محافظ الغربية: مقرات الانتخابات تتزين لاستقبال انتخابات مجلس النواب    كلودين عون: «المرأة اللبنانية ما زالت محرومة من حقوقها»    وزير الأوقاف يهنئ دار الإفتاء المصرية بمرور 130 عامًا على تأسيسها    جامعة حلوان تنظم ندوة تخطيط ووضع برامج العمل    وزيرة البيئة تلقي بيان مصر في مؤتمر منظمة «اليونيدو» بالرياض    سعر كيلو الفراخ بالقليوبية الأحد 23/ 11 /2025.. البيضاء ب60 جنيها    انطلاق أعمال الدورة الثالثة للملتقى السنوي لمراكز الفكر في الدول العربية    11 شرطا للحصول على قرض مشروع «البتلو» من وزارة الزراعة    الهلال الأحمر الفلسطيني يعلن إصابة شاب برصاص قوات الاحتلال في رام الله    وزير الخارجية يؤكد تطلع مصر إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع كندا    اتهامات لأمريكا بإدارة عمليات سرية وخفية بفنزويلا للإطاحة بمادورو    نتنياهو: نرد على خروقات وقف إطلاق النار بشكل مستقل دون الاعتماد على أحد    القاهرة الإخبارية: الاحتلال ينفذ عمليات نسف وتفجير بمدرعات مفخخة شرق غزة    موعد وحكام مباراة باور ديناموز وبيراميدز في زامبيا    حسين لبيب يناشد رئيس الجمهورية بحل أزمة أرض السادس من أكتوبر    تعرف علي التشكيل المتوقع للزمالك أمام زيسكو الزامبي فى الكونفدرالية الليلة    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    جامعة بنها تحصد 18 ميدالية في بطولة الجامعات لذوي الاحتياجات بالإسكندرية    جوزيه جوميز: كنا نستحق نقطة واحدة على الأقل أمام الهلال    دراسة داخلية.. أسبوع بدون «فيسبوك» يخفض القلق والاكتئاب والمقارنة الاجتماعية    تجديد حبس المتهم بالتحرش بطالبة في التجمع    تسهيلات لكبار السن وذوي الهمم.. التضامن توضح ضوابط حج الجمعيات    ضبط 351 قضية مخدرات وتنفيذ 74 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    مقتل سائق توك توك على يد عاطل بشبرا الخيمة.. تدخل وفض مشاجرة بين شقيقه والمتهم    قوات الإنقاذ النهري تواصل جهودها في البحث عن طفل سقط في ترعة بقنا    كيف ترخص السيارة بديلة التوك توك؟.. الجيزة توضح الإجراءات والدعم المتاح    أسامة الأزهرى: جميع مقدرات وزارة الأوقاف فى خدمة دار الإفتاء    وفاة الإعلامية ميرفت سلامة بعد صراع مع المرض    إسلام كابونجا بعد إحالته للتحقيق: أسف إني سمعت الناس كلمة وحشة في يوم (فيديو)    مصطفى كامل: «أنا واقف بطولي.. وهدفي هو حماية مصالح النقابة وأعضائها»    غدا.. تمريض جامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة:معا لمجتمع جامعي أفضل"    الاتحاد المصري لطلاب الصيدلة ينظمون حملة للتبرع بالدم بجامعة القناة (صور)    "أنا متبرع دائم".. جامعة قناة السويس تنظم حملة التبرع بالدم للعام ال15    الكنيسة القبطية تستعيد رفات القديس أثناسيوس الرسولي بعد قرون من الانتقال    نعمل على تعزيز قيم الولاء.. وزير الرياضة يكشف جهود الدولة لمواجهة ظاهرة التجنيس    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    اتحاد الأثريين العرب يهدي درع «الريادة» لحمدي السطوحي    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 75 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    اليوم بدء امتحانات شهر نوفمبر لسنوات النقل.. وتأجيلها في محافظات انتخابات المرحلة الثانية لمجلس النواب    المشاط تلتقي مجتمع الأعمال والمؤسسات المالية اليابانية للترويج للإصلاحات الاقتصادية    وزارة الصحة: إصابات الأنفلونزا تمثل النسبة الأعلى من