حوالي 7 ملايين بائع متجول يتحركون مع أول ضوء شمس يوميا بالشوارع للبحث عن لقمة العيش، وسط مياه الأمطار في الشتاء، وحرارة الشمس في وهج الصيف، ومعاناتهم لا تخلو من مضايقات أمنية ومطاردات يوميا؛ نظرا للانتشار العشوائي في الشوارع والميادين، وتظل الأزمة مستمرة مع إقامة عشرات الأسواق البديلة. الدكتورة هالة أبو السعد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المحافظين بمجلس النواب، انتهت من مشروع قانون "تنظيم أعمال الباعة الجائلين"، الذي يسعى إلى تقنين أوضاعهم من خلال حصولهم على تراخيص من الوحدات المحلية أو الأحياء. وقالت أبو السعد إن هناك انخفاضا في مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر بمصر، وأن الفقراء أصبحوا يمثلون حوالي 48%، ووجود الباعة الجائلين أمر مهم وضروري في توفير السلع أو بعض خدمات لفئات عريضة من الشعب، حيث تقل تكلفة ما يتم بيعه من السلع أو خدمات، لتتماشى مع إمكانيات الطبقات الفقيرة. وأضافت أن فرص الانحراف والاتجاه إلى التطرف والإرهاب أو تجارة المخدرات والممنوعات والبلطجة، سوف تزداد إذا لم تراع مجموعة من السياسات تقنين الوضع الذي يحمى المجتمع من المخاطر، متابعة أن فلسفة القانون تعكس تلك الطموحات والآمال التي يمكن أن يحققها ولم يكن ممكنًا تحقيقها من دونه، كما أنها تعكس الضرورات الكاشفة للحاجة للقانون. ويتضمن مشروع القانون عدة مواد؛ منها المادة 1: يعد بائعا متجولا كل من يبيع سلعًا أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة فى أى طريق أو مكان عام دون أن يكون له محل ثابت، وكل من يتجول من مكان إلى آخر أو يذهب إلى المنازل لبيع سلع أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة بالتجول. وتنص المادة 2: لا يجوز ممارسة حرفة بائع متجول إلا بعد الحصول علي ترخيص بذلك من الوحدة المحلية أو الحي المختص بالمحافظة، ويصرف لطالب الترخيص بعد استيفاء الشروط علامة خاصة مميزة، والمادة 3: يسرى الترخيص لمدة سنة ويجوز تجديده ويجب تقديم طلب التجديد قبل انتهاء الشهر الأخير من مدة الترخيص وألا أعتبر الترخيص لاغًيا بانتهاء مدته. والمادة 4 تنص على: على المرخص له حمل الترخيص أثناء ممارسة حرفته وعليه تقديم الترخيص كلما طلب منه، والمادة 5: على المرخص له رد الترخيص والعلامة المميزة إلى الوحدة المحلية أو الحي المختص في حالة عدوله عن ممارسة حرفته أو في حالة إلغاء الترخيص، والمادة 6: لا يجوز الترخيص في ممارسة حرفة بائع متجول للأشخاص الآتي بيانهم؛ من تقل سنه عن اثني عشر عاما والمصابون بأحد الأمراض المعدية أو النفسية. وأشاد محمد أدهم، نائب رئيس النقابة المستقلة للباعة الجائلين، بمقترح القانون؛ لأنه يساهم في حماية حقوق الباعة الجائلين بعد سنوات من الإهمال والتهميش من جانب الدولة، وأنه يؤكد ما نص عليه القانون 33 لسنة 1957، الذي يعترف بحقوق البائع بصفته مواطن مصري أدى خدمته العسكرية والدولة مسؤولة عنه. وأضاف أدهم ل"البديل"، أن مشروع القانون ينظم عمل الباعة الجائلين بإعطاء التراخيص لمزاولة العمل، ما يعود بالنفع على البائع والدولة معا، ويدخل الاقتصاد غير الرسمي وملايينه المهدرة داخل الاقتصاد الرسمي، فبدلا من أن يأخذ البائع كهرباء دون مقابل من أحد أعمدة الشارع، يستطيع بعد التراخيص من الوحدة المحلية، أن يستخدم الكهرباء بمقابل مادي يعود لخزينة الدولة، وفي الوقت ذاته، يصبح البائع مؤمنا ليس مطاردا في الشوارع كمتهم من البلدية ورجال الأمن. وأكد أن عدد الباعة الجائلين وصل إلى 7 ملايين على مستوى الجمهورية، يحتاجون فقط إلى أماكن مستقرة للبيع والشراء، ولا يمانعون دفع أي رسوم للتراخيص، بالإضافة إلى تنظيم العمل في أسواق حضارية بدلا عن العشوائية، حتى