الديمقراطيات"، وأضاف: "كان طاغية تحت مظلة القانون". وأوضحت الصحيفة أن ذلك لم يقف في طريق صداقة مبارك مع الغرب، الذي قدره لتمسكه ودعمه لمعاهدة السلام عام 1979 مع إسرائيل، التى لا تحظى بشعبية بشكل كبير مع كثير من المصريين. كما كان مبارك حليفا مقربا من المملكة العربية السعودية، التي كانت مستاءة من فشل واشنطن فى منع سقوط أحد أعمدة النظام الأمني والسياسي والإقليمي. وقال ستيفن كوك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، أنه "بدون مبارك، كان من الصعب على الولاياتالمتحدة أن تفعل الأشياء التى فعلتها في الماضي". فمنذ الإطاحة بمبارك أصبحت العلاقات المصرية الأمريكية سريعة التوتر، ولكن المساعدات العسكرية والتعاون مستمر، كذلك الحال بالنسبة لمعاهدة مع إسرائيل، على الرغم من أن السلام هو أكثر برودة من أي وقت مضى. وذكرت الصحيفة أن مبارك الآن- 84 عاما- المحتجز على ذمة المحاكمة ويقضي أيامه في المركز الطبي العالمي فى القاهرة، يقيم في جناح مستقل ويمشي في الحديقة ويشاهد التليفزيون ويرى أقاربه، وفقا لمصدر في المستشفى. وتقول الصحيفة أن هذا يشير إلى أنه أكثر صحة من الصورة التى ظهر عليها في قاعة المحكمة، عندما ظهر يرقد على محفة، يرتدي نظارة داكنة خلال إجراءات القضية . وذكر سبرنجبورج أن الاقتصاد في وضع رهيب، ورحيل مبارك وحده لن يؤدى إلى عصر ذهبي لمصر، لذلك يتوق الكثير من المصريين بالفعل إلى الأيام الجيدة القديمة". وتشير الصحيفة إلى أنه فى ظل مبارك، المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لمصر تحسنت، ولكن النمو الاقتصادي تخلف عن سابقيه مثل تركيا وكوريا الجنوبية على الرغم من حدوث طفرة في السنوات السبع الأخيرة من حكمه عندما سياسة تحرير الاقتصاد خلقت الازدهار للبعض. قال كوك أن "المشكلة كانت هي أن معظم الناس لم تتشارك في تلك المنافع، ومن أجل الحفاظ على السيطرة السياسية، استعمل مبارك العنف والإكراه". هذه الوسائل التى استعملها مبارك نجحت على مدى ثلاثة عقود، ولكن بعد تفجر ثورة تونس، تخلص المصريون من خوفهم وفي18 يوما مثيرة تخلصوا من الزعيم الوحيد الذي لم يعرف الكثيرون منهم أحدا غيره خلال ثلاثة عقود. منذ ذلك الحين، ورغم ظهور جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب إسلامية أخرى كقوة سياسية رئيسية في مصر، إلا أن قوة الشارع هي التي أجبرت الجيش على تقديم تنازلات. وقال رشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا "لم أر قط الناس يتحدثون بحرية مثل هذه، أو مثل هذا الانتشار للرأي بدون خوف"، وأضاف: "هل سيتم وضع هذا المارد مرة أخرى في زجاجة؟ أنا أشك في ذلك". مبارك أكثر صحة من الصورة التي بدا عليها خلال محاكمته: يقيم في جناح مستقل ويتمشي في الحديقة ويشاهد التليفزيون ويرى أقاربه الإخوان وأحزاب إسلامية أخرى ظهرت كقوة سياسية.. إلا أن قوة الشارع هي التي أجبرت الجيش على تقديم تنازلات