تعد جولة وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، في منطقة الشرق الأوسط، هذه الأيام، الأسوأ له على الإطلاق، في ظل تراكم الخلافات والاختلافات بين واشنطن وحلفائها في المنطقة. تيلرسون بدأ جولته أمس الأحد من القاهرة، في زيارة تشمل أيضًا الأردنولبنانوالكويتوتركيا، ويلتقي وزير الخارجية الأمريكي، الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره المصري سامح شكري. ووفقا لمصادر دبلوماسية مصرية وأمريكية، فإن مباحثات تيلرسون في القاهرة تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وملفات الصراع في المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية، وملفات الأزمات السورية والليبية ومكافحة الإرهاب. ويرى مراقبون أن زيارة تيلرسون إلى مصر تكتسب أهمية خاصة؛ إذ أنها تتزامن مع العملية العسكرية والأمنية الشاملة التي تنفذها القوات المسلحة والشرطة المدنية ضد الإرهاب في شمال سيناء وعلى جميع المحاور الاستراتيجية، فيما قلل آخرون من أهمية الربط المباشر بين الزيارة والعملية العسكرية في سيناء، خاصة أن الزيارة الأمريكية أعلن عنها قبل بدء العمليات العسكرية، لكن مع بقاء رابط غير مباشر بها. ومن المتوقع أن يبحث تيلرسون مع السيسي وشكري، التعاون الأمني المشترك في مواجهة الإرهاب، فالزيارة الأمريكية إلى المنطقة أحد أهم ملفاتها الأساسية، دعم التعاون الأمريكي مع الدول المعنية بمواجهة الإرهاب. ورغم المظاهر الإيجابية التي استبقت زيارة تيلرسون للقاهرة، خاصة بعد إدراج الخارجية الأمريكية تنظيمي "حسم" و"لواء الثورة" المرتبطين بتنظيم الإخوان في مصر، على قائمة التنظيمات الإرهابية، لكن ثمة توتر بين القاهرةوواشنطن، التي أدرجت أيضًا رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، الذي زار القاهرة يوم الجمعة الماضية، ما يمثل تحديًا مصريًا للإدارة الأمريكية. ويبدو أن أمريكا مطالبة بمحاولة استيعاب السلبيات التي اعترت علاقتها بالقاهرة بعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الخاص بالقدس، والذي هدد بعده ترامب بقطع المساعدات الأمريكية عن جميع الدول دون استثناء التي تعارض قراره. ويرى محللون أن واشنطن أفسدت على القاهرة الدور الفعّال الذي كانت تقوم به في إطار المصالحة الفلسطينية، فمن أحد أهداف المصالحة توحيد وفد فلسطيني حاضر لأي مفاوضات حول القضية الفلسطينية، وبالقرار الأمريكي حول القدس قطعت واشنطن الطريق على أي مسار تفاوضي. وكان موقع ديبكا الاستخباراتي الإسرائيلي، نشر تقريرًا حول جولة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، إلى الشرق الأوسط، وقال إن بنس هدّد مصر والأردن، بقطع المُساعدات الأمريكية، حال تمسّكا بموقفهما المناهض لقرار الرئيس دونالد ترامب بشأن القدس. زيارة تيلرسون للأردن تأتي أيضا على وقع خلافها مع واشنطن باعتبار القدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، لكن يبدو أن الأردن ستحاول إمساك العصا من المنتصف، فالملك عبدالله الثاني، رغم اعتراضه على القرار الأمريكي، إلا أنه، في لقاء مع شبكة سي إن إن الأمريكية، خلال الشهر الجاري، قال "دور الولاياتالمتحدة لا غنى عنه في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين"، وتزامنت تصريحاته مع موافقة مجلس النواب الأمريكي على تشريع جديد يقضي بزيادة المساعدات والتنسيق الدفاعي بين واشنطن وعمّان. ويبقى السلوك الأردني غير متطابق بالمطلق مع واشنطن، وتحاول التواصل مع قوى أخرى مؤثرة في المنطقة، حيث نقلت وكالات أنباء روسية عن ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، قوله يوم الأحد الماضي، إن الاستعدادات جارية لزيارة العاهل الأردني الملك عبدالله لروسيا، وهو التقارب الذي قد يزعج أمريكا، خاصة أن الكثير من حلفائها باتوا يسيرون في هذا الاتجاه كمصر وتركيا. وفيما يخص تركيا، نجد أن زيارة تيلرسون لها شائكة، خاصة بعد الملاسنات التركية الأمريكية في الشمال السوري، فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طلب صراحة من القوات الأمريكية مغادرة منبج السورية، إلا أن واشنطن رفضت، كما اتهمت أنقرةالولاياتالمتحدة بأنها تحاول ضرب علاقتها بكل من روسيا وإيران. الخلاف التركي الأمريكي كبير، فواشنطن تحاول تشكيل جيش قوامه 30 ألف مقاتل من الفصائل السورية المسلحة، عماده من الأكراد، الأمر الذي ترى فيه تركيا تهديدًا لأمنها القومي، كما أن واشنطن تدعم انفصال الأكراد في شمال شرق سوريا، فضلا عن وجود ملفات قديمة لتوتر بين أنقرةوواشنطن كفتح الله جولن، الذي تتهمه تركيا بالانقلاب الفاشل الذي طالها مؤخرًا، بينما توفر له أمريكا الحماية على أراضيها. زيارة تيلرسون إلى لبنان أيضا، تأتي في الوقت الذي تطلب فيه أعلى جهة دبلوماسية في لبنان، ممثلة برئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، التصعيد ضد التهديدات الإسرائيلية للبنان عبر البلوك 9 للغاز والجدار الحدودي، التصعيد الذي يشمل توافقًا لجميع القوى العسكرية اللبنانية بما فيها حزب الله، كما أن الزيارة تأتي في ظل خلاف بين رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، والسعودية، على وقع استقالة الحريري من الرياض والتي تراجع عنها فور عودته إلى لبنان. ويرى مراقبون أن الزيارة الأمريكية إلى الكويت تأتي في أجواء أقل توترا، رغم أنها ستحمل العديد من الملفات الشائكة حول الأزمة الخليجية، فالكويت تعد الوسيط في الأزمة الخليجية التي تجمع بين قطر من ناحية، والسعودية والإمارات والبحرين من ناحية أخرى.