يتم تقنين وضع الباعة، ويتحول الاقتصادي الموازي إلى اقتصاد رسمي، تحصل منه قيمة الخدمات والضرائب. وعن العقوبة المقترحة في القانون، أوضح نائب رئيس نقابة الباعة الجائلين، أنها حق للدولة إذا ارتكب البائع مخالفة بعد توفير باكيات ومحلات منظمة له، مؤكدا أن الباعة ليسوا مخربين أو عشوائيين، بل 70% منهم حاصلين على شهادات عليا. وعن رفض الباعة للأسواق المنظمة ومنها الترجمان، أكد أنها ليست مسؤولية البائعين؛ فالدولة أعلنت فيما قبل أنه مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر لنقل باعة وسط البلد، لكن عندما طالت المدة إلى 3 سنوات، دون حركة بيع أو شراء هجره الباعة، أما باقي الأسواق البديلة التي رفض الباعة الذهاب إليها، كانت غير مخططة وفي أماكن غير مأهولة بالسكان أصلا. وتابع أدهم أن الباعة الجائلين مع أي مبادرة إيجابية تنقذهم من مطاردة الأمن في الشوارع ومع الاستقرار في أسواق بديلة منظمة بأماكن قريبة من السكان وليست نائية، مثل سوق الزاوية الحمراء، الذي يعد ضمن النماذج الناجحة، وانتقل إليه الباعة بسهولة، لافتا إلى تنسيق ميعاد لجلسة نقاشية مع النائبة هالة أبو السعد؛ لاقتراح إضافة بعض المواد الخاصة بالقانون الجديد، منها توفير تأمين اجتماعي وصحي للبائع. وعلى جانب آخر، قال عاطف أمين، رئيس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، إن أزمة الباعة الجائلين ليست بحاجة إلى قوانين جديدة، خاصة أن هناك قوانين عديدة آخرها رقم 105 لسنة 2012، الذي ينص على عدم بيع أي سلعة أو بضاعة دون الحصول على رخصة وتوقيع العقوبة على البائع حال المخالفة، لكنه لم يطبق على أرض الواقع، مضيفا أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم وجود إرادة لتنفيذ القوانين. أضاف أمين ل"البديل"، أن الفساد في المحليات، بل تواطؤ بعد العاملين بالأحياء مع الباعة الجائلين، بحسب تعبيره، ساهم في تفاقم المشكلة، وانتشار الباعة بعشوائية شديدة في الشوارع والميادين المختلفة، خارج الأسواق المنظمة، متابعا أن هناك أثارا خطيرة من انتشار الباعة؛ منها تشويه المظهر الحضاري العام، وانتشار البلطجية والخارجين على القانون وسط الأماكن المزدحمة العشوائية، بالإضافة إلى التكدس المروري وإهدار مليارات من الجنيهات خارج خزينة الدولة الرسمية. وأكد رئيس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، أن مواجهة الظاهرة، لا تحتاج فقط لقوانين بقدر البحث عن حلول للأسباب المتجذرة، مثل انتشار البطالة والفقر، وندرة فرص العمل المطروحة، موضحا أن الدولة كانت تتعامل بطريقة تقليدية مع الباعة الجائلين دون تخطيط سليم؛ فكانت تسعى للتخلص منهم فقط في منفى بعيدا عن المناطق السكانية لرغبتها في إزاحة الزحام عن الميادين والشوارع الرئيسية، وتنفق ملايين الجنيهات على أسواق مثل التونسي بالسيدة عائشة، الذي نقلته إلى 15 مايو، ولم يستفد الباعة منه لأنهم أصبحوا معزولين، ولا يبيعون شيئا. وأوضح أمين أن الأسواق العشوائية تهدر على الدولة أكثر من 60 مليار جنيه سنويا؛ من خلال سرقات الكهرباء والمياه وغياب التأمين والضوابط للعمالة، وتعطيل المرور والازدحام وزيادة حركة التلوث، وغياب الرقابة على منتجات مصانع بئر السلم مجهولة المصدر، مطالبا الدولة بضرورة إجراء حصر شامل ودقيق لأعداد الباعة الجائلين المنتشرين على مستوى الجمهورية، ثم التخطيط لإنشاء أسواق حضارية في مناطق مأهولة بالسكان، فالقوانين والعقوبات لن تحل المشكلة دون علاج للجذور، مع ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مثل إنشاء أسواق تحت الأرض تكون مجاورة لمحطات المترو، حيث تبلع الزحام وتخفف العبء المروري على الشوارع وتوفر فرصة عمل تحت سيطرة ورقابة الدولة في ذات الوقت.