الإصابات هذا الموسم بواقع 66%    المخرجة المغربية مريم توزانى: «زنقة مالقا» تجربة شخصية بطلتها جدتى    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    "عيد الميلاد النووي".. حين قدّم الرئيس هديته إلى الوطن    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    الوجه الخفى للملكية    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاحد 23112025    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    استطلاع: تراجع رضا الألمان عن أداء حكومتهم إلى أدنى مستوى    جولة نارية في الدوري الإيطالي.. عودة نابولي وتعثر يوفنتوس    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خفض الجناح للناس
نشر في البديل يوم 04 - 01 - 2018

فى كتابه "عشرة أدباء يتحدثون"، سأل الكاتب الصحفى فؤاد دوارة الأديب الكبير توفيق الحكيم: "متى اهتديت إلى أسلوبك فى الكتابة؟"، أجاب توفيق الحكيم بدهشة: "وهل أنا اهتديت إلى أسلوبى بعد؟ إنى عملة ضائعة فى كومة من القش أبحث عن نفسى باستمرار، وكلما أبصرت شيئا لامعا وسط القش وظننته العملة ومددت يدى لالتقاطها فرت من أمامى واختفت مرة أخرى وسط الظلام". متى قال توفيق الحكيم هذا الكلام؟ قاله فى عام 1964، أى وهو فى قمة مجده الأدبى فى الستينات، وبعد أن أصبح هو من هو، ليعطينا درسا كبيرا فى التواضع.
وفى لقاء تليفزيونى مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، فى أعقاب فوزه بجائزة نوبل فى الآداب عام 1988، سأله المذيع الشاب وقتها جمال الشاعر، متى سيكتب سيرته الذاتية فى كتاب؟ قال نجيب محفوظ بكل تواضع إن الذين يكتبون سيرهم الذاتية تكون حياتهم ثرية بالمواقف الصعبة والأحداث الكبيرة المؤثرة فى المجتمع، أما الإنسان البسيط مثله، فحياته تفتقد تلك الأشياء ليكتب عنها.
والأديب السورى الكبير حنا مينه كتب وصيته وهو فى الرابعة والثمانين ونشرها فى الصحف، وأعرب فيها عن رغبته فى ألا يُحتفى به ميتا، وألا يبكيه أحد ولا يحزن عليه أحد، وألا تقام له حفلة تأبين. وأصر على جنازة بسيطة ومتواضعة مثل حياته، يحمل نعشه فيها أربعة أشخاص من دائرة دفن الموتى، ثم يهيلون التراب على جثمانه وينفضون أيديهم من بعد وكأن أمرا لم يحصل. هذا ما منى حنا مينه نفسه به بُعيد وفاته، وكأنه يريد أن يموت بهدوء بعيدا عن صخب الإعلام والضجيج الذى يرافق عادة وفاة الأدباء الكبار، وفى منأى عن مراسم العزاء وحفلات التأبين الرسمية.
هكذا هم متواضعون أغلب العظماء فى التاريخ, لأنهم لا يتوقفون عن مقارنة انفسهم, لا مع الآخرين, وإنما مع تلك الفكرة عن الكمال التى يملكونها أمام أنفسهم, ويعرفون إلى أى درجة هم بعيدون عن بلوغها. أنهم يعرفون حقيقة أنفسهم، ويعترفون صراحة بما هم عليه من ضعف وعجز، ويعاملون البسطاء من الناس على قدر عقولهم بدون غرور أو تكبر.
والتواضع هو خفض الجناح للناس ولين الجانب لهم، وسُئل الفضيل بن عياض عن التواضع، فقال: "أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله". ويرتبط التواضع بثلاث فضائل، هى: الصدق والعدل والشجاعة. والمقصود بالصدق، صدق الإنسان مع نفسه، وفى هذا يقول الفيلسوف الفرنسى رينيه ديكارت: "كلما قلت معرفة الإنسان بنفسه ازداد كبرياء". ذلك أن معرفة الإنسان لنفسه تجعله يدرك ما فى نفسه من عيوب ونقائص، فيتواضع ولا يستكبر على الناس. ومعرفة الإنسان لنفسه تجعله يعرف نفسه على حقيقتها، لا كما يريد أن يوهم الناس، يعرفها بلا تزويق ولا نفاق ولا خداع. وإذن فالتواضع نتيجة لمعرفة الإنسان لحقيقة نفسه.
