لم يكن يعلم الموظف سيد عبد العال، البالغ من العمر 40 عاما، أن كل طموحاته ستتبخر في الهواء، بعدما قرر بيع مصوغات زوجته، آخر مدخراته، ليدفعها مقدمة لشقة العمر في مشروع الإسكان الاجتماعي لمحدودي الدخل بمدينة بدر، الشقة التي تخيل أنها ستحمي أسرته من فوضى التنقل المتكرر من وحدة إلى أخرى، بعدما يرفع عليه مالك العقار قيمة الإيجار الجديد. عبد العال مثل عشرات المواطنين، الذين جمدوا أحلامهم حتى لحظة استلام شقة الإسكان الاجتماعي، لكن فوجئوا بكوارث لم تخطر لهم على بال؛ حيث الجدران الملئية بالشروخ، والعقارات من الخارج يغزوها الرشح والتصدعات، فدخلوها مضطرين بعدما دفعوا كل أموالهم بحثا عن سكن مستقر، لكنه ليس آمنا بالقدر الكافي؛ فهم يشعروا بالرعب من انهيار المبنى بين لحظة وأخرى، بعدما سئموا من إرسال الشكاوى والاستغاثات إلى وزارة الإسكان لبحث إشكالية هذه العقارات الجديدة الملئية بالشروخ. من جانبها، رصدت "البديل" عدة مناطق تم تنفيذ مشروعات الإسكان الاجتماعي بها، لكن بعد أشهر قليلة من تسلم الأهالي الوحدات السكنية، اكتشفوا الشروخ والتصدعات؛ منها الحي الخامس المنطقة 11 بمدينة بدر، المعروف باسم مشروع الياسمين والنرجس، الذي نفذته شركة المدائن، وأرسل القاطنون به عشرات الشكاوى، آخرها إلى رئيس الجمهورية؛ لإنقاذهم أو طمأنتهم بأن العقارات سليمة وليست عرضه للانهيار، بالإضافة إلى مساكن دهشور للإسكان الاجتماعي ومساكن العبور. وقال محمد عبد العال، المحامي والخبير في حقوق السكن، إن كوارث الإسكان الاجتماعي تعود لعدة أسباب؛ منها أن عددا كبيرا من الوحدات السكنية التي تم تسليمها مؤخرا كانت ضمن مشروعات إسكان مبارك، وكانت مهملة، وتم ضمها لمشروع الإسكان الاجتماعي الجديد، لادعاء الإنجاز في البناء، وأن الدولة تحمل على عاتقها مسؤولية سكن محدودي الدخل. وأضاف عبد العال ل"البديل": "ثاني الأسباب أن معظم مشروعات الإسكان الاجتماعي تم تنفيذها في إطار الهرولة وتحقيق الإنجاز من أجل الشو الإعلامي فقط، على حساب الالتزام بمعايير الجودة والمواصفات الفنية في البناء، ما يؤكد غياب الرؤية الاستراتيجية الحقيقية للدولة فيما يتعلق بإسكان الفئة المتوسطة أو محدودي الدخل من الفئات المهمشة"، متابعا: "ما يتم تسليمه من وحدات سكنية، يدخل تحت بند اللعب على مشاعر الجماهير فقط، أكثر من أنها تمت عن قناعة أو انحياز حقيقي للدولة فيما يتعلق بمفهوم الإسكان الاجتماعي". وأوضح المحامي والخبير في حقوق السكن، أن تشريعات الإسكان الاجتماعي تضم نصوصا فضفاضة لا تعبر عن تفاصيل الحماية والانحياز والكفالة وإلزام للدولة بتوفير هذا النوع من الإسكان للفئات المستحقة، وبالتالي نرى وحدات سكنية وعقارات بها تصدعات وشروخ، وغياب المواصفات الفنية على الوجه الأمثل قبل استلام سكانها، مؤكدا أن الفساد المتجذر عبر سنوات طويلة، خاصة في ملف الإسكان والمقاولات والبناء، أحد أسباب تسليم مشروعات جديدة ملئية بالكوارث الإنشائية التي تهدد أراوح المواطنين، ومن ثم، نحن بحاجة ماسة عند التخطيط للمشروعات السكنية الضخمة، أن يكون لدينا وقفة حقيقية وانحياز صريح لسكن آمن لمحدودي الدخل، وأي حديث آخر سيكون في إطار الشو الإعلامي. وعن كيفية سد ثغرات الفساد في عمليات البناء ومشروعات الإسكان الاجتماعي وإمكانية توفير جهة مستقلة تراقب وتقيم أداء الجهة التنفيذية، قال: "الأمر متاح بتفعيل المادة 78 من الدستور، حيث تكون الدولة مسؤولة عن توفير المناخ المناسب للحق في السكن للمواطنين، وأهم عناصر الكفالة التي نص عليها الدستور، الحفاظ على حق الأجيال المقبلة في الأراضي المصرية باعتبارها موردا طبيعيا محدودا". وتنص المادة 78 على "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، وتلتزم الدولة بوضع خطة وطنية للإسكان تراعي الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية فى تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضي الدولة ومدها بالمرافق الأساسية في إطار تخطيط عمراني شامل للمدن والقرى واستراتجية لتوزيع السكان، بما يحقق الصالح العام وتحسين نوعية الحياة للمواطنين ويحفظ حقوق الأجيال