تتجه المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس" إلى المزيد من التعقيد، وبات يكتنفها مصير غامض في ظل تراشق إعلامي وملاسنات بين قيادات الحركتين، واختلاف رؤية كلا منهما حول طريقة التعامل مع الاحتلال الصهيوني، فضلا عن وجود ضغوط وتدخلات إقليمية تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من الأساس، الأمر الذي يصب في خانه وأد المصالحة التي عملت مصر على إحيائها بين قطبي المجتمع الفلسطيني خلال الأشهر الطويلة الماضية. حسابات إقليمية بلغت حركة فتح ذروة تصعيدها السياسي تجاه حركة حماس، اليوم الثلاثاء، بتصريحات أطلقها عضو اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد، اتهم فيها القوى الإقليمية بتمويل الانقسام الفلسطيني، والتدخل لإفشال المصالحة الفلسطينية بطريقة غير مباشرة، مؤكدا أن"كل دول الإقليم التي رعت الانقسام ما زالت تتدخل سلبًا من تحت الطاولة، وأن التدخلات الخارجية لم تتوقف للحظة". تصريحات الأحمد فضحت محاولات السعودية تسوية خلافاتها الإقليمية من خلال القضية الفلسطينية، فمثلما سعت منذ أسابيع إلى تحويل الأراضي اللبنانية إلى ساحة صراع وتصفية حسابات مع عدوها اللدود إيران، ونجحت من قبلها في تحويل اليمن إلى ساحة حرب مع طهران، وقبلها سوريا والعراق وغيرهما، تسعى المملكة حاليًا لتنفيذ الخطة الصهيونية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال إسقاط المقاومة وأذرعها المتمثلة في الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة حماس، لتبقى حركة فتح التي قطعت بشكل فعلي أشواطًا في طريق التطبيع مع إسرائيل، والذي تبرز أهم مؤشراته في التنسيق الأمني مع الاحتلال. السلاح والتمكين يُعد سلاح المقاومة الفلسطينية شوكة في حلق الاحتلال الصهيوني وحلفائه، الأمر الذي جعل التصريحات بشأنه تتكرر بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس هيئة الشؤون المدنية حسين الشيخ، أمس الإثنين، إن سلاح المقاومة ليس شأنا تنظيميًا أو فصائليًا، ويجب أن نتفق عليه، فلن يكون إلا سلاح واحد وقانون واحد، وتذرع الشيخ، بملف "تمكين حكومة رام الله في قطاع غزة" لعرقلة المصالحة، وقال: "إننا بحاجة إلى الدعم والإسناد الوطني الفلسطيني لاتفاق المصالحة، ووضع كل المعوقات على الطاولة على أمل وجود قوة دفع وطنية باتجاه ما تم الاتفاق عليه"، مشددًا على أن أهم بند مطروح على جدول الأعمال تمكين الحكومة في غزة كالضفة الغربية، لافتًا إلى أن الحكومة لم تتجاوز ال5% من مرحلة مباشرة عملها وتمكينها في قطاع غزة. تصريحات الشيخ أثارت غضب حركة حماس، التي اعتبرت أن حديث فتح عن سلاح المقاومة هو "أضغاث أحلام"، وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس سامي أبو زهري: تصريحات حسين الشيخ، حول سلاح المقاومة تمثل تكرارًا لمطالب الاحتلال، وعليه أن يدرك أن مطالب النَّيل من سلاح المقاومة هي أضغاث أحلام. من جانبه صعد عضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية، ردًا على تصريحات مسؤولي فتح المتكررة بشأن سلاح المقاومة، وأكد أن سلاح المقاومة ليس خطًا أحمر؛ بل كل الخطوط الحمراء، مضيفًا أن هذا السلاح سينتقل للضفة الغربية، بل سيتم تفعيله بالضفة لمقاومة الاحتلال، مؤكدًا: سلاحنا بأيدينا إما نحرر فلسطين أو نفنى معه. في ذات الإطار قال الحية، أمس الإثنين، إن الصخب الإعلامي الذي خرج في اليومين الماضيين من قيادات حركة فتح يظهر أن هناك أطرافًا تريد الانقلاب على المصالحة، وأكد أن حركة حماس ليست نادمة على ما قدمت وفعلت، وستواصل ذات النهج من أجل الشعب الفلسطيني، واستنكر الحية، مواصلة حركة فتح الحديث عن موضوع تمكين الحكومة، مؤكدًا أن الحالة الإعلامية التي سبقت حديثه لا تطمئن، وتوجه برسالة للجميع قائلًا: رسالتنا أن تعود كل الأصوات إلى الطريقة الجادة، وأن نبشر الناس بالوحدة، داعيًا حركة فتح بعدم الاستجابة للضغوط والإغراءات. فشل الجلسة الأولى المؤشرات السابقة التي ترمي إلى إجهاض المصالحة الفلسطينية، زاد عليها فشل الفصائل في أولى جلسات الحوار التي عقدت في مقر المخابرات بالقاهرة، واستمرت بين 13 فصيلًا فلسطينيًا لما يقرب من 11 ساعة، لتنتهي دون تحقيق أي اختراق يذكر أو تسوية، بل اقتصرت الجلسة على تبادل الاتهامات بين جميع الفصائل وعلى رأسها فتح وحماس، الأمر الذي أضفى المزيد من الأجواء المخيبة للأمل في إتمام المصالحة. حركة حماس تمسكت من جانبها بمناقشة كل الملفات في هذه الجولة، وعلى رأسها رفع العقوبات عن القطاع باعتباره مطلبًا كان يجب أن يتحقق بعد استلام الحكومة مهامها فعليًا في القطاع، وطالبت، مع وفد الجبهة الشعبية، بالابتعاد عن المتاجرة بمعاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق مكاسب سياسية، ليرد وفد حركة التحرير الفلسطينية "فتح" بالتمسك بأن يقتصر الحوار على ملف تمكين الحكومة والأمن، باعتبارهما أساس هذه الجولة، وسرد رئيس الوفد عزام الأحمد، ما اعتبره شواهد على أن حماس لم تمكن الحكومة في بعض الملفات، وهو ما رد عليه وفد حماس بسرد الخطوات التي اتخذت فعلًا وتؤكد أن هناك تقدمًا كبيرًا في هذا الملف، الأمر الذي زاد الأجواء سخونة وأضفي المزيد من الصخب على الجلسة وأخرجها دون نتائج إيجابية.