هناك العديد من الزوايا التي يمكن النظر منها إلى الموضوع المتعلق بقطر إلى درجة أنه يكاد يكون من المستحيل وصفها بشكل مبسط. وإذا كان بالإمكان تعريفها بجملة واحدة، فستكون: دولة خليجية مزعجة غنية بالغاز لا تضم سوى 300 ألف مواطن تزعزع توازن القوى التقليدي، مما يزيد من غضب الدول المجاورة من خلال نجاحها في تحقيق أكثر من المتوقع لها. ومن هنا شبكة "الجزيرة" الفضائية التلفزيونية، وملاذ ودعم جماعات المعارضة الإقليمية (التي وصفها جيرانها بأنها إرهابية)، والتدخل الوساطة الدبلوماسية في أفريقيا وغيرها، واستضافة فعاليات رياضية دولية أبرزها كأس العالم لكرة القدم لعام 2022. إنما ثمة مفارقات أيضاً، إذ تتشارك قطر حقول الغاز الأكبر لديها مع إيران، مما يستلزم وجود علاقة حذرة بينهما. وما يعزز قوة قطر التفاوضية مع طهران أنها تستضيف أكبر قوة أمريكية للعمليات الجوية في الشرق الأوسط في "قاعدة العديد الجوية". كما كانت قطر الدولة الخليجية العربية الأولى التي تبني علاقات مع إسرائيل، علماً أنها نالت إدانةً شديدة على ذلك من زملائها في مجلس التعاون الخليجي. أما بالنسبة إلى الإمارات التي تعتبر قائدة "اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب"، فيتمثل الطريق قدماً في معاقبة الدوحة على دعمها لحركة حماس عبر نقل الولاياتالمتحدة أساطيلها التي تضم قاذفات قنابل "بي-52" ومقاتلات وناقلات جوية وطائرات استطلاع من "العديد" إلى "قاعدة الظفرة الجوية" في دولة الإمارات خارج أبوظبي. ومن غير المستغرب أن يلقى الأمر دعماً في إسرائيل حيث تعتبر الجيش قطر "صرافاً آلياً" لحركة حماس. ولكن على الرغم من أن الرئيس ترامب كان داعماً في بادئ الأمر للحصار الذي فرضته "اللجنة الرباعية" على الدوحة، يبدو أن البيت الأبيض قد غير موقفه. وكان من المفترض أن تكون القمة مع الأمير تميم الاجتماع الثالث من أصل ثلاثة بين الرئيس الأمريكي والخصوم الخليجيين من أجل إيجاد حل لما هو ليس سوى صرف الانتباه عما ينبغي أن يكون محور الاهتمام الرئيسي للولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين، أي إيران. وفي الشهر الماضي ، ناقش الرئيس ترامب الأزمة القطرية مع الأمير محمد بن سلمان وكان من المفترض أن يلي ذلك اجتماع مع ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لكنه يبدو أن محمد بن زايد أراد أن يكون آخر القادمين. وفي غضون ذلك، يأخذ السعوديون وضعية المتفرجين. إذ لم تشارك الطائرات السعودية مزاعم قطروالإماراتوالبحرين بشأن احتمال وجود مخالفات جوية خطيرة. وقد أعاد الجيش السعودي بهدوء ضابط اتصال للعمل مع القوات الأمريكيةوالقطرية في "العديد". وذكر أحد التقارير عن موقف الأمير محمد بن سلمان في اجتماعه في المكتب البيضاوي أن الرياض سترسل أفكاراً جديدة إلى الكويت التي تحاول التوسط في الأزمة. وفي غضون ذلك، دعت السعودية قطر لحضور اجتماع القمة العربية في الظهران. أما البحرين التي تحدثت عن إعادة إحياء مطالبها لجزء من البر الرئيسي لقطر، فتبقى متمسكةً برأيها. فقد قال وزير الشؤون الخارجية البحريني في 3 أبريل: "ليس هناك طريق للمصالحة". لكن مصر تبدو مشتتة بسبب مخاوفها الداخلية لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة طرد آلاف الشباب القطريين الذين يدرسون فيها. ومن وجهة نظر قطر، تلوح بعض المؤشرات المفيدة في الأفق. فخلال زيارة قام بها كاتب هذه السطور إلى الدوحة في الشهر الماضي، قال له أحد المسؤولين القطريين: "ما كان ينبغي لنا أبداً أن نغلق المكتب الإسرائيلي" الذي كان قائماً من عام 1992 إلى 2011. وفيما يتعلق بغزة ، قال: "هل تريدنا إسرائيل فعلاً أن نتوقف عن إرسال المال؟ من هي [الدولة] الأخرى التي ستقدم أموالاً لإعادة الإعمار؟" وعن حركة حماس قال: "تمر كل أموالنا عبر البنك المركزي الإسرائيلي". ولم ترد بعد أنباء عما إذا كانت السعودية والإمارات قد حاولتا القيام بانقلاب آخر لدى اندلاع الأزمة في مايو الماضي. ففي استعراض حياة الأمير محمد بن سلمان بقلم دكستر فيلكنز في عدد مجلة "نيو يوركر" الصادر في 9 أبريل وردت الجملة المحيرة: "أصبح المسؤولون الأمريكيون قلقين للغاية من احتمال وقوع اشتباك عسكري إلى درجة أنهم أرسلوا طائرةً بدون طيار لمراقبة الحدود". وقد أخبرني دبلوماسي أجنبي رفيع المستوى في الدوحة أن السعودية والإمارات كانتا قد توقعتا أن تنتهيَ الأزمة "في غضون 36 إلى 48 ساعة"، إلا أنه لم يبدِ استعداداً لتوضيح هذا التعليق. وتلقي المؤسسات الأمريكية، أي المهنيين البيروقراطيين، اللوم على الإمارات على بدء الأزمة عبر اختراق وكالة الأنباء القطرية وبث أخبار مزيفة، صورت قطر على أنها متعاطفة مع إيران. وعندما طَلبت من أحد المسؤولين الأمريكيين أن يعدد لي الدول الممولة للإرهاب في الخليج، توقعت منه أن يدرج الكويت على أنها تمثل الإشكالية الأكبر، وأن تليَها قطر بفارق ضئيل. إلا أنه رفض ذلك قائلاً إن هناك مشاكل تشوب دول الخليج كافة. أما العناصر المجهولة في عملية صنع القرار الأمريكية فهي نابعة من وصول جون بولتون كمستشار للأمن القومي ونقل مايك بومبيومن "وكالة الاستخبارات المركزية" إلى وزارة الخارجية الأمريكية. وبدا وزير الدفاع جيمس ماتيس متفقاً مع ريكس تيلرسون على الحاجة إلى اتباع نهج دبلوماسي متوازن. والآن، مع مغادرة تيلرسون، تشير الحكمة التقليدية إلى أن الرئيس الأمريكي سيطالب بتنازلات قطرية. لكن قطر قد تقترح شراء المزيد من أنظمة الأسلحة الأمريكية، بالإضافة إلى توفير مرافق قاعدة للأسطول الأمريكي الخامس في "ميناء حمد" جنوبالدوحة، بالإضافة إلى تقديم بعض الأموال الإضافية لغزة. وأنا أراهن على أنه إذا استشعر الرئيس الأمريكي احتمال التوصل إلى نوع من الاتفاق يبدو أنه يعزز الدبلوماسية، فلن يتردد في الموافقة عليه.