القادمة، كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة". وتابع عبد العال أن الدستور يلزم الدولة بتشجيع المبادرات الذاتية، ودعمها من الناحية المادية والتقنية والتشريعية للأفراد والجماعات في إطار ما يسمى بناء مساكنهم بأنفسهم، بما يتلائم مع البيئات المختلفة في الدولة على المستوى الثقافي والاجتماعي، وبالتالي لا يجب أن تؤدي الدولة دور المقاول فقط؛ لأن الأمر يفتح بابا كبيرا من الفساد، بل تتحول إلى مشرف عام، وتوفير السكن للفئات المتوسطة وما دونها. وأكد الخبير الحقوقي، أن الدولة تخلط بين تبنيها لمفهوم اقتصاد السوق الحر منذ عشرات السنين، وضرورة توفير المقتضيات الأساسية للمواطنين، وهذا ينعكس في انحيازاتها على مستويات كبيرة، لكن يظهر بوضوح فيما يتعلق بالحق في السكن، وبالتالي حتى من منطلق ما يسمى الاقتصاد الحر، يجب على الدولة تمهيد البيئة التشريعية التي تمكن الأفراد، ويكون لهم حق السكن عبر آليات متعددة منها جهودهم الذاتية، مثل تشجيع ما يسمى إسكان الجمعيات التعاونية، وتغيير النمط الموحد للإسكان القائم فقط على الحديد والأسمنت والاستفادة بتجارب معمارية عظيمة مثل حسن فتحي وآخرين، والاستفادة من كل عناصر البيئة في بناء أنماط إسكانية مختلفة تتفق مع المناخ البيئي والثقافي للمجتمعات المختلفة. ويرى محمد البستاني، المهندس الاستشاري وعضو غرفة التطوير العقاري، أن الدولة عليها مسؤولية مباشرة في سرعة تكليف مكتب استشاري متخصص لمعاينة التصدعات الظاهرة في وحدات مشروع الإسكان الاجتماعي، سواء بمدينة بدر أو العبور أو دهشور وغيرها، مؤكدا أن الشروخ، تعود إلى عدة أسباب؛ منها، غياب الجسات السليمة للأرض قبل البناء، ما يترتب عليه هبوط بعد الإنشاءات، نتيجة للأحمال، حيث تصاب الأرض بما يسمى بالإحلال، بالإضافة إلى غياب دراسات التربة، فمثلا لو كانت طفلية، يتم إزالتها بالكامل والإحلال بدلا منها رملة وزلط، حتى تكون صالحة للبناء وثابتة لا يحدث لها هبوط يؤدي إلى الشروخ التي تظهر حاليا. وأضاف البستاني ل"البديل"، أن هناك نوعا آخر من الشروخ يعود لسوء التنفيذ، حيث يتم التلاعب في الخرسانة أثناء عملية البناء، ومن ثم، يترتب عليها تصدعات في الجدران والمباني، كما أن استخدام "جبس" في المحارة يؤدي إلى الشروخ، مرجحا أن يكون الاحتمال الأكبر في كوارث مشروعات الإسكان الاجتماعي، سوء التنفيذ من جانب شركات المقاولات التي تأخذ صفقة تنفيذ المشروعات من الباطن، في ظل غياب الرقابة عليها، لافتا إلى أهمية إجراء الحكومة دراسة اجتماعية قبل التخطيط لمشروع الإسكان، وتوفير جميع الخدمات المكملة لحياة الأفراد، مؤكدا وجود مشروعات سكنية بوادي النطرون شاغرة، رفض الأهالي تسلمها؛ لبعدها وغياب المواصلات والمستشفيات والمدارس. وأكد المهندس الاستشاري ممدوح حمزة، أن الشروخ نوعان؛ أحدهما معمارية في الطوب والمحارة، ولا تشكل خطورة على المنبى، لكنها مزعجة للعين، والثاني إنشائية، تؤثر على سلامة المبنى، مضيفا ل"البديل"، أن عمارات القطامية والمنيا الجديدة وأي مبان خارج الوادي والدلتا تتكرر فيها التصدعات والشروخ، حيث البناء على أراضي صحراوية من أصعب الإنشاءات، ما لم يتم اتخاذ إجراءات شديدة الخصوصية أثناء عملية البناء والتصميم، مشددا على خطورة الشروخ على أرواح الأهالي القاطنين. وأوضح حمزة أن الدولة تمتلك معاهد أبحاث البناء وكل الإمكانيات لتوفير تصميمات وتنفيذ إنشاءات تراعي الجودة الفنية والمعمارية والجامعات المفتوحة لخدمتها، خاصة أن الأراضي الصحراوية الجافة بعد توصيل المياه والصرف الصحي، يحدث هبوط في التربة؛ لأنها أرض عطشانة للمياه منذ مئات السنين، مضيفا: "رغم امتلاك الدولة كل الإمكانات، لكنها تعطي المناقصات لشركات مقاولات غير محترفة، وتلجأ لاستشارين من نوعية أهل الثقة وليس الخبرة، فتظهر كل هذه المشكلات". على الجانب الآخر، نفى هاني يونس، المتحدث الرسمي لوزارة الإسكان، في تصريحات صحفية مقتضبة، أي مخاطر أو تهديدات قد تؤثر على المواطنين من الشروخ في الوحدات، مؤكدا أن الدولة لا تتسلم المشروعات إلا بعد مراجعتها ومطابقتها للمواصفات الفنية والتصميمات.