محافظ الدقهلية يتفقد استعدادات اللجان الانتخابية قبل انطلاق التصويت بانتخابات النواب 2025    "التمويل المستدام أولوية".. ما الذي تحتاجه إفريقيا لتحقيق التنمية المستدامة؟    جنوب أفريقيا: غياب واشنطن لن يؤثر على أعمال قمة مجموعة العشرين    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    عبد الرؤوف يلقي محاضر فنية على لاعبي الزمالك قبل مواجهة زيسكو    قائمة برشلونة لمواجهة أتلتيك بلباو في الدوري الإسباني    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    تشكيل بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني اليوم    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    خاص | مديرة تعليم القاهرة: الدراسة منتظمة بمدارس المحافظة ولا تعطيل للدراسة    «الرعاية الصحية»: حفظ الحياة يبدأ من وعي صغير وبرنامج الاستخدام الأمثل لمضادات الميكروبات برنامج استراتيجي    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    التعليم العالي: معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف    سحب 625 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    إصابة 4 أشخاص بنزلة معوية إثر تناول وجبة فاسدة فى الفيوم    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    ليست المرة الأولى لوقف إسلام كابونجا عن الغناء.. مصطفى كامل: حذرناه ولا مكان له بيننا    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    غزة والسودان والاستثمارات.. تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره النيجيري    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    وزير الثقافة يختتم فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    27 ديسمبر.. الحكم في اتهام مها الصغير في قضية اللوحات الفنية    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة بقنا    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    إدراج 29 جامعة مصرية في تصنيف QS 2026.. والقاهرة تتصدر محليا    انتخابات النواب بالخارج.. إقبال كبير للمشاركة بانتخابات النواب باليوم الأخير في السعودية وسلطنة عمان |صور    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    أسعار البيض اليوم السبت 22 نوفمبر 2025    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أن تكون بسيطا
نشر في البديل يوم 22 - 02 - 2018

شاهدت بإحدى القنوات الفضائية فيلما وثائقيا عن مارك زوكربيرج، مبتكر موقع "فيسبوك" الشهير وخامس أغنى شخص فى العالم بثروة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات صنعها بمفرده قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره.
ما لفت نظرى فى الفيلم هو بساطة شخصية مارك زوكربيرج، هذا الملياردير الشاب، وبساطة حياته وبعدها عن مظاهر التكلف. يعيش فى بيت صغير بالإيجار، وليس قصرا فخما من مائة غرفة، ويقود بنفسه سيارة هوندا صغيرة لم يغيرها منذ خمسة أعوام، ويذهب إلى مقر عمله، الشركة التى يعمل بها ثلاثة آلاف موظف، مرتديا قميصا بسيطا وبنطلون جينز. وعرض الفيلم لقطات تم تصويرها من مسافة بعيدة لمارك زوكربيرج دون أن يشعر، كان يسير على قدميه مع أحد الأصدقاء فى البلدة التى يعيش فيها، بدون حراس شخصيين، وقام بنفسه بشراء طعاما من مطعم صينى متواضع، وجلس هو وصديقه على حافة الرصيف بكل بساطة لتناول الطعام كما يفعل أى شخص عادى.
والملياردير الشهير ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل، أكبر شركة فى العالم، كان أيضا بسيطا ومتواضعا مثل مارك زوكربيرج، يذهب إلى عمله منتعلا صندلا بسيطا، ويتجول داخل مكتبه حافيا، ويرتدى دائما تى شيرت أسود وبنطلون جينز أزرق، وعندما سُئل لماذا لا يرتدى غيرهما، قال إنه لا يريد أن يُضيع لحظة تفكير واحدة فيما سيرتديه اليوم.
والأم تريزا حين سافرت إلى أوسلو لاستلام جائزة نوبل للسلام عام 1979، كانت ترتدى كعادتها السارى الهندى البسيط، وفوق السارى كانت ترتدى سترة زرقاء كالتى يرتديها رجال البحرية، وفى قدميها كانت تنتعل صندلا متواضعا، وفى يدها كانت تحمل حقيبة من القماش صنعتها بنفسها، تضع فيها كل ما تملكه فى هذا العالم.
والرئيس الهندى السابق زين العابدين عبد الكلام، الرئيس المسلم الثالث للهند والعالم الكبير المعروف شعبيا بلقب "رجل الصواريخ"، بعد أن أدى القسم الدستورى وصار رئيسا للهند، دار معه طاقم قصر الرئاسة ليختار الجناح الذى سيقيم فيه من بين أجنحة القصر بالغة الفخامة، قال لهم: "لا، لن أقيم هنا، سأقيم فى بيتى، وأحضر يوميا لأداء عملى فى غرفة مكتب واحدة". وضعهم الرجل فى مأزق، لم يخرجوا منه إلا بالموافقة على إقامته فى بيت رسمى متواضع بالقرب من القصر. وطلب منهم أن يبنوا له كوخا من القش تحت شجرة تين بنغالى كبيرة معمرة فى ركن معزول من حدائق القصر الخلفية، وقد ظل يلوذ بهذا الكوخ عن عالم السياسة وغرور السلطة.
وطوال فترة رئاسته التى امتدت خمسة أعوام، لم تتغير طبيعة الرجل البسيطة، ولم ينس جذوره المتواضعة، فكان عندما يزور أحد مراكز الأبحاث التى عمل بها فى بواكير حياته، يصر أن يقتطع من زيارته وقتا يلتقى فيه بصديقه الإسكافى الذى كان يرقع له حذاءه، فقد كان يعتبره حكيما، حلو الحديث، يسعد بالنقاش معه ويغتنى بآرائه البسيطة.
