كشفتت الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الآونة الأخيرة، عن وجهها الحقيقي والسبب الرئيسي لتواجدها في سوريا، فواشنطن لم تأتِ لدعم من أطلق "الثوار"، الذين يبدو أنهم الآن باتوا يدركون هذا الأمر، كما أنها لم تأتِ للقضاء على "داعش"، إذ أثبتت مجريات الأمور أن التنظيمات الإرهابية هي ورقة تتلاعب بها واشنطن لتحقيق مصالحها، ليتبين أن الهدف الأساسي للوجود الأمريكي في سوريا، ومنذ البداية، هو حماية الكيان الصهيوني في المقام الأول، وحماية مصالحها في المقام الثاني. يوم أمس، افتلعت أمريكا أجواء متوترة مع روسيا في منطقة البوكمال، فبعد أن قام الجيش العربي السوري باستعادة البلدة من أيدي "داعش" الإرهابية، الأربعاء الماضي، تمكّن "داعش" وبعد أيام قليلة من استعادة السيطرة عليها، بعدما خرج مقاتلوه من أنفاق كانوا يختبئون فيها بقلب المدينة. تحركات "داعش" في البوكمال وحرية الحركة فيها كانت من خلال مظلة أمريكية، بدأت معالمها تتضح بعد التصرفات الأمريكية تجاه القوات الروسية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المقاتلات الأمريكية حاولت إعاقة المقاتلات الروسية من ضرب مسلحي "داعش" قرب البوكمال شرق سوريا، الأمر الذي يعد انتهاكًا لاتفاق مسبق بين العسكريين الروس وقيادة التحالف في قاعدة العديد بقطر، بشأن حظر تحليقات طائرات التحالف في تلك المناطق. ويأتي الدعم الأمريكي ل"داعش"، في وقت تتزايد فيه تقارير تشير إلى ضلوع التحالف الدولي في تأمين ممرات لخروج مسلحي "داعش"، وبالأمس استعرضت قناة "بي بي سي" البريطانية ما وصفته بالصفقة القذرة التي تمت بتعاون أمريكا و"قوات سوريا الديمقراطية" ذات القيادة الكردية وبالاتفاق مع مقاتلي "داعش" لتأمين خروج آمن لهم من الرقة، وتأكيدًا على دعم واشنطن ل"داعش" في البوكمال أيضًا، قالت روسيا إن تحرير مدينة البوكمال كشف عن أدلة تثبت دعم التحالف الدولي ل"داعش" على نحو مباشر، ونشرت صورا التقطتها طائرات من دون طيار تسجل أرتالًا من مسلحي التنظيم الإرهابي تنسحب من البوكمال على امتداد كيلومترات باتجاه معبر وادي السبحة على الحدود السورية العراقية. التصعيد الأمريكي مع روسيا في البوكمال، تزامن مع تكذيب روسي لتصريحات أمريكية حول اتفاق الحدود الجنوبية لسوريا، حيث أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أن موسكو لم تتعهد ضمن الاتفاقات مع واشنطن بانسحاب القوات الموالية لإيران من سوريا، ويبدو أن هذا التكذيب استفز أمريكا ومن ورائها إسرائيل، ما دفعها للتصعيد مع روسيا في منطقة البوكمال، وهي المنطقة التي تعتبرها تل أبيب استراتيجية، خاصة أن البوكمال تشكل صلة وصل بين طهرانودمشق وبغداد. يبدو أن ملف المناطق الحدودية مازال في طور التفاعل، وهو بوابة حقيقية لأي توتر إضافي بين موسكووواشنطن، خاصة أن هناك بعثة أمريكية على مستوى مسؤولين من مجلس الأمن القومي الأمريكي توجهت إلى تل أبيب لتبحث اتفاق الحدود السورية. ويبدو أن تكذيب روسيا لما قالته الدبلوماسية الأمريكية من أن مناطق خفض التوتر الجنوبية ستكون خالية من قوات موالية للجيش السوري وإيران يقلق إسرائيل، فأكثر المسؤولين الصهاينة تفاؤلًا حول الاتفاق الروسي الأمريكي على المناطق الجنوبية في سوريا، يرون أن الاتفاق سيسمح للقوات المدعومة من إيران بالاحتفاظ بمواقعها على مسافة لا تتعدى 5 كيلومترات من الحدود في بعض المناطق، وهو الأمر الذي يربك حسابات العدو الإسرائيلي، وقد يفسر تزايد الحراك العسكري بين واشنطن وتل أبيب. فخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، توجه رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال غادي ايزنكوت، في زيارة غير معلنة، إلى بروكسل للقاء بأرفع جنرال أمريكي في أوروبا، وسافر ايزنكوت، برفقة جنرالين هما ايريز ميسال، رئيس قسم العلاقات الخارجية في الجيش الاحتلال، ويام يافني، رئيس قسم الاستراتيجيات في الجيش، والتقوا بالجنرال كورتيس سكاباروتي، الذي يتولى منصب رئيس القيادة الأوروبية في الجيش الأمريكي وقائد التحالف الأعلى في حلف شمال الأطلسي. الحراك بين تل أبيب وواشنطن لا ينفصل عن مخاوف إسرائيل الحقيقية من تواجد قوات مكونة لمحور المقاومة بالقرب من حدودها الشمالية، حيث أشارت السلطات الصهيونية إلى أن الاتفاق لا يفي بالمطالبة الإسرائيلية بإبعاد إيران والميلشيات التابعة لها بعيدا عن الحدود الإسرائيلية، ومن جهته قال وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، إن إسرائيل "لن تسمح بإنشاء محور شيعي في سوريا كقاعدة عمل"، بعد نشر صور جديدة لقاعدة إيرانية دائمة يتم العمل عليها على بعد 50 كيلومترا من الجانب الإسرائيلي من هضبة الجولان. ويبدو أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تختلقان الأكاذيب في محاولة لتمرير مشروعهما في سوريا، فبعد الكذبة الأمريكية حول مناطق خفض التوتر الجنوبية في سوريا، قام رئيس الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، بتزييف الحقائق حول التواجد الأمريكي في سوريا، وقال ماتيس، إن الأممالمتحدة سمحت لواشنطن بالدخول إلى سوريا لملاحقة تنظيم داعش، مضيفًا أن القوات الأمريكية موجودة هناك من أجل تدمير التنظيم، وأضاف، في حديث للصحفيين في البنتاجون، أن هدف الجيش الأمريكي على المدى البعيد هو الحيلولة دون عودة نسخة مطورة من "داعش"، مؤكدًا أن الجيش الأمريكي لن يغادر سوريا قبل أن تحظى عملية جنيف بالقبول. يأتي كلام الوزير الأمريكي، فيما جددت دمشق تأكيدها أن تواجد أي قوة أجنبية على الأراضي السورية دون إذن الحكومة يعتبر غير شرعي ومخالفا للقوانين الدولية، فيما شكك موظفو الخارجية الروسية في تصريحات ماتيس، إذ إنهم لم يجدوا وثائق في الأممالمتحدة تدعم تلك التصريحات، فالتصريحات الأممية تشير إلى محاربة الإرهاب بشكل مجمل لكن ليس هناك تصريح بالدخول إلى أراضي دولة أجنبية ما، أو محاربة الإرهاب دون تفويض مباشر، وحتى فيما يخص محاربة واشنطن للإرهاب، فلدى الروس ما يثبت أن أمريكا متورطة في دعم العديد من التشكيلات الإرهابية في سوريا.