بدون مقدمات أو تنظير ، فالوقت لا يتسع للكثير أتحدث عن الخلاف الأخير بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، وما يتبعه من تداعيات ومناقشات وجدل حاد بين كل المهتمين بالشأن السياسي وبمستقبل مصر وثورتها، ولست هنا بصدد التحليل والتفسير والتوقع، ولست بصدد التعرض لبواطن الأمور وأسباب المشكلة وهل هي حقيقية أم مفتعلة؟ وهل لو كانت حقيقية فهل الإخوان سيصعدون فعلا أم أنه مجرد تهديد؟ وهل لو مفتعلة هدفها تمرير المرشح الإخواني وتبرير التراجع عن قرار عدم الترشح؟ أو شغل الناس عن معركة الدستور واستدرار التعاطف الشعبي؟ كل هذا لا يعنيني هنا، ولنأخذ بالظاهر، لدينا بوادر صدام بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، قسم صفوف الشباب إلى ثلاث فئات، الأولى تتمثل في المتعاطفين مع الإخوان على طول الخط سواء قبل الأحداث أو بعدها، والثانية شباب الثورة الناقمين على الإخوان الرافضين لأي مساندة لهم حال التصعيد، والثالثة هم الشباب المعترض على سياسات الإخوان جملة وتفصيلا إلا أنه في حالة تحمس شديد لمساندتهم ودعمهم وفرح بعودتهم للصف الثوري على حد تعبير الكثيرين منهم، وهؤلاء يرفعون الآن شعار أن عدونا واحد، وعلينا أن نتكاتف جميعا ضد العسكر وألا نضيع الفرصة في تصفية الحسابات والشماتة، وأنه من السفه أن نضيع مستقبل مصر بسبب رفضنا لأفعال الإخوان وسياساتهم من بعد الثورة وحتى الآن، يرون أن التخلي عن الإخوان يتعارض مع المروءة وقوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) وعن هؤلاء العظام أتحدث وإليهم اوجه كلامي. الوحدة ليست واجب هذا الوقت فحسب ولكنها واجب كل وقت، إلا أن للوحدة شروط كي تدوم أطول وقت، فما تعلمته في حياتي وما يثبته الواقع يوما بعد يوم أن الوحدة العاطفية لا تدوم ولا تثمر ولا ينتج عنها شيء يذكر، وقد راحت كل ثمرات الوحدة العفوية المؤقتة التي لبثت ثمانية عشر يوما ثم تفككت أربعة عشر شهرا حتى كدنا ننحدر إلى ظروف أسوأ من الظروف التي قامت الوحدة الأولى لأجل دحرها، إن الحديث عن إنشاء وحدة عفوية جديدة مضيعة للوقت ومقصلة للرقاب، فإن إعادة تكوين صف ثوري جديد يتضمن الجميع بما فيهم الإخوان المسلمين ينبغي أن يكون له قواعد هذه المرة، منها في وجهة نظري على سبيل المثال لا الحصر: أولا: وحدة الهدف، فلا ينبغي أن يقف في الصف رجال، أحدهما يستهدف رحيل العسكر بكل ما تعنيه الكلمة، والثاني: يكفيه رحيل الحكومة، والثالث يكفيه وعود وتطمينات، فيعود الثالث لمنزله بعد أول بيان، ويعود الثاني بعد ثاني بيان، ويسحل الأول وسط صمت وربما هجوم من صاحبيه، فلا بد قبل أي فعل أو مطالبة أن يجهر الجميع بالهدف بل ويقسم عليه. ثانيا: وحدة الوسيلة والتفاصيل: اعتصام، أم إضراب، أم مظاهرات يومية حتى المساء، هل سيتم التفاوض من حيث المبدأ؟ ولو كان نعم فمتى؟ وما سقفه؟ ومن سيتفاوض؟ ومتى سنرضى ونكتفي؟ وماذا بعد الاكتفاء؟ ثالثا: تقييم الماضي، والحديث عن الماضي أمر هام ولا يمكن إغفاله، وقول (ننسى اللي فات ونبدأ من جديد) محض هراء، لأن ما مضى سيتكرر ما لم يكن صاحبه أدرك أنه أخطأ فيه، ينبغي أن تقيم كل الأطراف ماضيها، فمن أخطأ يعترف بخطئه ويتعهد بعدم العودة، ومن أساء للآخر يعتذر، وإلا فكيف يقف في الصف رجلان يفتخر كل منهما بماضيه ويرى أنه كان على الحق وحده، ويحتقر ماضي الآخر وتظن أنهما سيتفقان، فالماضي سيتكرر كما هو، لأن كل منهما يرى أنه كان محقا وأنه لم يعد للميدان إلا بسبب أخطاء الآخر، فينبغي أن تحدد أولا الأخطاء التي أعادتنا للميدان ونعترف بها ونعتذر عنها ولا نكثر العتاب والمعايرة بعد الاعتذار، وفي الحقيقة لو صدقنا مع أنفسنا سنجد أن ما حدث شارك فيه الجميع، وأن الأخطاء موزعة على الكل ولكن بنسب مختلفة، والماضي هنا أعني به الأربعة عشر شهرا الماضية. رابعا: وهي خليط مما سبق، لماذا التحرك؟ هل بسبب الشعور بالخطر على مصر، أم الجماعة والحزب؟ فأنني – وهنا أصرح – ألحظ أن كثير من شباب الإخوان المتحمس قد بدأ في نشر الأناشيد الخاصة بمدح الجماعة والفداء لها بعد التصعيد، وهذا قد لا يعيب في ذاته، ولكن من ينتفض لجماعته له أهداف ووسائل ورؤى مختلفة تماما عمن ينتفض للبلد جمعاء، الأول يخوض المعركة بأدواته هو وفكره هو وتاريخه هو، وهذا واضح في رد فعل شباب الإخوان على تلويح العسكر بالتاريخ، فكان ردهم من داخل تاريخهم هم لا تاريخ مصر، وهذا لا يعني أن الإخوان تعرضوا لظلم يخصهم وأنني أقول بتركهم، أبدا، فأنا كنت أرفض ما تعرض له المسيحيين من دهس وتمزيق في ماسبيرو على رغم أنني مختلف معهم عقديا ابتداءً ومختلف معهم في سبب المظاهرة وأسلوبها، ولكن هناك فرق بين أن أدافع عن فصيل مظلوم في موقف ما، وبين أن أزعم أنني أقوم بثورة شعبية كاملة، في الحالتين لن نترك الإخوان يظلمون، ولكن لكل منها حسابات مختلفة ورؤية مختلفة. خامسا: أي تحرك بعد عام كامل وأكثر من الغربلة والفرز من المفترض أن يقوم به صف مرتب نقي، علمنا خلال عام من مع مصر ومن مع مصلحته ومن مع الثورة ومن كارتوني؟ من يرفع شعار المدنية في يده اليمنى ويكتب بيده اليسرى تأييده للانقلاب العسكري ؟ ومن يستعد أن يقبل الاحتلال نفسه مقابل عدم وصول خصومه للحكم ؟ علمنا ورأينا كل المعادن، فلا ينبغي أن يشارك في الصف من قذف به الغربال خارج صفوف المناضلين وأصحاب المبادئ الثابتين عليها، وإن فعل (ثالثا) واعتذر أو بين مواطن اجتهاده الذي ربما يكون أخطأ فيها وله فيها أجر، فليكن وسط الصفوف لا في الصف الأول، لا يقود ولا يتفاوض ولا يفرض رؤيته وأخيرا: ماذا لو أصبحنا غدا فوجدنا أن مشكلة الإخوان قد تم حلها؟ أنني شديد الاستياء من أن التفكير في التحرك لم يأتي إلا بعد بياني الإخوان والمجلس، فلو فرضنا كما يعتقد كثير من شباب الثورة أن الإخوان باعوا البلد، وأن ما يحدث مسلسل أو على أقصى تقدير استعراض قوى بسبب تعارض بعض المصالح في الغرف المغلقة، هل ستتركون ثورتكم وتتخلون عنها؟ لماذا تتعجبون من غرور كثير من شباب الإخوان إذا كنتم لا تتحركون بدونهم؟ رغم أن التاريخ أثبت أن قضية مشاركة الإخوان لم تعد فاصلة وفارقة بعد أحداث محمد محمود؟ دعوا عنكم العواطف الجياشة، وثوروا، ولكن ثورة عقول وفكر، لا حماس لحظي وعصبية مؤقتة، اللهم احفظ مصر، اللهم احفظ مصر ورد عنها كل كيد، ووحد أبنائها على طاعتك ورضاك، فقط على طاعتك ورضاك.