أصبحت أحوال المئات من أصحاب الأنوال بقلعة النسيج اليدوي بمركز أخميم في محافظة سوهاج، التي ينسجون بها العديد من الملابس والأقمشة المختلفة، أكثر من سيئة والأنين مستمر، انتهى بتراجع المهنة، وهجرها أصحابها كغيرها من الحرف التي همشتها الدولة على مدار عقود طويلة ضمن مسلسل قتل الصناعات المصرية. وظل مركز أخميم أو كما أطلق عليه المؤرخون "مانشستر مصر" لقدم صناعة النسيج به مثلما اشتهرت مدينة مانشستر الإنجليزية، متصدرًا المشهد على مستوى محافظات الصعيد، بل والجمهورية بعمل المنسوجات المختلفة من الأنوال، إذ كان يحوي ما يقرب من 3500 نول، يعمل بها آلاف المواطنين والشباب، وملأت منتجاتهم كبرى الأسواق ونافست منتجات المصانع والتي غالبًا ما تكون نمطية ومتشابهه. وتمتاز منتجات الأنوال بالدقة والتنوع في التصاميم ووفقًا للأذواق العامة كل على حدة، ومع عدم اهتمام الدولة بأصحاب الأنوال والحفاظ على حرفتهم التي أجادوها منذ مئات السنين، وفي ظل غلاء أسعار الخامات وعدم توفير الأسواق لهم، تراجعت منتجات الأنوال بعد سوء أوضاع العاملين فيها حتى وصلوا إلى ما يقرب من 200 نول فقط. الدولة حاولت إنشاء مناطق مخصصة لأصحاب الأنوال لاستكمال أعمالهم وتم تخصيص 150 قطعة بإحدى المناطق بحي الكوثر عام 1995 أطلقوا عليه "قرية النساجين 1" على أن يمتلك كل صاحب نول منزلا هناك بمساحة 100 متر بحق انتفاع ويستكمل أعماله، إلا أن عدم المساهمة في توفير الخامات أو تشجيع العاملين بها، وفتح أسواق جديدة لهم داخليا وخارجيا، أدى لاستمرار الوضع السيئ، ووصلت نسبة العاملين بتلك المنطقة 40% فقط، وكذلك الحال لأصحاب 122 نولًا آخرين في "قرية النساجين 2" التي تبعد 2 كيلومتر تقريبًا عن القرية الأخرى ولازالت نسب الإشغال فيها لا تزيد عن 20%. نور السيد، صاحب أحد الأنوال بقرية النساجين بحي الكوثر، قال إنه يمتلك نولًا منذ 18 عامًا تقريبا، وكانت الصناعة والتسويق حتى عام 2010 جيدة نسبيًا رغم قلتها، بالإضافة إلى أسعار الخامات حينها كانت في متناول الجميع، وكان يستطيع صاحب النول أن يحقق هامش ربح جيد من خلال الطلبيات التي كان ينتجها للجهات المختلفة، لكن في الأعوام الثمانية الأخيرة، شهدت الأسعار غلاءً كبيرا؛ فعلى سبيل المثال، وصل سعر كيلو القطن وبعض الخيوط المستخدمة ل200 جنيه، بعدما كانت لا تزيد على 75 جنيهًا للفاخرة، ما انعكس على سعر البيع للزبائن، الأمر الذي دفعهم لتقليل نسبة المكسب ل10% فقط لكل قطعة، وهو ما لا يحقق لهم أرباحًا تعينهم على الحياة، بالإضافة إلى أسعار الصباغة التي وصلت ل60 جنيها للكيلو، ما جعل البعض يقبلون على شراء بقايا الأقطان من مصانع المحلة الكبرى لتكون أقل سعرًا عن غيرها. وأضاف السيد ل"البديل"، أن أصحاب الأنوال حاليًا يعانون أشد المعاناة، إذ تقف المحافظة متفرجة على أوضاعهم دون العمل على تحسينها، بالإضافة إلى عدم فتح أي أسواق لهم، متابعا: "تقدمنا عدة مرات لعمل سوق مخصص لنا في مدينة أخميم وحصلنا على موافقة نهائية من محمود عتيق المحافظ السابق، إلا أنه عقب قدوم المحافظ الحالي أيمن عبد المنعم، ألغى القرار دون أسباب ولم يستجب لنا حتى الآن، مكتفيًا بمعرض وحيد تم تنظيمه سابقًا". وقال رشدي عطا الله، متعهد توريد الخيوط للعديد من أصحاب الأنوال، إنه يعمل في المجال منذ عام 1970، وكانت حركة التجارة والبيع والشراء مزدهرة للغاية، ولا تقارن بالوضع الحالي على الإطلاق، مضيفًا أن "أخميم" كانت بمثابة علامة تجارية عندما تخرج منها المنتجات النسيجية المختلفة وتصدر لدول العالم الغربي والعربي؛ سواء "ملابس، شال، كوفرتات أو سجاد"، إذ كان يوجد بها 4000 نول بحسب ذكره، لم يتبق منها حاليًا أكثر من 200، وكان المنافس الأقرب لها بعض الحرفيين بمركز نقادة في محافظة قنا. واستطرد عطا الله: "أحلامنا ليست صعبة، فكل ما يتمناه أصحاب الأنوال لتحسين ظروفهم الاقتصادية؛ عمل أسواق دائمة لهم في سوهاج، بدلا من الاضطرار إلى السفر للقاهرة وغيرها من المحافظات لبيع المنتجات، ما يكبدنا مصاريف عالية لا تتناسب مع المكاسب البسيطة التي نجنيها من المنسوجات". من جانبه، قال محمد الدقيشي، رئيس مجلس إدارة جمعية الفراعنة لتطوير منتجات أخميم اليدوية إن فكرة إنشاء الجمعية جاءت منذ 5 سنوات للحفاظ على ما تبقى من الحرفة التاريخية شديدة الأهمية، التي يجب أن تبقى منتجاتها في الأسواق كسابق عهدها، خاصة بعد المعاناة الشديدة التي يعانيها أصحابها، خاصة في قريتي النساجين (1 و2)، وافتقاد القرى للعديد من الخدمات كالمواصلات والأسواق وغيرها، ما دفع أصحاب الوحدات المخصصة للعمل والنسج لبيعها بالباطن لأشخاص آخرين بمبالغ تتراوح بين 50:75 ألف جنيه. وأضاف الدقيشي ل"البديل"، أن السوق الأمريكي كان من أكبر الأسواق المستهلكة لمنتجات النسيج التي تخرج من أخميم، لكن مؤخرا، كانت عدة طلبيات تصل إليهم من بعض الشركات الأجنبية، ولم يتمكن أصحاب الأنوال الوفاء بها وإنجازها نتيجة لقلة أعداد العاملين، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الخام، الأمر الذي دفعهم لتدريب وتشغيل 1000 شاب وفتاه في صناعة المنسوجات اليدوية، وبدأت المرحلة الأولى بتدريب 650 شابا بتمويل من وزارة الصناعة (مجلس التدريب الصناعي)، وبالتعاون مع الجهاز التنفيذي بوزارة الزراعة وهيئة بلان ومؤسسة ساويرس. واختتم الدقيشي بأنه يجب أن تعود أخميم أو كما أطلق عليها قديما "مانشستر" إلى عهدها الذهبي، وأنه رغم إنفاق الدولة ملايين الجنيهات على إنشاء قرية النساجين، إلا أنه لم يكن ذلك كافيا للحفاظ على الحرفة من الاندثار، بل كان الأهم تنمية وتطوير وتسويق المنتجات في السوق المحلي والأسواق الدولية.