انتعشت الآمال في تحقيق الديمقراطية في أجزاء مختلفة من أفريقيا بعد بدء الربيع العربي، لكن المشكلة أنه لم يشجع فقط الديمقراطيين، بل أنعش آمال المتشددين أيضا، حيث استمر تزايد الإرهاب في شمال نيجيريا وبدا أنه لابد من حدوث انقسام في مالي التي تواجه خطر قيام دولة إسلامية جديدة شمالي البلاد. وخلال الفترة الماضية، ظهرت عدة مؤشرات على تعاظم دور الإسلاميين في منطقة حزام الساحل، أو منطقة حدود الصحراء الكبرى حيث يخشى الكثيرون خطر حدوث مجاعة. بل إن انتصار الحركة الوطنية لتحرير آزواد و حلفائها الأصوليين في مالي يمكن أن يمهد الطريق أمام معقل جديد للإسلاميين في أفريقيا، إلى جانب الصومال. يرى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن “تعاظم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب مثير للقلق الشديد” وأن التهديد الذي يمثله ذلك التعاظم “كبير للغاية” لأن هذا التنظيم يسعى إلى إقامة “دولة جهادية في جميع أنحاء مالي”، وتخشى المنطقة بأسرها هذا الخطر. كما حذر مجلس الأمن الدولي من أن عدم الاستقرار السياسي وصعوبة الوضع الإنساني في منطقة الساحل الأفريقي يمكن أن يجعلا المنطقة مرتعا خصبا للإرهاب. يرى رئيس المجلس، مارك ليال، أن الانقلاب العسكري الذي وقع في مالي مؤخرا يعكس حالة عدم الاستقرار في المنطقة. لم يكن هذا التطور الذي حدث في مالي ليحدث بدون سقوط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، فعندما انهار نظامه عاد أكثر من ألفين من مقاتلي الطوارق المرتزقة لديه إلى وطنهم، ويرجح إنهم حملوا معهم كمية كبيرة من الأسلحة. واضطرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد القوات الضعيفة لجيش مالي للتراجع أمام هجماتها مما أدى في النهاية إلى حدوث الانقلاب العسكري ضد رئيس البلاد أمادو توماني توريه بسبب ما رآه المشاركون في الانقلاب تخاذلا تجاه قوات الطوارق. ويعتبر الإسلاميون أصحاب حركة أنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب حلفاء للحركة الوطنية لتحرير آزواد. فرغم أن هذه الحركات مختلفة فيما بينها، يبدو وبحسب التقارير الإعلامية أن الإسلاميين نجحوا في اعتماد الشريعة في هذه المنطقة المنفصلة حيث طلب إلى المحطات الإذاعية عدم إذاعة موسيقى وطنية، كما أمرت النساء بلبس النقاب عند خروجهن للشارع وهو ما جعل صحيفة ” لوفيجارو” الفرنسية للتحذير من أن تصبح منطقة الساحل الأفريقي ملاذا لإرهابيي القاعدة. ورغم أنه ليس من المحتمل أن يتم الاعتراف بدولة أزواد التي أعلنها الطوارق لتصبح الدولة الخامسة والخمسين في القارة، لا يبدو أن مالي ستتمكن من استعادة وحدتها قريبا، حيث أكد البريطاني جيرمي كينان، خبير الشئون الأفريقية في مقابلة مع إذاعة “ار اف أي” الفرنسية أنه ليس من المحتمل استعادة هذه الوحدة، حتى ولو بمساعدة التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا “اكواس” والذي رأى أن تدخل قوات اكواس ستكون له نتائج كارثية. كما شن المتشددون هجمات في منطقة الساحل التابعة لنيجيريا حيث ظهرت مجددا كراهية بوكو حرام الإسلامية الشديدة للمسيحيين من خلال الاعتداءات المتكررة التي ارتكبت بحق مسيحيين خلال الأشهر الأخيرة في الجزء الشمالي من أكبر البلدان الافريقية من حيث عدد السكان وهو ما جعل آلاف المسيحيين يهربون خوفا من الإسلاميين. يتابع الكثير من الأوروبيين هذه التطورات بقلق حيث أشار بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر مؤخرا، وأكثر من مرة، إلى تزايد ملاحقة المسيحيين على مستوى العالم وكذلك حذر القس النيجيري أوبيورا إيكه، الناشط الحقوقي في ملتقى كنسي بمدينة ميونيخ الالمانية من التهديد الذي يتعرض له المسيحيون في وطنهم وقال إن مجرد اعتناق المسيحية يمثل خطرا على المسيحيين النيجيريين الذين أصبحوا يخافون على حياتهم جراء عقيدتهم “كما كانت تمثله سراديب الموت التي كان ينصبها الرومان للمسيحيين”. ورأى ألكسندر دوبريندت، الأمين العام للحزب المسيحي الاجتماعي في ألمانيا، في نفس الملتقى أن “الربيع العربي” لم يحقق الآمال التي كانت معلقة عليه في ما يتعلق بالديمقراطية والحرية، وأن هذه الامال لم تكن في محلها.