أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين يقضون أحكاما جائرة بين 10 مؤبدات إلى سجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية، لكن أحكاما كهذه لم تثنيهم عن تحدي إرادة السجان وصنع الحياة خارج أسوار السجن، فابتكروا أطفال النطف المهربة، التي تتمثل في تهريب الأسرى للسائل المنوي، ويتم إجراء عمليات حقن مجهري لزوجاتهم، وينعموا بأطفال تقف في وجه السجان، كأقوى رسالة على أن هذا الشعب لا يموت. سفراء الحرية، هكذا يسمون الأطفال المولودين خارج السجن من الأسرى، وقد بدأت الفكرة في التبلور عند مجموعة من الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبد عام 1990، إذ ناقشوا الأمر بسرية تامة فيما بينهم، وقرروا أن يمضوا في هذه العملية، تحديا وإثباتا على أن جدران السجن لا تحد من عزيمة الفلسطينيين، الذين يناضلون من أجل الحياة بكافة الأشكال والوسائل.
لاقت الفكرة استحسان عدد من الأسرى، الذين وجدوا أنفسهم سيقضون أعمارهم داخل السجن، وبدأت الفكرة تتنفذ في أواسط التسعينات، ليبدأ الأسرى بتهريب السائل المنوي، ومن ثم تقوم زوجاتهم بعملية تنتهي بإنجاب طفل تكون أولى صرخاته باسم الحرية. ومن بين جميع الأسرى، حاول عدد محدود ترجمة الفكرة، دون نجاح يذكر، حتى قام الأسير عمار الزبن، المحكوم عليه ب26 مؤبد، بتهريب نطفة منوية عام 2012، وبعدها أنجبت زوجته الطفل مهند، الذي كان أول سفراء الحرية، والذي جعل الفكرة برمتها تلمع في أذهان الأسرى، الذين ساروا على خطاه. عبد الناصر فروانة، رئيس الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى، قال إن مواصلة التحدي الإنساني الذي يتبعه الأسرى في سجون الاحتلال ونضالهم لأجل الحرية، جعلهم يلجأون إلى الوسيلة الوحيدة التي في يدهم بتهريب النطف المنوية، لتتحول إلى أطفال يحملون أسماءهم ويواصلون مسيرة الحرية من بعدهم، وبهذا يحقق الأسرى حلمهم في الإنجاب بما صار يعرف بالتلقيح الصناعي. في العام السابق، بحسب فروانة، تمكن عدد من الأسرى الفلسطينيين من تهريب نطف منوية من داخل السجون الإسرائيلية، وقد نجحت 7 عمليات تلقيح صناعي، حيث بهذا العدد يرتفع عدد الأطفال الفلسطينيين الذين جاءوا للحياة بهذه الطريقة إلى 64 طفلا. ويعد هذا الأمر واحدا من أقوى أشكال التحدي والتفوق على آليات المراقبة الإسرائيلية داخل السجون، وانتصارا مدويا للحركة الأسيرة، التي تصر على مواجهة الظلم والإجراءات القمعية الصهيونية بحقهم، بمنح حياة جديدة لأطفال خارج القضبان.