كما أن التواضع مصاحب للعدل، لأن العدل الذى يعطى لكل ذى حق حقه هو الترياق المضاد للأنانية، التى لا ترى إلى أبعد من نهاية أنفها والتى تجعل من الأنا مركز الكون. فى كتابه "عشرة أدباء يتحدثون"، سأل فؤاد دوارة الأديب الكبير يحيى حقى: "يأخذ عليك البعض أنك تكاد تكون رئيس التحرير الوحيد الذى لا يكتب بانتظام فى المجلة التى يرأس تحريرها، فما السبب؟"، أجاب يحيى حقى قائلا: "أنا أتصور أن الدولة قد سلمت رئيس التحرير وظيفته لا ليتبحبح فيها كما يشاء، ولا ليطلع على القراء بمقال له كل عدد، بل لينشر على القراء أحسن ما يصله من مقالات، ومن بين ما يصله مقالته هو، فإذا وجد فيما يصله ما هو أفضل منها نشره دونها".
ومثل هذه الصراحة مع النفس، وهذه العدالة مع الناس، تقتضى بالضرورة الشجاعة فى كل لحظة. الشجاعة ليتغلب الإنسان على أنانيته، وليتخلص من انحيازه لنفسه فى آرائه ووجهات نظره، وليخلع قناع الخداع للآخرين، وليمزق مظاهر الكذب على الناس، وليصفى نفسه من مخدر غروره بنفسه وبملكاته، خصوصا وأن الغرور كثيرا ما يتخذ عند الخبثاء الماكرين قناع التواضع الزائف. ولهذا ينبغى على المتواضع حقا، لا نفاقا، أن يتخلص من هذا القناع الذى طالما لبسه المنافقون من أمثال طرطوف، ذلك المنافق النصاب الذى صاغه بإبداع الكاتب المسرحى الفرنسى موليير. إن التواضع ليس معناه ألا تُشعر الآخرين أنك أفضل منهم، بل ألا تشعر أصلا أنك أفضل منهم، فالتواضع فضيلة تنتفى لحظة أن يخطر بتفكيرك أنك متواضع.
المهم فى التواضع ألا يتحول إلى وضاعة، وألا يكون عن ضعف وخضوع وإذعان، وألا يكون أساسه شعور الإنسان بفقدان الثقة فى نفسه. فى كتابه"الخيارات التى تغير الحياة"، حدد المؤلف الأمريكى هال أيربان أربعة أشياء يتجنبها المتواضعون: لا يعتقدون أنهم يعرفون كل شىء، لا يعتقدون أنهم دوما على حق، لا يتفاخرون، لا ينتقدون غيرهم. وقديما قال أحد الحكماء: لا تنتقد غيرك وإلا فسينتقدك الآخرون. فبنفس الطريقة التى تحكم بها على غيرك يحكم غيرك عليك، وما تقيسه عليهم يقيسونه عليك. فلماذا تنشغل للذرة فى ثوب أخيك، ولا تنتبه للبقعة فى ثوبك أنت؟
لم يختر أى شخص منا والديه ولا وطنه ولا دينه، ولم يكن له أى خيار فى ظروف ولادته ونشأته. فأى شخص منا قد يولد بصحة جيدة أو يولد بصحة ضعيفة، وقد يولد بملامح جميلة أو يولد بملامح قبيحة، ويمكن أن تبدأ حياة أى شخص منا فى مدينة حديثة أو فى قرية فقيرة، فى قصر فخم أو فى بيت بسيط، فى أسرة مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو أى ديانة أو عقيدة أخرى. إن كم الاحتمالات لا حدود لها، وبالتالى فنحن لا نستحق أى شىء مما نحصل عليه فى بداية حياتنا. لا يستحق أى شخص منا أن يكون جميلا أو قبيحا، ثريا أو فقيرا، من أغلبية مميزة أو من أقلية مضطهدة، كل هذه الأشياء لا دور لنا فيها، وتفهم تلك الحقيقة وإدراكها جيدا، هو بداية الشعور بالتواضع والتسامح وقبول الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.