قبل يومين قال السفير رخا أحمد حسن،عضو مجلس الشؤون الخارجية المصري، إنه من المرجح عودة السفير السوداني، عبد المحمود عبد الحليم، إلى مصر خلال أيام، بعد استدعائه من قبل الخارجية السودانية للتشاور منذ أكثر من شهر و21 يومًا، وتابع حسن أن وجود السفير السوداني في بلاده حتى الآن يتعلق بشئون داخلية سودانية بعيدة عن مسألة العلاقات مع القاهرة. التلميح بقرب عودة السفير السوداني إلى مصر يتزامن مع توترات بين أنقرةوالقاهرة تشكل السودان أرضية خصبة لها، فقبل أيام عادت أنقرة للغمز واللمز لمصر، من خلال البوابة السودانية، فبعد الصفقة التركية المثيرة للجدل عبر جزيرة سواكن السودانية، أعادت زيارة نائب رئيس الوزراء التركي، هاكان جاويش أوغلوا، لجزيرة سواكن السودانية الحديث عن نوايا تركيا، التي تحاول إخفاءها في إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة، التي باتت خاضعة لإدارتها منذ أواخر العام الماضي.
ويبدو أن هناك إصرارًا تركيًّا على تطوير العلاقة مع السودان، حيث أكد أوغلو، في زيارة له يوم الثلاثاء الماضي للخرطوم، أن بلاده تسعى للتعاون مع السودان في كافة المجالات واستعادة العلاقات بينهما بكل قوة، بعد أن أهملت في الفترة السابقة، على حد تعبيره. وعلى الرغم من أن أنقرة ألمحت إلى أنه لا جدوى عسكرية من جزيرة سواكن كقاعدة عسكرية لها، ليس لأنها صغيرة فحسب، بل لأن أنقرة لا تسعى لذلك، إلا أن أوغلو لم ينفِ البعد العسكري في العلاقة بين أنقرةوالخرطوم، حيث قال "إن تعاون بلاده العسكري مع السودان ليس سريًّا، ولا يستهدف أحدًا ما"، وتابع بالقول إن "تخوف بعض الجهات لا سند له، ولا يقصدون التعاون مع السودان عسكريًّا ولكنهم يخشون أن يصبح السودان قوة اقتصادية عظمى في هذه المنطقة".
وأشار إلى أن زيارة أردوغان للسودان في ديسمبر الماضي، التي تعد أول زيارة من رئيس تركي، كانت "فاتحة لتطورات كثيرة" ستشهدها العلاقة بين البلدين، مؤكدًا أن "تركيا تسعى لاستعادة علاقاتها مع السودان بكل قوة، بعد أن أهملت في الفترة السابقة".
اللافت أن الزيارة التركية الأخيرة للسودان تأتي بعد أسبوع من لقاء مصري يوناني ذي خلفية أمنية، حيث التقى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بوزير الدفاع اليوناني، بانوس كامينوس، على هامش مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، وأكد ازدياد التعاون المصري اليوناني. وبطبيعة الحال فإن التقارب المصري اليوناني يزعج الأتراك، لأن علاقة تركيا باليونان وصلت إلى حد التوتر، فبالأمس انتقد وزير الخارجية اليوناني، نيكوس كوتزياس، الانتهاكات التركية في المنطقة الاقتصادية اليونانية الخالصة بالبحر المتوسط، مؤكدًا أن أنقرة تنتهك أحكام القانون الدولي.
وقد لا يخرج التقارب التركي السوداني عن إطار المناكفات مع مصر، حيث تعمق الخلاف الأيديولوجي بين النظام التركي الداعم للإخوان المسلمين، والنظام المصري المعادي لهذه الجماعة، إلى ما هو أبعد من ذلك، بعد اكتشافات الغاز في البحر المتوسط، وهنا يمكن عسكرة هذه الاكتشافات، خاصة أن هناك اتفاقًا قد أبرم نهاية العام الماضي بين وزراء دفاع مصر وقبرص واليونان، على تعزيز التعاون العسكري، حيث يشمل التعاون "تنفيذ تدريبات مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والبحث والإنقاذ وتأمين الأهداف البحرية وبنية الطاقة وخطوط الملاحة البحرية، لحماية المصالح المشتركة للدول الثلاث في شرق المتوسط".
تلميحات نائب رئيس الوزراء التركي عن تعاون عسكري بين السودان وتركيا عكستها وسائل إعلام تركية موالية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حيث أفاد كاتب صحيفة "تقويم" الموالية لأردوغان "أرجون ديلار" أن المنطقة العسكرية التي ستؤسسها تركيا في الصومال وقطر، وجزيرة سواكن بعدهما، تشكل شريان طريق الحرير، مؤكدًا أن جزيرة سواكن ستصبح قاعدة عسكرية بنسبة 99 في المائة، وأضاف أن إفريقيا كانت تُدار من تلك الجزيرة في عهد الإمبراطورية العثمانية التي أنشأت بدورها قاعد عسكرية بها.
التوتر المصري التركي حول ثروات المتوسط كان قد بدأ مطلع الشهر الجاري، حيث حذرت القاهرة من أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية على المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في شرق المتوسط، مؤكدة أن ذلك مرفوض، وسيتم التصدي له، الرد المصري جاء تعقيبًا على الكلمات، التي أدلى بها وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، بشأن عدم اعتراف تركيا بالاتفاق المبرم بين مصر وقبرص عام 2013 بترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
الجدير بالذكر أن مصر توصلت أول أمس وفقًا لمصادر حكومية إلى اتفاق مبدئي مع قبرص، يتم بموجبه مد خطوط نقل الغاز الطبيعي من الحقول القبرصية إلى محطة الإسالة المصرية في منطقة إدكو.
وليس من المعروف إذا ما كان تقارب أنقرة مع الخرطوم سيؤثر على العلاقة بين الخرطوموالقاهرة، والتي شهدت توترات عديدة فيما يخص ملفي حلايب وشلاتين وسد النهضة، خاصة أن هناك مؤشرات جيدة لحصول انفراجة في العلاقة بين البلدين، فبالإضافة للأخبار التي تتحدث عن قرب عودة السفير السوداني للقاهرة، يدور الحديث عن استعداد مصري للقيام بمشروع كبير مع السودان، حيث تدرس وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية مع وزارة الثروة الحيوانية السودانية تنفيذ مشروع ضخم ومشترك لتنمية الثروة الحيوانية باستغلال الإمكانيات المتاحة لتربية وتسمين العجول.
وكانت مصادر دبلوماسية سودانية مسئولة قالت إن السفير السوداني لدى القاهرة من المتوقع أن يعود للقاهرة عقب انتهاء فعاليات مؤتمر (سفراء السودان بالخارج)، والذي بدأت فعالياته أمس الاثنين، ويستمر حتى الأربعاء، ويشارك فيه إلى جانب السفير السوداني بمصر رؤساء أكثر من 86 بعثة دبلوماسية سودانية في الخارج.