يبدو أن روسيا ستصبح كلمة السر في الخلافات والنزاعات بين الدول العربية والإسلامية خلال الفترة القادمة، فنجاح الدب الروسي في إنهاء الأزمة السورية في وقت قياسي عجزت خلاله أمريكا عن تحقيق الهدف نفسه، أعطى موسكو نفوذًا وقوة إقليمية غير مسبوقة، جعلت العديد من دول العالم تتهافت على إدخال روسيا على خط أزماتها، وتلهث وراء اقتناء الأسلحة الروسية، خاصة بعد أن أثبتت الأخيرة جدية وجداره في مواقفها الدولية ووفاءً لحلفائها. تركيا ترفع سقف طموحاتها ذكر مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري التقني، فلاديمير كوجين، أن موسكووأنقرة تبحثان توسيع صفقة صواريخ "إس 400" لتشمل التعاون في تكنولوجيا هذه الصواريخ، وأضاف اليوم الأربعاء، "نبحث الآن توريد إس 400 للجانب التركي المهتم باستعجال الانتقال إلى الإنتاج المشترك لعناصر هذه المنظومة الصاروخية في تركيا"، وتابع مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري التقني: المرحلة الراهنة من التعاون لا تقتصر على تزويد الجانب التركي بهذه الصواريخ، بل تشمل تدريب عدد كبير من عسكرييه وخبرائه على التعامل مع هذه المنظومة، وإنشاء ورش صيانة وخدمة لهذه الصواريخ، وأضاف: هذا التعاون طويل الأمد، يتيح لنا الاعتقاد بأن الفترات الصعبة في العلاقات بين روسياوتركيا لن تتكرر، ولذلك كنا مهتمين في توسيع هذا العقد وتم التوقيع عليه، وهو يعود بالمنفعة المتبادلة على الطرفين، المفاوضات جارية الآن حول المرحلة الثانية من المشروع، وإمكانيات التعاون التقني. يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لن يكتفي باقتناء منظومة صواريخ "إس 400" روسية الصنع فقط، بل يطمح إلى نقل تكنولوجيا عمل هذه المنظومة والتعامل معها إلى الورش والقادة العسكريين الأتراك، حيث كان الرئيس التركي قد أعلن في 12 سبتمبر الماضي عن توقيع اتفاق بين أنقرةوموسكو لتوريد صواريخ المنظومة لبلاده، وتسلّم الجانب الروسي الدفعة الأولى من قيمة الصفقة، ورجحت حينها الهيئة الفدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري، أن يبدأ تسليم صواريخ "إس-400" لتركيا في الفترة بين عامي 2019 و2020، حيث قال حينها مصدر روسي إن نقل تكنولوجيا هذه الصواريخ وتوطين صناعتها في تركيا، يتطلب مشاورات وموافقات إضافية، فيما لوح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، باستعداد بلاده للتخلي عن الصواريخ الروسية إذا ما رفضت موسكو الإفصاح عن تكنولوجياتها وإطلاق إنتاجها المشترك في تركيا، مؤكدًا أن الرئيس فلاديمير بوتين شخصيًا قد أشار إلى إمكانية اتخاذ موسكووأنقرة الخطوات الثنائية اللازمة لتصنيع هذه الصواريخ في تركيا. السعودية تحاول اللحاق بتركيا في الوقت الذي يرتفع فيه سقف الطموحات التركية من إقتناء الصواريخ إلى تصنيعها في تركيا ونقل تكنولوجيتها إلى هناك، تبرز محاولات سعودية أيضًا لاقتناء هذه الصواريخ الروسية المثيره للجدل، حيث أكد مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري، فلاديمير كوجين، اليوم الأربعاء، نبأ توقيع موسكووالرياض اتفاق تزويد الأخيرة ب"إس 400″، مشيرًا إلى أن المفاوضات بهذا الشأن تجري بشكل طبيعي، وأضاف كوجين: المباحثات مع الجانب السعودي جرت بصعوبة، ولكن تم التوقيع في المحصلة على الوثائق ذات الشأن وتحديد معايير الصفقة، لافتًا إلى اهتمام الرياض بالحصول على تكنولوجيا هذه الصواريخ، وأضاف مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري، أن الجانب الروسي، وبعد تمسك الرياض بضرورة التعجيل في تسليم تكنولوجيا الصواريخ، اقترح تعاون الجانبين وفقا لمبدأ "step by step" الذي يقتضي أولًا توريد المعدات الجاهزة، بما يمكّن السعوديين من التدرب على استخدامها، ووقوف الروس على سير هذا التدريب ونتائجه في إطار سلسلة معقدة من الإجراءات، ما يسوّغ إصرار الجانب الروسي على التروي وعدم الاستعجال. قطر تتخبط وترضخ لأمريكا في مطلع يناير الماضي، أعلن سفير قطر في روسيا، فهد محمد العطية، أن بلاده بلغت مراحل متقدمة في المفاوضات مع موسكو لشراء منظومات دفاع جوي روسية "إس 400″، وأضاف حينها أنه "فضلًا عن منظومة الدفاع الجوي، فإن الحديث يدور كذلك عن تكنولوجيا للقوات البرية"، وأوضح أنه تم توقيع اتفاقية تعاون عسكري تقني بين قطروروسيا، خلال زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، إلى الدوحة في أكتوبر الماضي، مؤكدًا أن ذلك يفتح الطريق للتعاون بين البلدين في مجال الدفاع، بما فيها شراء المعدات العسكرية، وإعداد