في إطار محاولات الاحتلال الصهيوني طمس جميع الثقافات والديانات، وصبغ الأراضي الفلسطينية بالصبغة اليهودية الصهيونية، وتصفية الوجود الإسلامي والمسيحي من خلال الاعتداء على مقدساتهم ومحو تراثهم، ففي الوقت الذي يشن فيه كيان الاحتلال هجوما ممنهجا على المسجد الأقصى، ساعيًا إلى تهويده ومحو قدسيته، يشن أيضًا هجمات منظمة على المقدسات المسيحية في الأراضي المحتلة، ساعيًا إلى تصفية الوجود المسيحي في القدس، والضغط على الكنائس من خلال سن بعض التشريعات والقوانين التي تسمح بمصادرة أملاكها. غلق كنيسة القيامة حرب علنية يشنها الاحتلال الصهيوني على المقدسات الإسلامية والمسيحية؛ ففي واقعة تاريخية تعد الأولى من نوعها منذ عام 1990، أغلقت كنيسة القيامة بالقدسالمحتلة، أبوابها أمام زائريها حتى إشعار آخر؛ تنفيذًا لقرار أصدرته ثلاث من كبريات الكنائس في فلسطين، هي الروم الأرثوذكس، واللاتين، والأرمن، وتعتبر كنيسة القيامة أقدس الأماكن لدى المسيحيين الذين يؤمنون بأنها شيدت في موقع "صلب المسيح ودفنه ثم قيامته"، كما أنها وجهة رئيسية للحجاج المسيحيين هناك، وجاء قرار الإغلاق بينما كانت ساحة الكنيسة تعج بمئات السياح الأجانب الذين صدموا من قرار الإغلاق، حيث افترش العشرات منهم الأرض، مؤمّلين النفس بإعادة فتح الأبواب بعدما قطعوا مسافات طويلة من بلدانهم في أوروبا والولايات المتحدة، وحتى من دول آسيوية، لزيارة المكان الأقدس للمسيحيين. وجاء قرار الإغلاق كشكل من أشكال الاحتجاج الشديد على ما أسماه زعماء كنائس الروم الكاثوليك، والروم الأرثوذكس، والأرمن، "محاولات الاحتلال مصادرة أراضي تلك الكنائس وأموالها وممتلكاتها، بذريعة ديون مستحقة لبلدية الاحتلال عن أديرة وعقارات مملوكة لها، ولا ينطبق عليها قانون الإعفاء من الضرائب الممنوح لأماكن العبادة الدينية"، حيث أعلن مسؤولوها أمس الأحد، إغلاق الكنائس في القدس حتى يتراجع الكيان الإسرائيلي عن قرار الحجز على الحسابات المصرفية للكنائس، وقالوا إن كنيسة القيامة ستغلق حتى إشعار آخر، متهمين الكيان الإسرائيلي "بهجوم ممنهج لم يسبق له مثيل على المسيحيين في الأرض المقدسة". ويأتي إغلاق كنيسة القيامة في وقت حساس للغاية، حيث يستعد المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح، ويتوقع وصول مئات الآلاف من أنحاء العالم إلى الكنيسة لزيارة المقدسات الموجودة بداخلها، الأمر الذي يعني أنه في حال عدم تراجع الاحتلال عن قراره، فإن ذلك ينبئ بتصعيد من أبناء الطائفة المسيحية قد ينضموا فيه إلى المقاومة الفلسطينية ليواجه الاحتلال غضب إسلامي مسيحي موحد غير مسبوق. سلاح الضرائب وتأتي التحركات الفلسطينية الغاضبة بعدما بدأ الاحتلال فعليًا في جباية أموال من الكنائس المسيحية كضرائب على عقارات وأراض تملكها في أرجاء المدينة، حيث فوجئت بطريركية الروم الأرثوذكس باحتجاز جميع الحسابات البنكية التابعة لها بقيمة 30 مليون شيكل؛ بحجة عدم دفع مستحقات مالية متراكمة متعلقة بضريبة المسقفات، ويأتي ذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان بلدية الاحتلال في القدس عزمها فرض ضرائب على ممتلكات تابعة لكنائس المدينة، فيما يسمى بضريبة "الأرنونا". وتقدر أملاك الكنيسة المسيحية بنحو 32% من مساحة البلدة القديمة في القدس، وتشمل هذه النسبة إلى جانب أماكن الصلاة والعبادة، نحو 130 مؤسسة وعشر مدارس وأربعة مستشفيات وغيرها من العقارات، فيما يبلغ عدد المسيحيين في القدس حاليًا ما بين 10 إلى 12 ألف نسمة، من إجمالي عدد السكان البالغ 300 ألف فلسطيني. غضب فلسطيني من جانبها، تبنت المقاومة الفلسطينية الدفاع عن المقدسات والممتلكات المسيحية في المدينةالمحتلة، حيث اعتبرت حركة حماس، أمس الأحد، إعلان الكيان الإسرائيلي عزمه فرض ضرائب على الكنائس في مدينة القدسالمحتلة "استهداف خطير للمقدسات يجب مواجهته"، وقالت الحركة: "هذا الإعلان يعكس التداعيات الخطيرة لقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وسياسات إدارته التي تستهدف الوجود والحق الفلسطيني"، وأضافت: "فرض الضرائب على كنائس القدس وممتلكاتها استمرار للحرب الدينية التي تُمارس على شعبنا الفلسطيني ومقدساته الإسلامية والمسيحية"، داعية إلى تصعيد انتفاضة القدس في وجه الاحتلال، وتطوير أدواتها واستنهاض الأمة من أجل الوقوف في وجه كل المشاريع والمخططات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. وفي السياق، أعربت جهات رسمية فلسطينية، أيضًا عن رفضها للإجراءات التي تحاول السلطات الإسرائيلية فرضها للتضييق على الوجود المسيحي، مُطالبة ب"تدخل عاجل" لمنع تطبيق الخطوة، حيث قالت الحكومة الفلسطينية، إن "فرض الاحتلال الضرائب على دور العبادة عدوان جديد يستهدف القدس وجميع أبناء شعبنا العربي الفلسطيني ويمس مقدساته"، وأضافت: "الخطوة تنذر بعواقب خطيرة قد تقود إلى الاستيلاء على الأراضي التابعة للكنائس"، وطالب المتحدث الرسمي باسم الحكومة، يوسف المحمود، بتدخل دولي عاجل لوقف الممارسات الإسرائيلية، وقال: "لم نشهد إغلاق كنيسة القيامة أو أي مكان عبادة في فلسطين طوال الحقب والمراحل التاريخية، إلا خلال الاحتلال"، مضيفًا: "إغلاق الكنيسة يمس مشاعر كافة أبناء شعبنا وأمتنا العربية، وهو أمر مرفوض ومستنكر". ومن جانبه، قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، إن "الواقع المأساوي في القدس، لا سيما كنائسنا، ينبغي أن يذكّر بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي"، وأضاف: "حان الوقت لكي يدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته، عواقب تشجيعهم سياسات الاحتلال والتفرد بالقدس"، فيما أكدت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، أن فرض الضرائب على دور العبادة "عدوان خطير"، وأضافت أن "هذا الإجراء سيشكل حلقة عدوانية جديدة من استهداف الوجود المسيحي في الأراضي المقدسة".