يمكن أن تشكل صناعة العسل الأسود إضافة للناتج الإجمالي القومي، والمساهمة في خلق وازدهار صناعات أخرى مكملة أو مستخدمة لمتبقياتها، كما أنها ستشكل عاملا مهما لامتصاص البطالة، خاصة في الريف، وأن تكون مصدرا للعملات الأجنبية. وظلت مصر حتى عام 2011 تحتل المركز الخامس فى قائمة الدول المصدرة للعسل الأسود بحصة تقدر ب5% من حجم تجارته العالمية بقيمة 23 مليون دولار، وتشتهر صناعته في محافظتي قناوالمنيا، إلا أنها تراجعت نتيجة توقف العمل بالعصارات، وتراجع عدد العصارات من 1900 إلى 300 فقط بقنا، وفي المنيا، قل العدد من 300 عصارة إلى 116 فقط، نتيجة تقلص المساحات المزروعة بقصب السكر والبالغة 19 ألف فدان في عروس الصعيد و150 ألف فدان في قنا. وقال نبيه عطا الله، صاحب إحدى العصارات بقنا، إن حجم الإنتاج ضعيف جدا، ويجب مضاعفته عشر مرات على الأقل؛ لتحقق صناعة العسل الأسود طفرة كبيرة، وتحتل المركز الأول في حجم تداوله عالميا، إلا أنها تواجه مشاكل عديدة؛ أهمها أن أغلب العصارات غير مرخصة لصعوبة الاشتراطات البيئية والمحلية، وملكيات الأرض؛ لأن أغلب الأراضي غير مسجلة، وبالتالي توقف الصندوق الاجتماعي عن منح قروض للتطوير نتيجة عدم وجود تراخيص من الوحدات المحلية. وأضاف عطا الله ل"البديل"، أن صناعة العسل الأسود، موسمية، تستمر قرابة 7 أشهر فقط من السنة، لكنها توفر فرص عمل للعديد من المواطنين، حيث يعمل في العصارة الواحدة، 10 عمال، وفى حالة غلقها ستزيد نسبة البطالة. وأعد عمر توفيق، نائب رئيس البنك الأهلي المصري فرع نجع حمادي، دراسة بحثية لإنشاء شركة مساهمة لخدمة مزارعي القصب وأصحاب عصارات العسل الأسود بقنا، وتناولت الدراسة المشكلات التي تواجه الصناعات القائمة على محصول قصب السكر والحلول المقترحة لعلاجها. وأوضحت الدراسة أن منتج العسل غير مطابق للمواصفات القياسية، وبالتالي غير قابل للتصدير مباشرة قبل إجراء معالجة أخرى عليه، والطريقة الحالية لإنتاج العسل الأسود بدائية، لم يتم تطويرها منذ الستينيات، وبالتالي فهناك فاقد في محصول قصب السكر يصل إلى 50%، حيث يتم استخدام آلات العصر البدائية، واستخدام المصاصة في عملية الغلي، ما ينتج عنه فقد في الكمية الضخمة من المصاصة، بالإضافة إلى ضياع منتج مهم أثناء إنتاج العسل وهو المولاس في صورة شوائب، يتم التخلص منه والذي يدخل في صناعة أكثر من 17 منتجا آخر مثل العطور، الخل، السبرتو، الخميرة وغيرها. وأوصت الدراسة بعدة حلول لهذه المشكلات؛ منها إنشاء شركة مساهمة مصرية تطرح أسهمها للاكتتاب العام، وتساهم فيها البنوك ورجال الأعمال وأفراد الشعب والجهات الحكومية، ويكون مقرها المنطقة الصناعية بنجع حمادي، وتكون مهمتها استيراد المعدات الحديثة اللازمة لتطوير عصارات العسل الأسود، لتعمل بالطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، ويكون بالتقسيط لأصحاب العصارات. وقال الدكتور أحمد زكي، أستاذ المحاصيل السكرية، إن عصارت العسل الأسود بوضعها الراهن لا يمكن أن تفي بالطلب على المنتج، وبالتالي تحتاج إلى التطوير، الذي يجب أن يشمل المتطلبات الصحية والبيئية والاشتراطات الفنية، وتدريب الفنيين والعاملين بها، لافتا إلى أن هناك العديد من العصارت المتوقفة لأسباب مختلفة، ما يعني تعطل استثمارات وضياع فرص عمل، ومن حيث الكم، ففي الموسم الماضي، بلغت مساحة القصب التي وجهت إلى صناعة العسل الأسود 11 ألفا و396 فدانا إلى 277 عصارة، أنتجت 52 ألفا و450 طن عسل، غالبيته يستهلك محلياً وبعضه يصدر للخارج، وتعمل العصارات من شهر ديسمبر حتى مايو من كل عام، وهي الفترة التي يوجد بها القصب الناضج الصالح للاستخدام، وهذا يسبب بطالة موسمية للعمال في الصناعة، وأيضا تحدث حالة عدم استقرار لأسعار العسل. وأكد زكي ل"البديل"، أن صناعة العسل الأسود تتصف بالبدائية الشديدة جدا في بيئة الصناعة والأدوات والمعدات المستخدمة، وعدم اتباع القواعد الصحية والبيئية السليمة في تداول العصير وأماكن الطبخ والتعبئة والنقل والتداول، حيث يتم الإنتاج فى بيئة مفتوحة مكشوفة تمكن الحشرات والحيوانات من الوصول إلى العصير أو العسل، كما أن عمليات الغسيل والنظافة للأرضيات والمعدات والأدوات غير موجودة، وربما تكون أجزاء كبيرة من العصارة ليس لها سقف أو إمكانية غلق الأبواب والنوافذ، وأيضاً لا توجد حماية قاطعة من سقوط الأتربة والشوائب في العصير أو العسل المنتج؛ لأن الصناعة تعتبر اجتهادية إلى حد كبير من القائمين عليها في التصميم والتنفيذ، ولا تحظى بأي دعم أو مساندة من الدولة، بالإضافة إلى غياب الدور الرقابي والمرور على العصارات للتأكد من سلامة الخامات والمنتجات.