الضباط والجنود، والصيانة التقنية. بعد مرور ما يقرب من شهر من تصريحات سفير قطر في روسيا، خرج وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مطلع فبراير الجاري، لينفي الاتفاق على شراء نظام "إس 400" الدفاعي، موضحًا أنه لم يتم توقيع أية صفقات عسكرية مع روسيا حتى الآن، وقال وزير الخارجية خلال زيارته إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن للمشاركة في "الحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري"، إن بلاده تلتزم بقانون العقوبات الأمريكي، موضحًا أن بلاده تؤيد العقوبات المفروضة من قبل إدارة الرئيس "دونالد ترامب" على روسيا، الأمر الذي دفع العديد من الخبراء إلى التأكيد على أن قطر اختارت الرضوخ إلى الأوامر الأمريكية التي تقضي بعدم التعاون مع موسكو تسليحيًا وسياسيًا، مقابل ضمان الدعم الأمريكي للدوحة في أزمتها مع دول الخليج. هل خرجت أمريكا من دائرة السباق؟ لا شك في أن أمريكا تعد صاحبة المبادرة الأولى في إشعال سباق التسليح في منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات، حيث تلهث العديد من الدول العربية والإسلامية في المنطقة لاقتناء المنظومات الحديثة من الأسلحة، وكان الاهتمام الأكبر مُنصب على الأسلحة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى إنعاش سوق الأسلحة هناك على حساب خزائن الدول العربية والإسلامية وتسعير الصراعات بينهما، لكن يبدو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد خرجت مؤخرًا من دائرة التنافس، فعلى الرغم من أن واشنطن لاتزال تحاول خلق الفزاعات لحلفائها العرب لجذبهم إلى إنعاش سوق الأسلحة لديها، إلا أن تراجع نفوذها والازدواجية السياسية التي تنتهجها مؤخرًا مع حلفائها جعلت هؤلاء لا يثقون بها بشكل مطلق، حتى أن أقرب حلفائها كالسعودية باتوا يسدون حاجاتهم التسليحية من دول منافسه لأمريكا، فالمملكة السعودية كانت تسد غالبية احتياجاتها التسليحية باستيراد الأسلحة اللازمة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، لكن مع تصاعد النفوذ الروسي ونجاح الأخيره في جذب الأنظار لانتصاراتها في سوريا ودعمها الوفي لحلفائها، بدأت العديد من الدول الحليفة لأمريكا تلهث وراء منظومات روسيا جديدة ومتطورة، الأمر الذي يظهر جليًا في ارتفاع قيمة صادرات الأسلحة الروسية. أعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري، فلاديمير كوجين، أن قيمة صادرات الأسلحة الروسية لعام 2017 قد تجاوزت ال15 مليار دولار، وأضاف اليوم الأربعاء: تشير التقديرات الأولية إلى إتمام برنامج التوريدات لعام 2017، إذ بلغت قيمة صادرات روسيا من السلاح للعام الماضي أكثر من 15 مليار دولار، وأشار إلى أن الطلب على السلاح الروسي مستمر، ولم نسجل أي تراجع على هذا الصعيد، بصرف النظر عن أي شيء، وتقدر قيمة العقود المبرمة بحوالي 45 مليار دولار، وفي العام الماضي تم التوقيع على عقود جديدة لتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية وتقديم الخدمات تزيد قيمتها عن 16 مليار دولار، ولفت المسؤول الروسي إلى حدوث تغيرات ملموسة في التوزع الجغرافي لشركاء روسيا المحتملين في مجال التعاون العسكري التقني، قائلًا: انتتقلنا من مرحلة المحادثات إلى مرحلة التمهيد الجدي للتعاقد، بل والتوقيع على العقود مع الدول التي كانت تشتري أسلحة من روسيا على نطاق محدود جدًا، أو لم تكن تشتريه أصلًا، كالسعودية وقطر والبحرين والنيجر. لماذا تلهث الدول وراء "إس 400″؟ بات أنظمة الدفاع الجوي الروسية بشكل عام ومنظومة "إس 400" على وجه التحديد، أهم منظومة دفاعية في العالم، حيث تفوق إلى حد كبير مثيلاتها لدى الولاياتالمتحدة وحلفائها، حيث تحمي منظومة الدفاع الجوي "إس 400" السماء من القاذفات والمقاتلات وكذلك من الصواريخ الباليستة، فيما تضطلع منظومة "بانتسير-إس1" بالحماية من الصواريخ المجنحة والأهداف الجوية التي تطير على مسافات قريبة، بما في ذلك الطائرات من دون طيار، الأمر الذي يجعل المنظومتين ليس لهما نظائر في العالم عمومًا وفي أمريكا على وجه التحديد، حيث تستخدم واشنطن للدفاع الجوي منظومات "باتريوت" و"أفينجر" و"ستينغر"، ووفقًا لمحلل في مركز التحليل للبحرية الأمريكية والمشاة البحرية، جيفري إدموندز، فإن هذه الأنظمة لا توفر حماية جيدة لمنطقة محددة، على عكس الروسية، ويرجع ذلك إلى أن الجيش الأمريكي يعتمد على "القتال من دون التماس"، حيث يلعب الطيران دورًا قياديًا في الحروب الأمريكية، مثلما يحدث في أفغانستان والعراق وليبيا.