ما أجمل البساطة الناشئة عن وعى بحكمة الحياة وقراءة صادقة لحقيقة الإنسان، البساطة فى صورها الإنسانية المشرقة التى لا تعرف التزلف والتملق والكذب.
ما أجمل البساطة التى تقرب بين البشر وتزيدهم تلاحما وتعاونا لفهم احتياجات بعضهم البعض، البساطة التى لا تعترف بالفروقات الشكلية والتقسيمات المصطنعة. ما أجمل البساطة عندما تصبح صفة من صفات الحاكم، وسمة من سمات الغنى، وشعارا يرفعه العالم والفنان والمثقف والمفكر، فعلا لا قولا، ممارسة لا كلاما، البساطة التى تفتح الأبواب وتيسر الأمور.
وقديما قال الحكيم الصينى كونفوشيوس: "للسعادة رافدان أزليان، هما البساطة والطيبة". والعالم الألمانى الكبير ألبرت إينشتين قال: "أعتقد أن طريقة الحياة البسيطة والمتواضعة هى الأفضل للجميع، وأفضل على حد سواء للجسم والعقل". والزعيم الإنجليزى ونستون تشرشل قال: "كل الأشياء العظيمة هى بسيطة، ويمكن التعبير عن العديد منها فى كلمة واحدة: الحرية والعدالة والشرف والواجب والرحمة والأمل". والروائى الأمريكى ريتشارد باخ قال: "أبسط الأشياء غالبا ما تكون الأصدق".
ربما لن يقتنع الكثير من الناس بهذا الكلام، وهذا طبيعى ولا سيما فى ظل تجييش إعلامى حكومى لجعل الإنسان مجرد آلة تعمل لكى تأكل وتنام، ومن ثم تتكاثر لتنجب آلات أخرى تقوم بنفس وظيفتها. فقد اختفت البساطة من حياتنا المعاصرة، بل إنها اختفت من كل شىء إبتداء من الملبس، إلى المسكن، إلى التعامل، إلى الناس أنفسهم.
كانت البساطة فى الماضى هى دليل البشر فى العيش، ولكن رحلت البساطة وحلت مكانها الحياة المعقدة التى أخترعها الناس لأنفسهم، رغم أن الحياة، كما يقول الكاتب الإيرلندى أوسكار وايلد، "ليست معقدة، نحن المعقدون. الحياة بسيطة، والشىء البسيط هو الشىء الصحيح".
الزعيم الهندى المهاتما غاندى كانت حياته أبسط من البساطة، متقشفة أكثر من حياة أفقر الفقراء فى الهند. فكان لا يملك إلا كوخا صغيرا بسيطا، هو الذى بناه بنفسه على ضفة أحد الأنهار، ويتغذى على حليب الماعز ويكمل الوجبة بقليل من الأرز والتمر والليمون، ولا يشرب الشاى أو القهوة أو الكحوليات, ولا يقتنى إلا صندلا بسيطا وثوبا أبيض من القطن الهندى ونظارته المستديرة الشهيرة. وحين دُعى لحفل استقبال فى قصر باكنجهام فى لندن، وذهب كما هو, يرتدى الثوب الأبيض, الذى يكشف جسمه النحيل أكثر مما يستره، نظر إليه أحد المدعوين الإنجليز الأثرياء فى امتعاض وسأله باستنكار: "أهذه ملابس تناسب لقاء الملك؟"، ابتسم غاندى ابتسامته الهادئة الودودة وقال: "اطمئن يا صديقى، فالملك يرتدى من الملابس ما يكفينى ويكفيك ويكفى كل المدعوين".
الإنسان البسيط تسهل مناقشته، وهو الأقدر على التفاهم والحوار وعلى العفو عندما يرتكب الآخرون خطأ فى حقه، وعلى تقديم المساعدة والعون، ذلك لأنه يتعامل مع الحياة ببساطة، دون حواجز ولا تعقيدات.
أثناء الحرب العالمية الثانية، مر الجنرال دوايت أيزنهاور، الرئيس الأمريكى الرابع والثلاثين لاحقا، بجبهة القتال فى أوروبا فوجد مجموعة من الجنود يعملون بالطريق فيما يوبخهم قائدهم صغير السن، فترجل أيزنهاور من سيارته وساعد الجنود فى عملهم الشاق، وحين سأله القائد الصغير عن شخصيته قال له أيزنهاور: "أنا القائد الأعلى لقوات الحلفاء فى أوروبا".
ويروى أيضا أن قطب صناعة السيارات الأمريكى هنرى فورد قد مر بأحد الشوارع فوجد رجلا وقد تعطلت سيارته، فعرض على صاحب السيارة المساعدة، فشكره الأخير وقال له إنه خبير فى ميكانيكا السيارات، وفى رحلة عودته من الشارع ذاته وجد السيارة المعطلة نفسها، فنزل فورد هذه المرة وأصلح العطل بسهولة، وحين دهش صاحبها الخبير المغرور، قال له فورد: "لا تحزن فأنا من اخترعها". إن الشخص القوى ذو القيمة الحقيقية، غالبا ما يكون بسيطا ومتواضعا ولين الجانب، لا يعلن عن نفسه ولا يطلب من الناس أن يعرفوا من هو إلا وقت الضرورة وعند اللزوم.
أن تكون بسيطا فهذا هو أفضل شىء فى الحياة، لأن هذا يعنى أن تكون متواضعا ومتسامحا ومتعاونا ومحبا للبشر وكارها للتعالى والغرور والكبرياء المزيف وغير ذلك. فى البساطة نجد عقولنا التواقة إلى التلقائية، وفى البساطة نكتشف قلوبنا البريئة الطيبة، ونكتشف أيضا نفوسنا التى لم تتلوث بعد بمظاهر الحقد والحسد والكراهية والتى صارت تلاحقنا فى كل مكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.