أحيا الفلسطينيون أمس الذكرى 22 لاغتيال المهندس الأول في كتائب القسام، يحيى عياش، الرجل الذي احتفل الكيان الصهيوني باغتياله، بعد مطاردات واسعة من الاستخبارات الإسرائيلية وعملائها، حتى تمكنوا من الوصول له. ولد عياش 6 مارس عام 1966 في جنوب غرب مدينة نابلس في الضفة الغربيةالمحتلة، وبعد أن أنهى مسيرته العلمية في مدارس نابلس، التحق بجامعة بيرزيت، ليدرس الهندسة الكهربائية، وتخرج عام 1988، ليستخدم علمه في النضال ضد الاحتلال. بدأ عياش حياته العسكرية بعد تخرجه عام 1990، مع بدء الانتفاضة الأولى، عندما استطاع بخبرته المتواضعة حينها العمل على توفير مواد متفجرة لاستخدامها في المقاومة، في ظل عجز شديد داخل الأراضي الفلسطينية لهذه المواد، حيث قام بتحويل مواد متوفرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية إلى مواد متفجرة، أرعب بها المحتل حينها. في عام 1992 انضم عياش لصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكان نشاطه بحسب خبرته، في تركيب العبوات الناسفة من مواد بسيطة وأولية متوفرة في أماكن تواجده، بعد سنوات قليلة طور عياش أسلوبًا جديدًا في العمليات النضالية، حيث تبنى فكرة العمليات الاستشهادية، ونظم وأشرف على سلسلةً من العمليات داخل الأراضي المحتلة، جعلت منه المطلوب الأول للكيان الصهيوني، بتعليمات من رئيس الوزراء حينها إسحاق رابين، خاصة بعدما نفذ عملية فدائية في حافلة للركاب في شارع ديزينكوف بتل أبيب عام 1994. وفي عام 1993 عُرف يحيى عياش بنضاله وأساليبه المبتكرة في المقاومة، حينما قام بأول عملية فدائية، بتجهيز سيارة مفخخة داخل الأراضي المحتلة، وبدأت مطاردته، عندها ترك عياش بيته، ومكث بين رفاقه المدافعين عن فلسطين. سنوات طويلة من المطاردة لم يتمكن الاحتلال خلالها بجميع أجهزته أن يصل إلى المهندس عياش، الذي كان رمزًا وأيقونة للمناضلين الفلسطينيين، حتى إن الاحتلال وصفه بصفات عديدة نتيجة دهائه، منها الثعلب، والعبقري، والرجل ذو الألف وجه، والأستاذ، والمهندس، وصولاً إلى اعتراف قيادات الاحتلال بحنكته العسكرية، التي قال فيها أحد قيادات الاحتلال: إنه لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرًّا للاعتراف بإعجابي وتقديري لهذا الرجل، الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه. ولسنوات طويلة من الملاحقة داخل الضفة الغربية، ومداهمات لبيته وابتزاز لزوجته وعائلته، لم يتمكن جهاز الشاباك الصهيوني من الوصول لعياش، وفي تلك الفترة. كان المهندس يفكر في التوجه لقطاع غزة؛ نظرًا لنفوذ المقاومة الأوسع فيه، وبحسب معلومات الشاباك، فإن عياش انتقل إلى غزة في حافلة لنقل الخضار، حيث استقبله فيها أفراد من حركة حماس، ساعدوه على التخفي والتنقل، ووفروا له كل ما يلزمه، ليستمر في عمله النضالي ضد الاحتلال. وبعدما فقد الاحتلال الأمل في الوصول إليه، قرر أن تكون زوجته التي استقرت في الضفة الغربية مع طفليه، الطُّعم الذي سيصطادونه من خلالها. حيث راقب الاحتلال مكالمات الزوجة، وتبين أنها ستذهب هي الأخرى إلى قطاع غزة مع طفليها، واستمر الشاباك في مراقبتها، وسمح لها بالعبور من الضفة الغربية إلى قطاع غزة. وعقب ذلك بدأ جهاز الشاباك في البحث عن أي طريقة للوصول إلى عياش داخليًّا، وبعد البحث، وصلوا إلى خيط يقود إليه، بعدما تأكد الشاباك من أنه يعيش في بيت لاهيا، في مكان قريب من زوجته وأطفاله، ووصل الشاباك إلى أسامة حماد، أحد أصدقاء عياش، والذي كان يذهب إلى بيته أسبوعيًّا ليرى أطفاله وزوجته. أراد الاحتلال أن يغتال عياش بشكل واضح ومباشر دون أي مجال للفشل، فاختار جهاز الهاتف المحمول ليقوم بهذا الدور، ووجد الاحتلال ضالته في التاجر كمال حماد، وهو رجل أعمال فلسطيني يعمل في التجارة بين إسرائيل وفلسطين، وبعد ابتزازه وتهديده بمنعه من الدخول إلى إسرائيل وإيقاف تجارته، رضخ حماد إلى مطالب الاحتلال، وقام بتسليم جهاز الهاتف المحمول إلى قريبه أسامة حماد، الذي يتصل بشكل مباشر مع عياش، وكان الهاتف الأول نظيفًا لا يحتوي على أي مواد متفجرة، إلا أنه مدجج بأجهزة التجسس، حيث كان الهدف أن يتم التأكد من أن عياش سيستخدم هذا الهاتف، عندما يقوم الاحتلال بالتشويش على اتصالاته مع أبيه في نابلس. وفي أكتوبر عام 1995 جرت المحاولة الأولى لاغتيال عياش، عندما شوشت المخابرات الإسرائيلية على اتصال بينه وبين والده، لكن خللاً حدث، وهنا طلب الشاباك من حماد إعادته للصيانة مرة أخرى، وحدث ذلك، وتم تكرار عملية التشويش مرة أخرى، وتكررت الأحداث كما حدثت في المرة الأولى، وعندما تم التأكد من أن عياش يتحدث من خلال الهاتف، تم استهدافه بواسطة طائرة الاحتلال. مات عياش جسدًا، لكن فكرته في استخدام المواد البسيطة والأولية المحلية بقيت تكبر وتمتد، حتى أصبحت الآن صواريخ تصل إلى العمق الصهيوني، وقد أنجبت فلسطين مئات المناضلين أمثال عياش.